.. وأن تكوني “أما عزباء” فالمصيبة أعظم (ح 1)

السكة – محطة المرأة – كتب محمد أبو رحمة

الحلقة الأولى

بداية تجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع أو تلك القضية هي بذاتها شائكة ومركبة ، وذات أبعاد، وخصوصا في عالمنا العربي ، لأنها من حيث المبدأ تنتمي الى عالم “المسكوت عنه” في حياتنا الإجتماعية ، وتميل أغلب السلطات السياسية والدينبة والإجتماعية إلى اتباع استراتيجية إدارة الظهر ، أو وضع الرأس في الرمال أمامها ، وفق تكتيك سطحي يقوم على “حل المشكلة عبر انكار وجودها .

قررنا في هيئة تحرير “موقع السكة الإخباري” أن نتصدى لها بالبحث والدراسة بقدر ما تتيح لنا المراجع والمنشورات التي سبقتنا في تعليق الجرس وإثارة الموضوع ، ونظرا لاتساع القضبة و تشابكها سنقوم بنشره على حلقات :

لعل أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ العربي عندما يسمع مفهوم ” الأم العزباء ” صورتان ذهنيتان : الأولى أنها ظاهرة غربية لا علاقة للعرب بها ، وهذا يؤدي تلقائيا إلى موقف تنصلي انسحابي . الصورة الثانية : أنها ناجمة عن علاقة غير شرعية، وهذا يؤدي إلى موقف تطهري تبرؤي .. والفاسم المشترك بين الصورتين أن الموقفَ الناجم عنهما موقفٌ هروبي، وسلبي، وتنكري “من الإنكار” وعدم الرغبة حتى بالتفكير في الموضوع.

إن من أفضل المقالات التي تصدت لهذه القضية من منظور قانوني وديني واجتماعي عربي هو مقال الكاتبة المغربية صباح الشرقي وعنوانه : “من يحمي الأم العزباء ويتكفل بحقوق مولودها ؟ ” وجاء في مقدمته :

هناك العديد من الآراء سوف تعتبر التطرق لهذا الموضوع الشائك ضربا من الافتعال أمام الأحداث السياسية التي تخيم بظلالها على واقع امتنا العربية، والتي تتطلب منا الحيز الكبير من التركيز والاهتمام سيما المستجدات التي تعد مصيرية وأكثر إلحاحا.

وجهة نظري أن كل ما سبق ذكره لا يمنع بسط المشكلة على محك الجدل والدراسة التي تعد مصيرية لشريحة كبيرة من امتنا الإسلامية والعربية إضافة الى كونها إنسانية واجتماعية محظه تمس جميع شرائح المجتمعات، إذ تعد مربط الفرس ومصدر الآلام لعدد كبير من الناس والتي لم تستني أي قطر أو مجتمع إلا واخترقته بقوة.

لا مانع لاعتماد هذا الموضوع على طبيعة النسق الفكري العربي، فالفتاة العزباء حين تقع في محظور الحمل، تعتبر حالة مرفوضة وباب نقاشها مغلق مادام الجواب عليه موجود في القرآن الكريم ، لكن رغم ذلك تظل الهواجس البشرية تتقل كاهل كيان ضعيف يتجسد في الأم العازية والمقربين منها، تلك الفتاة التي أصبحت بين الفينة والأخرى أما رغم أنفها غالبا ما نجدها حرمت من الشمس الدافئة التي تحنو وتراعي مصالحها، حرمت من حياة بسيطة هادئة آمنة، وهي في ريعان شبابها بل حتى في طفولتها، و فجأة كل شيء تغير وبسرعة هائلة، لم يمنحها الفرصة حتى بلوغ سن الرشد كي تنمي معرفتها بعدة أمور دنيوية ودينية.

في لحظة جد وجيزة تعصف بها السنين وما تحمله في مسيرتها من ظلم وحرمان وبؤس وجهل، أمهات كالزهور يصفهن المجتمع والألسن بالفاسدات الفاسقات بل كل الألفاظ القد حية التي تعبر في حد ذاتها على معنى واحد هو أنهن وصمة عار يجب التخلص منهن بأي ثمن ومهما كان.

ظاهرة الأمهات العازبات معضلة تكمن وراءها عدة أسباب أهمها:

1 – عامل التربية الجنسية الذي لم يدخل مقررات التعليم في كل الدول العربية رغم انه مطلب أكيد ينبغي أن يكون له حضور طبعا مرفق بضوابط النظام، ولو انه طرح لا يجري على نسق الفكر المعارض والمتشدد الذي يعكف على تعثر تحقيقه مثل مطالب عدة سبقته سيما وسط مجتمع تقليدي بنزعته وثقافته الذكوريه والذي يتبنى التحريم والمنع حتى من خلال تناول الحديث في الموضوع رغم أن قاعدة الممنوع مرغوب فيه.

2 – ثقافة العيب والخجل المرادفان المباشران لكلمة العار التي تدفع العديد إلى تفضيل وسلك طرق الظلام على النور من خلال اللجوء إلى استعمال وسائل التضليل والكذب والمراوغة والخداع غالبا ما تقع ضحيته الفتاة. وحين يقع المحظور تتحمل وحدها النتائج وقد يرافقها فيروسها القاتل طول العمر مما يؤدي إلى وضع اجتماعي وإنساني قاتم تضطر لمسايرته.

3 – الأم العازية بطبعها الإنساني مقهورة بأميتها الفظيعة، وفقرها المقذع، وظرفها المزري، قد يزج بها إلى الشارع أو التصفية الجسدية ( بما يسمى جرائم الشرف ) لطمس وصمة العار دون رحمة أو شفقه، إضافة إلى ما يتلقاه مولوها البريء من إجحاف في الحقوق و التبعات، قد يلقى به كذلك في دور الأيتام أو الملاجئ رغم انه ليس باليتيم، أو يتخلى عنه في المستشفيات أو الطرقات أو أمام أبواب المساجد أو في دور الدعارة أو يسلم لأسر تتكفل به
.
 4 اغلبهن يكن خادمات في البيوت و يبدأن العمل في سن صغير، وحين يبلغن سن المراهقة يرغبن في الخلاص من التعب والسهر على تلبية حاجيات الآخرين والقهر والاستعباد مما يجعلهن يرتمين في أحضان أول رجل يطرق بابهن رغبة منهن في حياة وحماية أفضل لكن للأسف الشديد يقعن فريسة جهلهن.

5 – تجدهن ضحايا الاستغلال الجنسي أو الاغتصاب من طرف أرباب العمل أو أبنائهم أو أقربائهم، أو من الغرباء.

6 – تجدهن ضحايا حب وغرام مراهق حتى يتفا جئن بما لا تحمد عقباه.

7 – تجدهنن مخطوبات بقراءة الفاتحة والشهود دون عقد قران لكن حين يحدث الحمل غالبا ما يتخلى عنهن الخطيب.

8 – الزواج العرفي الذي لا يلزم الأزواج باحترام شروط العقد، نفس الشيء حين يحدث الحمل.

9 – تجدهن يمتهن الدعارة أو مطلقات أو أرامل يجرين وراء لقمة عيش مرة تفيض بالمنغصات.

10 – تجدهن ضمن أسرة المتكفل وبمجر وفاته يلقى بهن إلى الشارع خوفا على الإرث والميراث.

11 – تجدهن مصابات بمرض أو تخلف عقلي .

12 – أغلبهن لا يفطن بالحمل إلا بعد مرور اشهر عدة لأنهن لم يسبق لهن أن عشن التجربة.

إذا من هنا إنطلقت شرارة لعنة الإكراه الاجتماعي لتجعل من طفلة بريئة أما عازبة، لم تترك لها الفرصة حتى لتلقي أصول الشريعة وتعلم الأمور الدينية والدنيوية لحماية نفسها من المفاجآت ، بل السلوك المعتمد يجعل منها مجرد مومس وطفلها ابن حرام، لقيط ابن فاحشة موسومان بالعار طول حياتهما منبوذان من العائلة و المجتمع.

نهاية الحلقة الأولى – يتبع

 

اترك تعليقا