.. وأن تكوني “أما عزباء” فالمصيبة أعظم (ح 2)
- Alsekeh Editor
- 11 مارس، 2023
- محطة المرأة
- 0 Comments
وتضيف الأستاذة صباح الشرفي
الأم العازبة تعاني من العواقب والعقاب لوحدها، أما شريكها في الجريمة فهو بعيد عن أي عقاب أو شبهة تخل بشخصه، بل تنطلق معاناتها من شريكها مرورا بالأوصاف والنعوت القد حية إلى الفضيحة الجسدية والمعنوية، لأن المجتمع الإسلامي لا يرحم بل لا يعترف إلا بثقافة التحقير والاضطهاد والإقصاء انطلاقا من أولياء الأمور إلى أصحاب القرار وصولا إلى القوانين إن وجدت. رغم أن العدل والمنطق والصواب يفرض أن يتناصفا مسؤولية الغلط سويا في العقاب وفي الانضباط والتحكم في النفس إزاء الشهوات والأفكار والنزوات.
الدين الإسلامي السمح أوجد القوانين، لكن المسؤولين غير مهتمين بل اخفقوا في تجهيز أرضية خصبة مناسبة لمواطنيهم مند الانطلاقة والخطر الأكبر يكمن في الانفتاح الزائد والواسع على الغرب وثقافته المتحررة ونقل تقدمه في شقه السلبي. إضافة إلى ما سبق ذكره فالمجتمع العربي ذكوري بنزعته والذي له الرغبة الجامحة والدقيقة في تأكيد وإبراز وفرض تلك النزعة بتحقير وتهميش المرأة وتكبيل معصميها بأغلال وقيود ثقيلة كالشرف والعذرية التي تتناقض غالبا مع الواقع المعاصر المعاش.
نجد أن الشريعة الإسلامية حسمت أمر الولادة غير الشرعية وحرمت العلاقة الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج إذ من هنا يعتبر تصنيف الأم العازبة وطفلها في خانة الخارجين عن القانون الشرعي التي تنص عليه الأعراف والقوانين العائلية والمجتمعية، إلا أن هذه الآفة تظل في العقل الظاهر و الباطن اجتماعية وإنسانية محظه لكنها اتسمت بالصمت وأصبحت في عداد المسكوت عنها عمدا حتى طفت على السطح وبرزت بقوة للعيان ثم استشرت ولم تشتتني أي قطر عربي.
يجب اتخاذ المبادرات الفعالة والجادة ، تكون لها القدرة لتكسير طابوهات ظاهرة الأم العازبة وما تتركه من جرح عميق وظلم كبير غالبا ما يخلف ظروفا غير متوازنة يترتب عنها انعكاسات نفسية وعاطفية واقتصادية واجتماعية تكون مدمرة. جل الأبحاث التي أجريت اثبثت انه لا توجد ولا واحدة من هؤلاء الأمهات اخترن بمحظ إرادتهن وضعهن الغير صحيح، كذلك فكرة عقلية تجريم مثل تلك الأفعال متجذرة وراسخة في عقولهن، لكن اغلبهن يجهلن أن القانون والظروف لا تحمي المغفلات. فالبشر غير معصوم من الخطأ والغلط وما الكمال إلا لله رب العالمين .
إن ثقافة الفاحشة التي أصبحنا نعيشها في عصرا لتقدم والعولمة والاتصالات وفي غياب مستوى القيم السليمة، والممارسات الصحيحة، والتصورات الواضحة لمعنى حياة صحيحة و سليمة فسحت المجال لترويج بضاعة فاسدة ومثيرة أغلقت حصارها المتين ضد المرء بطوفان من الأنماط والاختيارات فيحسب نفسه حرا أمام هذا التنوع رغم انه يكون مجرد وهم كسيح للحرية، إذ لم تعد الفاحشة تقيم تحت جنح الظلام، أو تحت سقف غرفة على بابها إشارة عدم الإزعاج إنما أصبحت فاحشة نكراء لها ملايين الأشكال والألوان والأنواع والأصناف والتبريرات، ولم يعد الإنسان يتوارى أو يستحي، بل عكس ذلك أصبح يشهر ويتفاخربها، هناك من يضع الكاميرات ويسجل المشاهد العجيبة، ليعاود مشاهدتها بعد ذلك كي يرى نفسه في وضع الفاحشة ومن ثم يعرضها على الأصدقاء كي يتمتعوا بدورهم حسب عقولهم المريضة غير مبالين بمصير حواء.
إن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي ذاهبة إلى المسجد فاستغاثت برجل مر عليها ففر صاحبها الأول ثم مر عليها قوم ذو عدة فاستغاثت بهم فأدركوا الرجل الذي أغاثها وجاءوا به يقودونه إليها فقال: إنما أنا الذي أغثتك وقد ذهب الآخر؛ فأتوا به إلى رسول الله ” ص” فأخبرته أنه وقع عليها وأخبره القوم أنهم أدركوه يشتد، فقال: إنما كنت أغيثها على صاحبها فأدركني هؤلاء فأخذوني، قالت: كذب هو الذي وقع علي، فقال رسول “ص” اذهبوا به فارجموه فقام رجل من الناس فقال: لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت بها الفعل، فاعترف فاجتمع الثلاثة عند رسول الله “ص” ، الذي وقع عليها والذي أغاثها والمرأة ، فقال: أما أنت فقد غفر الله لك وقال للذي أغاثها قولا حسنا، فقال عمر رضي الله عنه: ارجم الذي اعترف بالزنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا لأنه قد تاب إلى الله توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم … سلسلة الأحاديث الصحيحة ج2.ص601.ح900.
أهم ما نستنبطه من هذا الحديث بالنسبة لموضوعنا أن المرأة لم تتحمل وزر جريمة الاغتصاب وحين رفعت شكواها إلى رسول “ص” اخذ لها حقها من الجاني وعليه فلنتخذه قدوة قاعدة صحيحة ونحمي به الأم العازبة التي تحملت مرارة الأمومة في سن مبكرة ومهانة الاغتصاب، ثم حملت عارها طول الحياة وحملته بدورها لمولود ها، ولنا أن نتخيل لو أن أي فتاة تعرفت على شاب قبل زواجها في عهد رسول الله ” ص “ماذا كان سيحصل؟
حتى إذا كانت العلاقة بين الأنثى والذكر جد حميمية ولم يكتب لها أن تكلل بالزواج لأي سبب كان، فهل كانت له الجرأة الكافية في عهد الرسول ” ص ” و يهدد الفتاة إذا لم تستجب لضغوطه بكشف ما جمعاهما من أسرار أو بالتخلي عنها حين يقع الحمل ؟
بالطبع لا لأنه يعرف أن الحكم الواقع عليها – بالجلد أو بالرجم سيناله هو أيضا، فكلاهما مسؤول عن أفعاله و الإسلام شرع لكل جريمة ما يناسبها من مواصفات، فجريمة الزنا للمحصن تختلف عن غير المحصن وتختلف عن جريمة القذف، وانه ساوى في العقوبة بين المرأة والرجل ويعتبرا أمام الشرع سواسية.
بما أن الظاهرة رغم فداحتها مسكوت عنها عمدا ، فلا يوجد إحصاء رسمي في جل الدول العربية اللهم بعض التقارير المستقلة لجمعيات اجتماعية أو ناشطات في الميدان ، أو تقارير بعض المستشفيات بخوص الولادات أو إحصاء لبعض المحاكم الخاصة بملفات إثبات النسب الخ.
نهاية الحلقة 2