من وحل الواقع حكاية مريم !! - الارشيف
- رماح خاطر
- 3 مارس، 2023
- كتاب السكة, محطة المرأة
- 0 Comments
السكة – كتبت محررة محطة المرأة رماح خاطر
هل تعرفون شكل البكاء بالشهقات ؟ هكذا كانت تبكي ام مريم التي ستروي قصتها مريم . ذلك البكاء الذي يحبس الأنفاس بطريقة متدافعة تجعلك تخرجها زفرةً واحدة تجرح الروح ! كان عمري يومها ١٣ سنة ، سألتها في ذلك الوقت : ( ليش مستحملة )؟! دعينا نهرب ! لنذهب الى مكان لا يوجد فيه آباء !
كانت تجيب : ( اوعك يا مريم ! انا مستعدة أموت بس ولا حدا فيكم يتبهدل ! ابوكم منيح معكم ، بس عصبي شوي .. معلش .. بنستحمله ) !
بعد ذلك ، صرت كلما رأيت أبي يضرب أمي أحبس نفسي في غرفتي ، ثم اكرر على سمعي:
(( مش لازم اتبهدل .. مش لازم اتبهدل .. مش لازم اتبهدل )) امي قالت بأنها تتقبل الضرب والاهانة والبقاء مع ابي ، حتى نعيش انا واخوتي بخير ، واهم شيء ( علشان ما نتبهدل ) اذاً يجب ان نعيش بخير واهم شيء ( مش لازم نتبهدل ) لانه حينها سنكون قد خذلنا أمنا ، وربما أكثر من أبونا .
كبرت .. ودرست .. وتخرجت .. وتزوجت . واكتشفت بعد الزواج ، بأن أبي كان كلما اختلى بخطيبي وقتها ، كان يحادثه عن مغامراته العاطفية وبها يتباهى ، وكان كلما سأله خطيبي : ( ام يوسف كيف مش كاشفتك لهلأ ) ؟! كان يجيب بكل قوة وفخر : ( تسترجي تحكي او تعترض ) !
ومن هناك بدأت معاناتي في جزئها الثاني من حياتي مع زوجي . صار الضرب عنده عندهُ عادياً ، والتقليل من قيمتي ، كيف لا وقد اعطاه ابي الضوء الأخضر بشفافيته وصدقه معه . يا الله كم الشفافية والصدق تصبح لعنة في ظرفٍ واحد ! ومن ماذا يشكي الكذب أحياناً ؟! عندما ازداد الضرب ، وازدادت الاهانات ، تركت بيت زوجي هرباً ، وذهبت الى بيت أبي .
وحينما وصلت ، رأيت هناك المنظر الذي كنت قد هربتُ منه بانتظاري ، أبي يضرب بأمي . تدخلت بينهم ، ونجحتُ في ابعادهِ عنها ، ثم خرج يلعنها ويلعني .
عدّلنا من جلساتنا أنا وهي بعد المعركة وخروج أبي ، ونظرنا الى بعضنا نظرات كانت تشبه ضربات السيوف ، سألتها السؤال الذي سألته اياها قبل سنين : ( انتي ليش مستحملة ) ؟ والمذهل أنها أجابتني نفس الإجابة : ( علشان ما تتبهدلوا عند جيزانكم ) !
ضحكت ! ضحكت ضحكت ضحكت ضحكت حتى استفزها وشعرت بأنه يقتلها ضحكي ! فتوقفت . نظرت اليها بنزق ! مسكت حقيبة يدي ، وعدت الى بيت زوجي عندما وصلت ، استقبلني زوجي وهو ينظر الي بمنتهى الإذلال وهو يظن بأن اهلي لم يستقبلوني فعدت اليه ، ثم بدء بوصلة من الغلطات والسباب علي وعلى امي وعلى ابي وعلى جدي السابع في قبره .
ثم في لحظةٍ واحدةٍ شديدة الهدوء ، استجمعت قواي وقلة حيلتي وغضبي وهواني و أجبته : ( ممكن تخرس ) ؟! وكنت قبلها قد فتحت التسجيل على تلفوني لانني كنت اعرف الى اين ستصل الأمور ، وكان لا بد على الأقل ان احمي نفسي ، جن جنونه ، هجم علي مثل ثورٍ استفزتهِ قطعة قماش حمراء في يد مقاتل الثيران !
بدء بضربي وهو يصرخ : ( انتي لازم تموتي ، انتي لازم تعرفي حجمك ) ثم ضربته على رأسه بتمثالٍ حديدي كان بقربي أدميت له بهِ رأسه وفججته .
وقع أرضاً وصار يصرخ ، اتصل على اهلي بالتو واللحظة وهو يصرخ ويزبد ويعربد ، وانا اجلس بمنتهى الهدوء على مقعدي احمل تمثالي الحديدي بيدي .
ثم اتصل على اهله ، واحضر الجميع ليشهدهم على زوجته التي فجّت له رأسه الذي كان ما يزال نازفاً . اسمعتهم جميعهم التسجيل ، ليفهمو ما الذي حصل .
ثم بدأت امي تولول وتبكي وتضرب أكفها ببعضها البعض وتسألني : ( ليش عملتي هيك .. ليش عملتي هيك ؟! ) مسكت وجهها بين اصابعي بحزمٍ اوجع فكّها ، ونظرت في عيونها وقلت لها : ( علشان ولادي ما يتبهدلوا ) !