أقسى ما قيل عن فقد الأم .. مقال لـ علي سليمان
- Alsekeh Editor
- 25 مارس، 2023
- المحطة الثقافية
- 0 Comments
السكة – محطة الثقافة
أقسى ما قيل عن فقد الأم:
” كنت أستغرب (من ماما) كيف كان بمقدورها البكاء بسخاء.
لقد كان يبكيها أصغر المشاهد البسيطة داخل حوار مسرحية هزلية، أو موسيقى مؤثرة لباخ، وموزرت، وتشايكوفسكي.
أو حتى كلمات الكتاب المقدس عندما كانت تتلو القرآن بصوت ضئيل خلال سهرها في ظلمة الليل!
لقد كانت دموعها تلمع آنذاك، وكنت أشعر بأن قلبها ينفطر حزناً وألماً، لا على الكلمات فحسب، وإنما بسبب حياتها قاطبة، التي لا تستطيع تغييرها نحو الأفضل وبسبب صبرها الذي يكاد ينفذ آنذاك
كانت تُقبل ايادينا الصغيرة ووجوهنا الملوثة بالوحل، وكنت أشعر بسخونة شفتيها،
لكونها تقبلنا بجوارحها لا من شفتيها فحسب!
لطالما تذكرتُ ثيابها المرقعة الباهتة، وفستانها الرمادي الذي يجعل المرء يشعر بالعذاب لمجرد النظر إليه!
كم صبرتِ يا أمي، كم صبرتِ يا حبيبتي!
لقد كان وجهها الأبيض المائل للزرقة جميلاً اقسم لكَ، على الرغم عظام وجهها الظاهرة، والتجاعيد المحفورة بالندوب كأن وجهها ثوبها المرقع، رقعته الآلام على طول تلك السنين التي عاشتها بالحرمان يوماً بعد يوم.
ياللحسرة، قلبي يكاد ينفطر عليها يا إله الحزن
لطالما رقعت جواربنا، وحاكت لنا قفازات صوفية على حساب عينيها الغائصتين، ولباسها الذي كانت تقص منه كي تُلبس اطفالها.
كانت قبلة مني بإمكانها أن تجعلها تبكي بشكل متواصل، لقد كانت دموع عينيها أكثر ملوحة من أي دموع كائن حي على وجه هذه الأرض!
وكأن دمعاتها لا تصدر من عينيها فقط، وإنما من صدرها المجعد الذي شقته الهموم والآلام.
لم أدرك حينذاك، لجهلي لم ادرك أن الإنسان حين يتألم داخل نفسه أشد الآلم، بسببيه كوارثه، ويكبتها ويكتمها في سرّيرته
لأجل ألا يَشعر أحداً به خوفاً من الشفقة أو السخرية
بأمكان أبسط الأشياء أن تبكيه بصورة متواصلة ..
وإن كانت مجرد دعابة أو نكته، تصور.!
آخخخه يا أماه
لقد كانت .. صبورة بمقدار سخائها
في تلك الدموع التي تذرفها صمتاً وألماً.
كم كانتَ صبورة، وحنونة، رغم قسوة الحياة عليها
انفجر باكياً متكلماً بصوت متقطع:
رحم الله أمي، رحم الله أمي تلك الإنسانة التي خُلقت لأن تكون أجمل المخلوقات عظمة وجمالاً وحناناً بعد الله”
ظل يبكي بصوت عالٍ يجعل الكون كاملاً ينفطر قلبه عليه، وعلى والدته الطيبة ..
ويجعل الحزن يستشري داخل قلبين المحاربين.”
– من القيثارة الملعونة
للكاتب علي السليمان
®️حقوق النشر محفوظة للكاتب.