التكنولوجيا الجديدة والتدين الرقمي ..
- سمير قطيشات
- 23 مارس، 2023
- محطة المقالات
- 0 Comments
السكة – كتب رئيس التحرير عبدالله شقير
كان لظهور التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها الهائلة ، وإمكاناتها التي تخطت حدود العقل البشري أثر بالغ في معظم مناحي الحياة ، ونجحت في بسط نفوذها بسبب خدماتها التي تتميز بالسرعة ، ولعل القدرة التخزينية العالية التي تتسع لكل ما قد يخطر في ذهن مرتادي هذه التكنولوجيا من معلومات ، جعلها موئلا يرتاده الرقميون كمكتبة رقمية غزيرة المحتوى .
وقد ساهم الإنترنت في خلق علاقات اجتماعية جديدة ضمن إطار غير تقليدي لا يرتبط بهوية ، أو جغرافية معينة قد تفرض نمطا مقيِّدا يحكم هذه العلاقات ، فجاء الارتباط الرقمي متحررا من تلك القيود التي تفرضها البيئات الجغرافية .
ومما برز بصورة جلية ضمن هذا العالم الافتراضي حالة من التدين لم تخرج عن إطار التواصل الرقمي ، الذي جعل من هذا العالم الافتراضي مجالا لممارسة التدين عبر الأدوات والتقنيات الرقمية .
وقد تعددت أشكال هذه الممارسات من تلقٍّ للعلوم الشرعية ، ونقاشات دينية متنوعة أدت إلى تحول مظاهر التدين التقليدي القائم على التفاعل مع المساجد والمعاهد العلمية ورجال الدين من العلماء والمختصين والدعاة والوعاظ إلى تدين رقمي متحرر ومستقل عن كل الرموز الدينية التقليدية التي اعتاد الناس أن يستقوا منها علومهم وفتاويهم ، وقد أدى كل هذا إلى ظهور منصات ومنابر إلكترونية من قبيل اليوتيوب والفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لبث المعرفة الدينية وإعطاء الفتوى وطرح الخطب بمنأى عن أي مؤسسة دينية .
ومما سبق ذكره ، فإن الحديث عن الفضاء الإلكتروني ومكتسباته الجديدة وأثره في مناحي الحياة المختلفة وفي الجانب المعرفي ، والتي من مكوناتها العلوم الدينية حديث يطول لا تحيط به المقالات والمحاضرات ، وقد تضيق به المجلدات ، ولكن النقطة الأبرز في هذا المقام هو العلاقة الحميمة التي تربط الجيل الجديد مع هذه التكنولوجيا الرقمية ، والتي أصبحت بالنسبة له المصدر الموثوق لكل ما يريد معرفته ، في الوقت الذي لم يتعرض فيه للعلوم المختلفة في مظانها ، ولم يرجع في ثقافته إلى الكتب المحققة والموثقة من أهل الاختصاص ، وأصبح هاتفه أو جهازه الحاسوبي مصدر علومه كلها ، ومن جملتها العلوم الدينية ، فيكون بذلك أرضا غضة طرية خصبة ترسخ فيها كل معلومة يستقيها من عالمه الرقمي ، وهو خالي الذهن من حقيقة ما يقرؤه ، بحيث يصبح أسيرا لكل ما يتعرض له من معلومات ، غير مدركٍ للمنهج الذي يتبناه مَن زرَعَ المعلومة في هذا الفضاء الرقمي ، فيركنُ لكل ما يسمعه ويتابعه على شاشته بالقبول والتصديق ، لعدم قدرته على غربلة المعلومات التي يتلقاها ، وذلك لعجزه عن عقد المقارنة مع حقيقة المعلومات الأصلية في مصادرها ومراجعها الموثقة .
وقد نشأ هذا الجيل الجديد وترسخت لديه القناعة الكاملة بجدوى العالم الافتراضي ، وأصبح يتبنى كل ما يراه ويسمعه من معلومات على المستوى الديني ، ويُولِّدُ في ذاته قناعاته المختلفة النابعة من تصوره الخاص ، نتيجةً لتأثره وتفاعله مع هذه التكنولوجيا ، ومع من يتصدرون له على شاشاتها ، وذلك في عالم افتراضي لا يجعله قادرا على التفاعل ذاته في القضايا ذاتها في العالم المادي الحقيقي .