بين أردن أولاد “الانترناشونال” .. وأردن أبناء الحراثين
- رماح خاطر
- 27 مارس، 2023
- كتاب السكة, محطة المقالات
- 0 Comments
السكة – محطة كتاب السكة – كتبت رماح خاطر – “عقد عمل لمدة سنتان في مدرسة “…” الانترناشونال في الأردن”.
يحدثني صديق يحمل درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة ممفيس الأمريكية، والحامل للجواز الأمريكي قائلاً: ذهبت للعمل في مدرسة من مدارس الانترناشيونال في الاردن بعقد عمل مدتهُ سنتان،
هناك، شهدتُ أبناء الأمراء والأميرات، وأبناء الأثرياء والثريّات.
لا أحد هناك يتكلم العربية، الجميع يتحدثون الانجليزية، معلّمو قسم اللغة العربية ومكاتبهم كانت أقصى مكاتب وأقلّها أهمية،
منذ البداية لم أشعر بالراحة هناك، شعرت وكأنني في إحدى حفلات النخبة التي كنتُ أشاهدها في مسلسل (لعبة الحبّار).
في مرّة من المرات، كان معي ساندويشات فلافل، فعرضتُ واحدة منها على عامل النظافة هناك، لكنهُ رفض وقال لي (اشكرك ولكني أجلُب عادةً فطوري معي)
فقلتُ له: وما هو فطورك؟
قال: سلامة خيرك، جبنة زيت وزعتر زيتون لبنة وهكذا.
قلتُ لهُ: واو هذا رائع! هل أستطيع مشاركتك فطورك؟
قال لي: انا عادةً أُحضر على قدّي، ولكن غداً، أعدك أن أحسب حسابك، وأُحضر فطور يكفي لكلينا.
وافقت على الفور.
في اليوم التالي، صدقَ عامل النظافة في وعده، وأحضرَ فطورا يكفي لكلينا،
جلسنا أنا وهو نتناول فطورنا في غرفة مخصصة للمقشّات والمماسح وادوات التنظيف، جلسنا على طاولة خشبية، وفردنا الطعام، وبدأنا بتناولهِ وتناول أطراف الحديثِ والضحكات معهُ.
في اليوم التالي، تم طرد عامل النظافة!
ذهبت للإدارة للإستفسار عن سبب طرده، قالت ليَ المسؤولة وكانت انجليزية شقراء: انت السبب في طرده! هنا غير مسموح للمعلمين ان يتعاطوا مع عمال النظافة! هذا يضر بسمعة المدرسة أمام الأهالي! هنالك فاصل يجب المحافظة عليه بين عامل نظافة ومدرّس في مدرستنا.
في موقف آخر، وكان يوماً قد دُعيَ فيه (مجلس أمناء المدرسة) الى احتفال مُقام بالمدرسة، ويالهُ من مجلس أمناء، (عِلية القوم) أمراء مسؤولين أصحاب أضخم شركات البلد،
في المسرح، خرجَ أحدهم ليلقي كلمة، وقد كان شخصاً من عائلة (…) الاردنية المعروفة بمجوعاتها التجارية في البلد،
تحدثَ يومها من ضمن ما تحدثَ به، عن البطالة في الاردن، ومما قالهُ، أن نسبة البطالة في الأردن هي ١٢٪، وأن نسبة العمالة الوافدة في الاردن، هي كذلك ١٢٪.
وهذا يعني أن الاردني (بدوش يشتغل)!
الاردني كسلان، ورأسهُ كبير يريد مكتب ولا يريد لأحد أن يأمرهُ.
ثم أنهى خطبتهُ العصماء، وفتح المجال للأسئلة، رفعتُ يدي أريد المداخلة، واشار لي، (غطّى جميع المدرسين والمدراء وجوههم)
قلت: عفواً على التوضيح، ولكن نسبة البطالة بالأردن، ليست ١٢٪, وانما ٢٤٪ ، ٦٥٪ منهم، هم من فئة الشباب بين عامي ١٨ الى ٣٠ سنة، وهذا يعني، أن الشباب حديثي التخرج، لا يجدون عملاً في القطاع الحكومي في مجال تخصصاتهم. وانهُ ليس هنالك مشاريع استثمارية تستثمر في طاقات هؤلاء الشباب.
ردّ علي السيد الأمين رداً ليس لهُ علاقة نهائياً بالشيءِ الذي قلتهُ أنا.
يالِذّكرى! مرّ عليّ في تلك المدرسة مواقف كثيرة!
من ضمنها كذلك، أن اثنتين من المعلمات في المدرسة من نفس التخصص، اتهمنني بأنني لا أعطي للطلاب من المنهاج!
التهمة أضحكتني بالبداية، قلت: إن كنتُ لا أعطيهم من المنهاج، فمن أين أعطيهم إذاً ؟؟
عرفتُ بعد ذلك، أن هاتين المعلمتين يعطون دروس خصوصية للطلاب في منازلهم، من خارج المنهاج فعلاً، ولكنها في نفس التخصص او السياق الاقتصادي، ويوحون الى أولئك الطلبة وذويهم ذوي المراكز، أن هذا هو المنهاج!
عرفتُ ذلك بعدَ أن اطّلعتُ يوماً على أسئلة الامتحان، ووجدتُ ان ثمة سؤال من ضمنها حقا من خارج المنهاج!
ذهبتُ للادارة، وتم التحقيق بالأمر وعُرفَ بعد ذلك ان المعلمتين كنَّ يعطين دروسا خصوصية للطلاب في بيوتهم، وهذا بحسب ميثاق المدرسة مخالف للقانون، إذ يمنع بشكل قطعي الدروس الخصوصية،
ولكن لم يتم إتخاذ أي إجراء قانوني بحق تلك المعلمتين! ذلك أنهنّ خلال ممارسة دور المعلمات الخصوصيات للطلاب في بيوت أهاليهم الفارهة، (والتي لا تشبه ولا بأي شكل من الأشكال بيوتكم)
تحسنت علاقة المعلمات كثيراً بأهالي أولئك الطلاب، الأهالي المتنفذين، الأثرياء، الذين كلمتهم لا تصير اثنتين، والذين يتجاوزون أزعم قانون، ليس فقط قانون مدرسة يقضي بفصل من يخالف ويعطي دروسا خصوصية!
وهكذا، ظلّت المعلمتان على رأسِ عمليهما، وكانتا في كل مرّة تنظران الي نظرات المنتصر بالنهاية.
في المدرسة الانترناشيونال تلك، طلاب لا يشبهون أولادكم، طلاب لا يعرفون سوى الرفاهية،
في تلك المدراس التي لا تشبه مدارس أولادكم الحكومية ذات الأدراج المخلّعة والصفوف التي يكتظُ بها الطلاب، ولا حتى تشبه مدارس أولادكم الخاصة؛ أهالي طلاب لا يشبهون جيرانكم ولا يشبهونكم، لا يشبهون أقاربكم ولا الناس الذين اعتدتم على رؤيتهم يومياً في الشوارع والطرقات.
أناس من عالم آخر، عالم يشبه الجنة الموعود بها البؤساء والمعذبون بالأرض.
كنتُ أتقاضى راتبا شهريا قيمتهُ ثلاثة آلاف دينار أردني ، مع سكن وبطاقات سفر مجانية، وكان غيري يتقاضى ما هو أعلى وأكثر.
في تلك المدرسة؛ العنصرية والطبقية لا تخفي نفسها بغربال، فهنالكَ هُم، وهنالك أنت ايها الوضيع!
كان أكثر ما يغيظهم مني أنني قادم من أمريكا، قالو لي مرّةً في لحظة لم يعودوا يحتملوني فيها (انت شو مفكر حالك؟ ولّا لأنك تحمل شهادة من امريكا وتحمل جواز سفرها اعتبرت نفسك شيئا)؟؟
كنت أرد: لا، أنا اعتبر نفسي شيئا لأنني أعتبر كل نفس بشرية شيئا، لا فرقَ بينهم.
بعد انتهاء عقدي، لم يجددوهُ لي، وكان ذلك متوقع.
عدتُ الى اميركا وكان لا يزال لي أجر آخر شهر لم أستلمه عندهم، راسلتهم أكثر من مرّة بخصوصه عبر الايميل، وفي مرّة، بعثت لي ادارة المدرسة ايميل تقول لي فيه: سنعطيك مستحقات آخر شهر بعد أن توقع لنا على هذه الورقة لو سمحت.
قرأت الورقة، كانت ورقة (مُخالصة) أُقر للمدرسة فيها بأنني استلمت كل مستحقاتي.
بعثتُ لهم ايميل قلتُ لهم فيه: كيف اوقع لكم على ورقة كهذه وانا لم استلم راتب الشهر الأخير؟ ارسلوا لي نقودي واوقع لكم الورقة! قالو نعم ولكن هذه سياسة المدرسة!
اتصلت على محاميّ، قال لي إياك والتوقيع على ورقة كهذه، نرفع عليهم قضية تأخذ فيه حكم من الجلسة الأولى لأنهم لم يعطوك كامل مستحقاتك.
بعثت للإدارة ايميل، قلتُ لهم: معكم من الان ٢٤ ساعة فقط، اذا لم تصلني اموالي عبر حسابي البنكي، فسيلاقيكم محامي خاص بي في قاعة المحكمة.
ردّت علي الادارة بنصوص طويلة لا يهم فحواها، رددتُ عليهم بكلمتين : (صاروا ٢٣ ساعة).
خلال أقل من ست ساعات، كان المبلغ في حسابي البنكي.
ذلك عالم لا تعرفون عنهُ شيئاً ولا في أحلامكم، عالم البيوت والسيارات الفارهة، عالم اولاد الامراء واثرياء البلد، عالم الملايين التي تلقى من أجل حفلة عيد ميلاد أو مناسبة، عالم السفر والفنادق العملاقة الفخمة والسبع نجوم، عالم النُخبة؛ انهُ العالم الذي يجلس على صدوركم ويعتاش، ثم يقول عنكم كسالى وبليدون.