الحناء و الكوفية . . بستان حرير من نور الشمس نص لـ موسى حيان – لندن

السكة – محطة المقالات

… و قلب العاشقة ينسج خيوط الحلم بألق و تروي , كل ما يوحى لأصابعها تضعه بسخاء و رقة في جسد الثوب الناعم , الثوب الذي سيكون رفيق العمر , و للعمر به تبدأ ليلتها .

إنها تلامس مسامات الروح , و الفرح يدغدغ حواسها , و تردد لحنا بهيجا يراقص شفتيها , بين الطفولة هي أو فيها و النضج .

لا يقاس الحب بالأعمار , فهي مبكرا إلتقته في حضن أمها و أبيها العاشق , الحب قانون العائلة , و الحنان هو السلطة , و العاطفة الكنعانية موروث عتيق جذوره تصل عنان السماء , و أمها العاشقة أرضعتها ألإخصاب من نهود حرة , و نمت روحها في طريق الجمال .

الى أن حان و قت تطريز ثوب ليلة الحلم جائها الموعود به قلبها يحمل لها ما تحبه , هو يعرف أنها لا تقاوم رغيف الزيت و الزعتر من الطابون .

و قف متباهيا بنفسه , يود الإعلان عن وجوده و عن سخونة الرغيف , لمحته بطرف عينها و كانت النظرة التي فيها من الحنان ما يكفي الكون و أكثر .

لم ير تلك النظرة لأنه كان فيها , في قلبه يحمل تراب المكان و عينيها.

أطل عليه الذهب الأبيض سوار ساقها بلمعة برق , تلاها هطول المطر , لذيذ مطر ذاك السوار , هذا بكل دقة وقته , و دقات حبات المطر فوق ورق الشجر , دقات طبول , تشعل صهيل الخيل و قلوب الفرسان عشقا للحرية .

كل ماتراه عيناك يعيش معك الى الأبد , و كانت رأتها عينه قبل عينه بلحظة .

ألأبدية ألآن بدأت , بستان ,مطر , حبيبة و حرية , أكبر من ألأكوان أنا , هز كتفيه و أمسك بطرف كوفيته , و بأصابع حذائه كمحراث غرس ألأرض , و على إيقاع ضحكتها تشابكت أذرعه بأكتاف ألف رجل .

اكتملت حلقة الدبكة , يطير في عبق الأرض و أقدامه تكاد لا تلامسها , يا خمر الحرية كن بديلا عن دمي .

جدي أيها الجبل , عانقت الصبر على كتفيك و الصلابة , على يديك امتطيت مهرة العزة , علمتني كيف أحمي الحق و أكون صاحبه , ومن لسان كلماتك بالعرق والتراب كتبت حروف الحرية , فامتزجت بجذور اشجار التين .

عانقت البيوت العتيقة , و بعيون العذارى رقصت فرحا في ساحات الدبكة و السمر .

الآن ادركت كيف الروح تصنع الناي , من صلابة الصخر , أو من هشاشة القصب , أقبل جبينك إذ فيه قرأت , أن الجمال إمرأة , و أن الوطن هو الوطن , طيور تتزاوج هنا , و أخرى تغني و تحتفل هناك , الناس هنا تعشق الطيور و تسقيها حبا , و تطعمها أغاني صافية كصفاء قلوبهم و السماء , طيور تطوي المسافات لكي تبني أعشاشها في أحضان ألأمان , يولد جيل يتبعه جيل و يكبر الحب و يزداد ألقا .

إنها وأطفال البساتين , عيون خضراء تسكنها أنغام الفرح و البراءة , ومستقبل الماضي , و جوهها مرايا تعكس فيها ليالي ممارسة الحب , في ضوء شموع الشهوة و ورود الخدود , و ترقص على إهتزاز سرير الشفتين في جسدين , أحدهما طاهر و الآخر مقدس .

على حافة البئر تجلس تمرجح قدميها متكئة على يديها , شفتاها بسمة تقبل الشمس تارة , و عينيه في الأخرى , إنها ثقة الحياة بالجمال , و عنقها قبلة الإيمان , يطوي كوفيته , و الكوفية تمتص الهواء وفي رئتيها تختزله , و في العشق تغرق و لا زفير .

لا موت يجرؤ , فهي مستنقع أزهار حية لا تهرم , و عطرها يعيش عليه الهواء و يفخر , و أزهارها الحية شوك مسموم قاتل تتحول إن اقترب من الكرامة جبان .

إبتسامته جناحين تطير بهما وسامته , و عينيه بيتها و مسكن حلمها و لهما صانت عذريتها . و سويا في قلب ليلة العمر ,سيفتحان صندوق خشب السنديان , و يضعان الثوب و الحناء و الكوفية و المكحلة , للأولاد و للأحفاد لينعموا بالعيش في أرض العشق الطيبة .

مكبرات صوت لغة همجية , قنابل دخان تتساقط كمطر أسود , أصوات رصاص جيش الإحتلال , الطيور مذعورة بلا اتجاه فرت , أوراق الأشجار عن الهمس توقفت , حول عنقه لف الكوفية , و الى مصدر الرصاص التفت , توقفت أرجحة قدميها و صمتت , زادت و تضاعفت زخات الرصاص , عاد التفت اليها و قفز , حضنها و معها الى قلب الأرض هبط , لا تخافي لا تخافي يردد , وهو من فوق كتفها يراقب بركان الدخان , ضغط جسدها بذراعيه , رفعها لكتفه فوق الكوفية حمل حبيبتين , و تسلل ليحميهما بجسد البئر , الصوت الهمجي ما زال يتردد , و رائحة الدخان القذرة غريبة كريهة , لا يحتملها نقاء أوراق الشجر , بينه و بينها ليلة حناء بأضواء نجومها , بقمرها و بفرح الناس , جسدها يرتعش و يترنح الحلم , بالكوفية غطى كتفيها , لكي يحمي قلبيهما من فتك البرد .

رفعت يدها اليمنى , و برؤوس أصابعها لمست خده الأيسر , جفونها ثقيلة تقاوم النوم , ارتخت تعابير وجهها , و لم تعد قادرة على البسمة , تحركت شفتاها فاقترب بأذنه منها , هل أحببت الحناء في قلب يدي ؟ همست .

في عينيها الشبه مغلقة هز رأسه , ثم أغلقت عينيها على صورة وجهه و غفت.

 

One Reply to “الحناء و الكوفية . . بستان حرير من نور الشمس نص لـ موسى حيان – لندن”

اترك تعليقا