مرام عيسى تكتب : بعد أعوام من انتاجه .. فيلم “الجمال العظيم” يدهش النقاد

السكة – المحطة الثقافية

مقالة جميلة من هوفيك عن فليم رائع

عشرة سنوات على الجمال العظيم
يشبه الدخول إلى فيلم سورنتينو دخول أليس إلى بلاد العجائب. يكفي ان ندقّ على الباب لنجد أنفسنا وسط ديكورات يتوقف القلب عن الخفقان من شدة جمالها. هذا أمر طبيعي، فنحن في روما، المدينة التي صوّرها فيلليني بجمودها التاريخي ولحظات انبعاث روعتها من أي زاوية. أحداث فيلم سورنتينو يحلو لي تشبيهها بنوع من ماترويشكا روسية، كلّ شيء داخله شيءٌ آخر. كلّ باب نطرقه خلفه بابٌ آخر. كلهم تائهون وسط هذا، ويعجبهم هذا الأمر. وحده سورنتينو يعرف إلى أين ذاهب. يحملنا إلى أوديسا سينمائية لن تهدأ ما دامت مستمرة.


طوني سرفيللو يتسكّع في ليالي روما المجنونة، يلتقي بهذا وذاك، من أصحاب المقامات الرفيعة، ثم يتسلل إلى شقّته الفاخرة المشرفة على الكولوسيوم. انه أحد الوجوه المعروفة لتلك السهرات حيث نجد رجال أعمال وسياسيين وعاهرات وفنّانين وناساً بأشكال غريبة، من تلك التي تحبّها السينما الإيطالية. حتى شخصية العربي وزوجته المبرقعة لا تفلتان من سهامه. جبّ (هذا اسمه) يصوّره سورنتينو بشيطانيته واناقته وبرودته واحتقاره للنساء. هذه النقطة الأخيرة تختفي تحتها حكاية حبّ عاشها عندما كان في التاسعة عشرة ولم يجد منذ ذلك الوقت امرأة بدرجة الجمال نفسها. وكلما نسمع كلمة حبّ، نذهب إلى زمن آخر.

صديقنا الصحافي بنى مجده على كتاب واحد ووحيد أصدره قبل أربعين عاماً، ثم انقطع عن الكتابة كونه صار واحداً من نجوم الوسط الثقافي. في احدى اللقطات نراه يقول: “لم أكن أريد فقط المشاركة في السهرات، بل كنتُ أريد ان تكون لي القدرة على افسادها أيضاً”. جبّ شخصية قادرة على استيعاب كلّ هواجس المخرج، لكنه يشكو من عاهة: انه قوي وضعيف في آن معاً. هذا التناقض يبني عليه الفيلم خطابه. طيف فيلليني يبقى على الفيلم من خلال “الحياة العذبة”، لكن الفرق كبير بين الحقبتين الزمنيتين. في حين كان للحبّ قيمة في إيطاليا الستينات، هنا نحن أمام مصير رجل محكوم بالعدم. في هذا السياق، ليس مفاجئاً ان يستعير سورنتينو مقطعاً من “رحلة الى أقاصي الليل” لوضعه في الجنريك. “هذه هي الحياة، بقعة ضوء تنكسر في ظلام الليل”. الفيلم كلّه في هذه الجملة.
يعرّي سورنتينو البورجوازية ويسخر من الثقافوية في روما بنبرة مستفزة تصل احياناً الى حدّ الفضيحة والنقمة المبطّنة. تطارد الكاميرا الشخوص كما في سباق ماراتوني؛ لا تقف آلة التصوير عن الحركة، حيناً ترافلينغ أمامي وحيناً آخر ترافلينغ خلفي. يتعقّب الفيلم كرادلة مهووسين بالطبخ، فنّانين فاشلين وسيدات مجتمع ينتظرن في طوابير لإجراء حقنة بوتوكس. يحسن سورنتينو تصوير العمارات والحدائق والمراقص الليلية والمعالم التاريخية في ظلام روما المخيف. الصدمة قوية بين تقليد حواري راسخ في السينما الإيطالية والامكانات البصرية التي تتيح لسورنتينو تنفيذ واحدة من أجمل افتتاحيات. عندما تدخل شخصية “القديسة” على الخطّ، شخصية تشبه الأمّ تيريزا، يلملم الفيلم نفسه، ويصبح أكثر تجرداً. تحطّ الطيور على شرفة جبّ في لقطة أبوكاليبتية، كرمز للحرية الموعودة، ويصبح رجلنا التائه وحيداً امام مدينة جذورها في الأرض وروحها في السماء، متحرراً من قيود الخيال.

اترك تعليقا

NEW