من “دالاس” امرأة عربية تستغيث : أريد بيتا يؤويني
- رماح خاطر
- 4 مارس، 2023
- المحطة الرئيسية, محطة المرأة
- 0 Comments
السكة -كتبت رماح خاطر :
حلمتُ بفستان ابيض وفارسا يمتطي صهوة فرسه، لكن “الفارس” جاءَ بالطيارة، جاءَ ليحملني معهُ على صهوةِ طائرة بوينج.
الزمان : يوم من أيام الانتظار
المكان : احد الاحياء الشعبية في عمان الشرقية
بجاهة من بضع رجال وسيدات اعددن على عجل مستحضرات الخطبة التي قررها هذا الشاب المغترب -وللمغتربين طباع لا تختلف، فخيارُ الناسِ في بلادهم، خيارهم في الغربة- جاءَ ليطلب ضحية جديده تُضاف الى الحساب القديم، ارضاء لما تمليه عليه القبيلة وثقافة ” من طين بلادك لطم اخدادك
” الضحية فتحت قلبها للسكة، وتالياً ما فاض به الوجع : كنتُ فتاة يافعة بداخل أفكارها يحتشدُ العالمَ والناس جاء لخطبتي وكنتُ في الثالثة والعشرين من عمري، حصلَ الزواج بعد الكثير من الوعود الوردية الرائعة عن شكل حياتنا القادم، ذهبتُ معه الى الولايات المتحدة الامريكية، وبعد شهرين من زواجي، حبلتُ بابنتي البكر (جودي).
حصلت معي خلال الحمل مضاعفات أدت الى ولادتي بالشهر السادس، بعد ولادة بنتي تطوّرت المشاكل وانا لم أزل (نفَسة) متعبة من أثر الوضع، فقرر بعد أقل من شهرين من ولادة الطفلة، قرر (شحني) وإياها الى الاردن.
وكانت هذهِ أسرع قصة ملل اتعرّف عليها لرجل قرر الزواج. ربما ضاق خلقه بسرعة من الوضع الجديد؟ الم تكن هذه اشارة كافية الى عدم جدية هذا الرجل بتكوين أسرة؟ إنهُ ذا يحاول التخلص من الاسرة مع اول ولد؟!
(سرق الجرين كارد تبعي والجواز، وطلب مني أضل عند اهلي وما ارجع)! كنتُ قبل سفري قد سألته: ولكن ماذا عن وثائقي الامريكية؟ (الجرين كارد والسوشل سيكيوريتي نمبر)؟ قال يجب أن يظلّوا معي، حتى أقوم بتجديد الكارد، وانا مثل الاطفال الذين يصدقون كل ما يقولهُ لهم آبائهم، صدقته. سمعتُ كلامه ورجعت الى الاردن، في المطار، كان الوداع باهتاً بارداً، كانت الأحضان من غير طعم ولا انتماء، لا لي، ولا لابنته الرضيعة. بمسج تافهة اطمئن على وصولنا، ثم بعد ذلك، لا مكالمات ولا اتصالات الا التي أجريها انا.
كنتُ أبعث لهُ صور طفلتنا، ليلاحظ ويتابع كيف تكبر وتنمو، ولكي تحيي في قلبه ضمير على وشك الموت يبدو تجاهنا (أو انهُ فعلاً مات)؛
ان هذهِ الطفلة الرضيعة ابنتك، انظر.. انظر اليها كيف تنمو وتكبر بعيداً عنك، انظر الى هذا الملاك الصغير الذي لا يستحق العناء ولا يستحق الغدر.. انظر كل محاولاتي بائت بالفشل وعرفتُ بعد ذلك أنهُ بالواقع لم يأخذ الجرين ليجددهُ لي كما قال، ولكنهُ بالواقع (سرقهُ) مني.
سألته: ولكنك قلت لنا بأن هذه زيارة وبأننا سنعود! ردّ عليَّ توعُّداً لن أنساه (انسي انك ترجعي على اميركا) ثم أكد على ذلك بقسم (والله عمرك ما ترجعي).
عرفتُ اذاً بأمر الغدر، لم يكن إرجاعهُ لنا سوى محاولة للتخلص منا. حمدتُ الله كثيراً أنني كنتُ امتلك صورة عن (الجرين كارد) الخاص بي، ذهبتُ للسفارة الامريكية في عمان، وشرحتُ لهم بالتفاصيل قصتي، فقالوا لحسن الحظ ان معكِ صورة عن الجرين كارد، فاستخرجوا رقمه ثم قالوا لي عودي لاميركا، ومن فورك اذهبي الى محامي هناك ليستخرج لكِ بدل كرتك الذي سرقه.
عدتُ الى اميركا، وفي مطار شيكاجو اخذتُ صورة لي ولابنتي هناك، وبعثتها اليه. جن جنونه، واتصل عليّ بنفس اللحظة، وبدأ بالصراخ: الم آمركِ ألا تعودي؟ الم أقل ابقي في اميركا؟ لماذا عدتِ؟؟! ثم بعد أكثر من عشر دقائق من وصلة الصراخ، سألني: متى طيارتك على دالاس؟ أجبتهُ، ثم جاء واخذني من مطار ال ” dfw ” وعدتُ الى منزلي، ولكن بالتأكيد فإن الحكاية لم تنتهي عند هذا الحد، وانا التي (تحدّيتُ) رغبتهُ من وجهة نظره بالعودة. طلبتُ منهُ الجلوس للحديث، جلسنا في غرفة المعيشة، وقلتُ له: إن كنت لا تريدني ولا تريد ابنتك، فهل تسمح أن تعطيني وثائقي الحكومية؟ قال لي: ليسَ لكِ عندي شيء. ويجب ان تعودي للأردن.
رفضت بشكل قطعي العودة، فقال لي بمنتهى البساطة وكأنهُ يطرد قط متشرد سطى على غدائه؛ اذاً اخرجي من البيت. طردني مع بنت لم تتجاوز الخمس شهور، جلستُ عند عائلة مدة اسبوعين، حتى يتفرّغ لي مكان بالملجأ الذي أمنتهُ لي إحدى الجمعيات، بعد اسبوعين، انتقلت الى الملجأ مع ابنتي.
فقرر هو هذه المرّة العودة للاردن لإنهاء إجراءات طلاقي، فأُغلقت بعدها المطارات وأُغلق العالم بسبب كورونا! وعلِقَ هو هناك، وعلِقتُ أنا بالملجأ. بعد حدود الشهر او الشهر ونصف، عاد يبعث لي ليسأل عن البنت، صارَ يتصل (ڤيديو كول) ليرى ابنتهُ، أوقف إجراءات الطلاق، ثم بعد أن فتحت المطارات مجدداً عاد الى اميركا وطلب رُؤيتي، تحدثنا وطلب مني أن نعود، وأن نفتح صفحة جديدة، وأنا طبعاً وافقت على الفور، وصدقت كعادتي على الفور هذا التغير الجذري في شخصيته، ربما لأنني من كل قلبي كنتُ أريد التصديق، ربما لأنني لغاية هذه اللحظة ما زلت أعتقد بأن أفضل حل لقضيتي الشائكة، هو أن يتغيّر زوجي، أن ينظر الى هذه العلاقة التي تجمعنا على أساس الود والرحمة كما شاءَ لهذه العلاقات الله أن تكون. ولكن يبدو بأن لا أحد بالواقع يتغيّر، حتى ولو أقسم على ذلك وادّعى،
عادت المشاكل، بشكل أقسى وبطريقة صارت واضحة ولا تداري نفسها. كل المواقف التي تتراكم داخل ذهني الآن، تشي بحقيقة واحدة، (زوجي رجل قاسي) أذكر لغاية هذهِ اللحظة دموعي الغزيرة بسبب صينية شاي اشتريتها بمبلغ ١٠ دولارات فقط لا غير، من محل التنزيلات ross، أذكر كل الصراخ والكلمات التي ألقاها في وجهي بسبب ١٠ دولارات فقط. لا اعرف كيف بلحظة واحدة غبتُ عن وعي الحقيقة، وتعاملت مع نفسي مثل أي امرأة اعجبتها صينية شاي فاشترتها، كنتُ أظن أنني مثل باقي النساء، والنساء تحب شراء أغراض المطبخ، انهُ نوع من تأكيد الأسطورة التي كانوا يملؤون بها أسماع النساء (بيتك، هو مملكتك) وكنتُ أحب أن أشتري لهذهِ المملكة الصغيرة التي كان من المفترض أنها تخصني. في شهور حملي الأخيرة وما بعد ولادة ابنتي أبكر من موعدها بشهرين، لم أكن أريد أكثر من الاحتواء والرحمة، ولكن كان هذا آخر ما تلقيته.
قبلَ ولادة ابنتي الثانية بخمس إيام فقط، كنا بمحل المواد الغذائية ” kroger ” بدأت ابنتي الصغيرة جولي بوضع الاشياء بالعربة، غضب منها وضربها، فاعترضتُ انا على فعلتهِ بضربها هكذا على العام! فصرخَ في وجهي انا أيضاً، وفي لحظة كرامة قلت لهُ (والله لن أظل معك) فردَ عليّ: (روحي الله لا يردك)! خرجتُ من المحل، ثم توقفت مثل البلهاء أُسائل نفسي : (ولكن أين أذهب ببطني هذهِ أمامي؟! واين اترك ابنتي التي هي الان معهُ؟) ثم مثل الأطفال المؤدبين الذين ليس لهم بالنهاية إلا آباءهم ولو كانوا قُساةً ، عدتُ للسيارة بعدَ ان شاهدتهُ يخرج من المحل ذاهباً للسيارة، جلست في المقعد الأمامي مكسورة، حزينة، أحملُ ذلّي، وأعضّ على جراحي.
في الغربة تتضاعف قيمة الأحزان، فتصبح الغربة عامل مساعد على مضاعفة الألم ومكاثرته، في الغربة تتذكّر النساء كم هي وحيدة، مع زوج لا يفعل أي شيء باستثناء تعميق غربتها عنهُ وعن ذاتها وعن العالم، في الغربة يصير الوطن أكثر وضوحاً، فلا شيء يجعلك تشعر بقيمة الدفئ مثل البرد نفسه. ولم تكن غربتي غربة ابتعاد عن الأردن، وانما غربة الزوج، فلو كان هذا الرجل أقل لؤماً من هذا وأكثر رحمة، لعشتُ معهُ بالمريخ من دون أي احساس بالبعد أو بالغربة.
كثيراً ما سألتُ نفسي، ما هي يا ترى مشكلة هذا الرجل معي؟ هل هي بخله المبالغ في أمره حيال مصاريفنا العادية؟ ماذا كان يتوقع اذاً قبلَ أن يقدم على خطوة الزواج؟ ان امرأة وعيال سيأتون للدنيا لا محالة، لن يحتاجوا لمصاريف؟ لن أنسى كم مرّة كسّرَ فيها مجاذيفي في كل مرّة كنتُ أنتوي فيها الدراسة، لن أنسى كم مرّة حقّرني وجعلني أشعر بأنني عبئ ثقيل عليه، لن أنسى الكلام الذي ملأ بهِ أسماع الغرباء عني، لن أنسى كم مرّة احتجتُ وجودهُ الفيزيائي والمعنوي الى جانبي ولم أجده..
لن أعود الى الملجأ اليوم مع طفلتين اثنتين، لن أجعل ابنتي جودي تكرر تجربة الملاجئ مرّةً ثانية، انا اليوم أعيش مع سبب قهري وبؤسي وهواني على الناس، كل ما اريدهُ هو الطلاق، ولكنني لا أمتلك تذكرة محامي! كل ما أريدهُ هو بيت يأويني وأولادي، ولكني لا امتلك ثمنهُ! كل ما أريد هو عمل أعيش من خلالهِ حياة كريمة لا أحتاجُ بها أحداً، ولكني لا أمتلك العلاقات لأجدهُ! كل ما اريدهُ ان يعيد لي هذا الرجل وثائقي الحكومية لكي استطيعَ العيش، ولكني أهونُ عندهُ من أن يلبي طلبي هذا.
المحرر: هذهِ قصة حقيقية صاحبتها تعيش في مدينة إيرڤنج مقاطعة دالاس، من أراد منكم يا قرّاءنا الكرام المساعدة (بنصيحة أو التكفّل بأي مصاريف يشاءها أحدكم بخصوص قضيتها)، فاليقُم بمراسلتنا عبر بريد الصفحة.