الموت يخلد الفدائية الأردنية تيريز هلسا .. المحققون : أنت مسيحية وأردنية فقالت: أنا عربية من فلسطين

السكة – محطة فلسطين –  كتب محمد أبو عريضة

مساحةِ بين الوجدِ والوجد،

سلام عليك في بستان روحك  “يومَ ولدتِ، ويومَ تُبّْعثينَ على قيد الحياة”  …

بين الرامةِ شمالَ عكا، حيثُ جبلُ حيدرَ يُطِّلُ على الزيتونِ ومعاصرِهِ، وحْمُودْ القريةِ إلى الشمالِ الشرقي منَّ الكرك، حيثُ ما زالَ حْمُود الأثرُ التاريخيُ، ولدْتِ يا تيريز. هل تذكرينَ حكايا الصيادين، وجَلَبَتَهُم قبلَ الفجرِ بقليل … هل تذكرينَ عكا المرفأ، حيثُ وُلِدتِ، والناس … هل تذكرين الصيادين … هل تذكرين البحر بين السماء ومدخل الجرح النازف …

هل تذكرين غسان كنفاني وأم سعد، الأم التي لا تلد إلا فدائيين … هل تذكرين جامع الجزار .. ومناولة القسيسين في الكنائس. أنت بالتأكيد لم تنسي السور يهزىء بالبحر، لا يأبه لحبه. قبل أن تغادري يا تيريز الحبيبة إلى الحبيبة، جلست إلى البحر، ناجيته: أطلبت يدي يا بحر؟ فأجاب البحر: طلبت أرضًا تغفو في عينيك يا تيريز. قلتِ في تحدٍ: لو كانت عكا تخاف هديرك يا بحر ما وقفت على الشط. فحملتِ حلمكِ، واحتضنتِ صورةّ والدك الكركي، ومشيت المسافة بين الطفولةِ في عكا والبندقية في بيروت،

وانت ترددين: هذه الأرض تشبهنا حين نأتي إليها وتشبهنا حين نذهب عنها في بيروت الثورة، تعلمتِ فك الشيفرة، لم تشفقي على الثواني، وهي تهدر في بندول الشرق، لم تتزيني لشبابك الناهض خبزًا وكحلًا، فلحظك نام بين المدفع والبندقية. المؤابية زُفت إليكِ يا أرضُ، فزغردي، فللمدن رائحة: وعكا رائحة اليود البحري والبهارات … عكا أجمل المدن القديمة. ويا أرض مؤاب؛ حفيدتك تيريز حملت روحها على كفها وألقت بها في مهاوي الردى،

تنادي خشم العقاب: وَحَملْنا اليك ، مًنْك ، سلاماً كَرَكيّاً.. مُعَطراً .. وكَلاما لم يجد القائد إلا تيريز تحمل الصاعق، فقد كان يعلم أنها خير من يتقن الشدو على أنغام الرصاص، هي تيريز تعشق نهرًا يعيش منذ الأزل بين ضفتي الوجد. بين البطين والأذين الأيسرين، خبأتِ يا تيريز كلمة السر، ولمّا كنتِ تحركين، في الطائرة المخطوفة، القلب بين مشاعر متشابكة …

بين فلسطين القضية، والإنسان القضية، وجدتك تتذكرين وجه أمالسكة – المحطة العربي ك الساخن، وهو يهدهد سريرك في المهد … فتذكرت المسيح، ويهوذا الإسخريوطي. لم تمنحك المهمة وقتًا، لتتقلبي كثيرًا بين خيارات أحلاها مرُّ، صحيح إنك انحزت في البدء لزي الممرضات، غير أن زي الفدائي كان أكثر التصاقًا بوجدانك الثائر. لم تنتهِ القصة، فالصاعق تاه بين حسابات السياسة، ورصاصات العدو اخترقت جسدك الغض، ولمًا رفضت يدك اليسرى ترك البندقية، أو أن البندقية أبت الاستسلام، أطلقتِ رصاصات أصابت نتنياهو. المحاكمة كانت سريعة،

القضاة أطلقوا احكامهم: أنت مخربة. في السجن، لم تسمحي لجدرانه أن تلوك أيامك، فتعلمت وعلمت، ليحيا الإنسان داخل الإنسان … والدك الأبي، لمّا زارك في السجن، أبت مروءته أن يلتقط جمر أيامك، بل زاد عليها جمرًا، وقال لك: أنت كالقابضين على الجمر، فلا تلقي الجمرات، اقبضي عليها، اعتصريها حبًا وثورة، فاللحم يفنى، وتبقى الروح لا تبرح المكان. هل تذكرين يا تيريز والدتك، وهي تغني الهجيني الكركي باللهجة الفلسطينية … هي النهر وضفتيه … هي ابراهيم الضمور وقاسم الأحمد … هي أنت. لك يا تيريز هلسا في رحلتك الخالدة منا سلامًا … لك منا أن نحفظ الدرس، حتى لو أنك كنت اعتذرت برفقٍ يومًا أن تحتفي بك رؤيا وكاميرتها، وقلت بتواضع القديسيين: الزمان مش زماني. طوبى لك أيتها العكاوية المؤابية طوبى لعكا التي ولدتك وللكرك التي بذرت في الدنيا الثورة والهية.

اترك تعليقا

NEW