قبل أن نبدأ … سنضع الوقائع بشكل بسيط أمام من ليس لديه فكرة عن حياة الطفل “شنودة” ..
زوجان مصريان مسيحيان ميسورا الحال ،لا تهم أسماؤهما في هذه المرحلة، حرما من الانجاب ستة عشر عاما .. عثرت الزوجة على طفل رضيع ابن يومه الأول .
تبنته فورا
قريبة للزوج “هي وريثة محتملة” وجدت في الطفل سببا لحرمانها من الميراث .. فسعت، مرة تلو أخرى، لدى الجهات الرسمية لإسقاط أبوة الزوجين للطفل .
الجهات الرسمية اتخذت الاجراءات التي ينص عليها القانون في الحالات المشابهة .
تم انتزاع الطفل من الزوجين وإيداعه دار رعاية تابعة للدولة .
تم تغيير اسم الطفل من “شنودة” الى “يوسف” وتم تغيير ديانته من المسيحية الى الإسلام.
رفع الزوجان القضايا أمام أجهزة الدولة المختصة.
تحولت القضية الى قضية رأي عام
أصدر الأزهر فتوى لمصلحة الزوجين
تلك هي الوقائع التي تختصر بشكل معلوماتي بداية ما يمكن وصفه بـ “قضية الطفل شنودة” .. ……..
من بين سيل الأحداث الكبرى والصغرى التي يمكن أن تسمى بصمات البشر على جلد الأرض ، لا يوجد حدث يمكن أن يقال أنه في ذاته هامشي؟
هناك تدافع العناصر، وتفاعل الموجودات، وتناظر المسببات، وقواعد وأسس الكينونة والصيرورة والوجود .. وعلاقات الكينونة بالمكنونة، في مصر يسمونه “المستخبي” ..
وأخيرا هناك الثقافة الشعبية، وفلسفتها العصية على الإحاطة، في حدود وأبعاد العقل البشري، الا بالعِشْرَة “
في المثل الشعبي يقولون :
قال له : بتعرفه؟.
قال: بعرفه!.
قال: هل عاشرته؟ .
قال : لا . لم أعاشرهّ.
قال: إذن لا فيك ولا بمعرفتك.
هذا الطفل القابع الآن بين الذين لا عرفوه، ولا عرفهم في دار رعاية تابعة للدولة، وأصبح اسمه يوسف وربما يجبر على الصلاة والصيام ، وشعائر الاسلام الأخرى، ضحية تنازع ذي أبعاد تاريخية، ووجودية، وثقافية/ اجتماعية، ثم أصبحت قانونية ، فسياسية ، وأخيرا اعلامية فوسائل تواصل !
أما الإنسانية فهي، على ما يبدو خارج حساب الجميع، ما عدا الزوجين شنودة .
لطالما وقف التاريخ على قائمتين .. الدين والدنيا .. الكاهن والملك .. الإمبراطور والبابا .. الخليفة والفقيه .. الملاك والشيطان .. لطالما كانت هاتان الثنائيتان تشكلان القدمين اللتين مشت عليهما تجربة بني آدم .. آدم الذي من تراب ..
التراب الذي “صاغه الله من صلصال الخلود ” الخلود في الروح .. )
ولكن أين يقف شنوده أمام كل تلاطم أمواج الثنائيات هذا ؟
قال سيد ظل العقل الروائي العبقري الأول دستويفسكي : ..
“العاهرات لا ينجبن اللقطاء .. لانهن لا يثقن باحد .. اللقطاء هم ابناء لحظات الثقه “.
ولسوف نبقي أولا .. سؤالا معلقا غائبا أمام شراع التقصي : من أبوه ومن أمه ؟!
…
لنذهب الى العنوان التالي: لماذا كل شيئ سياسة ؟
لن تكن مصر أم الدنيا ما لم تكن أولا أم أبنائها .. ولا كانت مصر هبة النيل، ما لم تهب الحياة لأبنائها، ولا يمكن أن تكون مصر مسلمة ما لم تعترف بالمسيحية .
ولا يمكن أن تكون مصر وطنا ما لم تجد حلولا للكتلة الكبرى من سكانها .. أولئك الذين نسميهم بالدهماء والرعاع والعوام.
نحن المتعالين على رفوف كتب يعلوا فوقها وفوقنا الغبار، ثم أغلبنا لم يقرأ منها أكثر من خمسين صفحة . .
قصة شنودة هي مؤشرة .. وهي إشارة .. وهي ترمز لعقدة الخصي .. وعلى العقم .. هي مؤشر على حاجة الملك الى الكاهن .. على شكل فتوى يصدرها الأزهر ..
طيب .. أعيدوا الطفل الى صدر من ربته أولا .. ثم حلوا الخلاف فيما بعد ؟ .. هل يعقل أن تكون مشاعر الطفل وأمه مؤجلة لحين حل الخلاف الأبدي بين الله وبين الخليفة !
بين البابا وبين الملك ؟ هناك طفل يبكي يا سادة المهزلة ..
الفصل الأخير
سالومي … سيدة الشر ورمز المسخ في غياهب الظلام .
سالومي في السردية الدينية فتاة قحبة .. عاهرة أغوت حتى أبيها كي تشكل مرجعية ميكافيلي .. وتنويعا على شخصية دانتي .. وبروتس وقاتل الامام علي أمير المؤمنين في الاسلام .. لطالما وجدت روح الشر في كل مأساة .. على شكل سالومي التي تؤدي رقصة اليباس في اليباب ..
هي ابنة أخت الزوج الذي تبنى شنودة ..
في عالم العلاقات الاجتماعية يسمونها “الثالث الكريه” .. المتحولة في تجليات الشيطان ..
قد تظهر في شكل ابليس ، أو الكائن المشوه، أو الصديق القريب ، أو الزهرة الخائنة .. أو المرشد .. أو المخلص .. لكنها في علاقة الخير بالشر حالة ملتبسة تماما .. ومشتبهة ..
أرادت، بشكل خنجر في الظهر، أن تحصل على المال بعد موت الأبوين .. فسعت سعيها، وبذلت جهدها، ثم كادت كيدها كي تستغل “القانون” .. قانون دولة لا تحترم تنوع الديانات، واختلاف الأحكام، دولة تعبد البنك الدولي، لكنها في شأن الصبي تسير على سنة النبي ؟! … وتذهب في سبيل ذلك كل مذهب غبي ؟!