أما قبل
- Alsekeh Editor
- 26 مارس، 2023
- محطة المقالات
- 0 Comments
السكة – محطة المقالات- بلجيكا – كتبت امل العبويني
كثيرا ما نجد أنفسنا أسرى لتلك المعتقدات و المفاهيم و العادات التي تربينا عليها منذ نعومة اظافرنا، نختبىء وراء ذلك الستار الفولاذي الوهمي الذي صنعناه بأيدينا ليحجبنا عن حقائق قد تبدو لنا واضحة وضوح الشمس الا إننا نرفض من اعماق ذواتنا الإقرار بها و مع مرور الوقت نجد أنفسنا في مواجهة لا بد منها مع كينونتنا و أمام مرآة شخوصنا الحقيقية نقف شاخصين في محاسبة و جلد لأنفسنا على كل كبيرة و صغيرة، لسنوات طويلة مضت و كأننا أعددنا كشف حساب للسنوات و الايام و الدقائق. و لربما لثواني قد عشناها بالفعل و باشد و أعنف مما نتصور قد ننهار.فجأة حيث لا صديق و لا قريب و لا خل وفي الا انت. تقف أمام ذاتك فأنت الخصم و الجلاد و الحكم .
في مرحلة من مراحل العمر قد نتشبه بالملائكة قولا و فعلا و كأننا لم نخلق لحكمة أرادها الله أن نخطىء فنتعلم و ندفع ثمن اخطائنا و نيقن أننا لسنا بملائكة نوزع صكوك الغفران على من نعرف أو لا نعرف و كأننا منزهون عن الأخطاء و كان الله وضع بأيدينا السلطة بدلا عنه لعقاب أو حساب أمثالنا من البشر.
و تمر بنا السنوات أو المواقف و الأفعال لنجد أنفسنا في مواقف اقرب كل القرب و باتت شبيهة كل الشبه بتلك المواقف التي حكمنا عليها و بكل صلادة و نتلمس لأنفسنا الأعذار و كأننا يجب أن نعامل بطريقة مختلفة عما كنا نعامل به الغرباء بالأمس القريب . كنت و لا زلت دائما اقول لسنا بملائكة منزهين عن الأخطاء و لولا أن تلك المواقف مرت بنا لكنا ما زلنا نؤمن أننا وكلاء الله في الأرض .
أما قبل فمن لا قبل و لا ماضي له لا بعد و لا مستقبل له، فعلى الماضي يبني حاضر قد يكون لنا الإرادة الكاملة أو قد ننزع منا تلك الإرادة لبناء ذلك الحاضر فنبقى أسرى وراء ذلك الستار الوهمي الذي صنعناه بمحض ارادتنا و هيأنا له كل السبل الدفاعية كي لا يقترب منه أحد فيجدنا أضعف مما نكون و اهش مما توقع الكثيرون.
لسنا آلهة لتعبد و لا ملائكة منزهة عن الأخطاء أننا بشر أراد لنا الله و بكل حرية ان نعرفه بلا تسيير أو توجيه من أحد .و عندما تحين هذه اللحظة الفارقة، التي لا بد لنا منها في اي مرحلة من مراحل العمر، فلا ياخذك اليأس إلى طريق حيث لا رجوع منه قف و بعد ان تشعر انك أصبحت اعزلا من كل وسائلك الدفاعية التي اكتسبتها بفعل الوراثة أو الطبيعة أو البيئة و بعد أن تصبح مجردا من كل شيء إلا من ذاتك انهض و لمم شتات انقاضك و انفض عن هيكلك كل ما علق به.
انا اعلم كل العلم و أؤمن أنها لن تأتي إلا بعد محاولات عدة و لكنك ستنجح بالنهاية فانت وحدك القادر على لملمة نفسك و بطريقة ستقف أمامها منبهرا مذهولا و تسال ذاتك ذلك السؤال المخيف، و قد يكون مرعبا، من انا ؟ .
من يكون ذلك الشخص الجديد الذي لا يشبهني بتاتا و هنا لا بد أن ابارك لك ولادتك الثانية، حيث خرجت اول مرة من رحم امك و الان خرجت من رحم نفسك بولادتك الأشبه بالعسيرة و المميتة، و لكنك نجحت بالفعل، و ها انت تتنفس بعمق تستنشق عودة الروح لذلك الجسد الذي ظننت، أو لربما امنت أنه قد مات.
انت الان مولود جديد لا يحسب عمرك بشهادة ميلادك و إنما بعودة روحك إلى ذاتك و قد يكون بإمكاننا توقع ولادك من رحم تلك الحرب اللا وجودية محاربا قويا تقف بكل شموخ و فخر انك حظيت بهذه الولادة و تلك الفرصة الجديدة التي منحتها انت لنفسك، و ستكون حريصا أشد الحرص على إسعاد نفسك و البعد كل البعد عن كل الأخطاء التي لربما وقعت فيها دون سابق عمد أو ترصد، قد تتغير بفعل هذه الصدمة من شخص متهور إلى شخص رزين.
من شخص عصبي إلى حالم و من شخص عنيد إلى لين، و قد تكون تلك العاصفة ما أتت إلا لتكسرك و تقيم مكانك شخصا ثابت لا يتزعزع .
انا اعلم كل العلم و مؤمنة كل الايمان أن تلك الصدمة لا بد لنا منها لكي نغتنم كل الثواني الباقية من اعمارنا لتعويض ما فقدناه منذ ولادتنا الاولى من رحم امهاتنا .