دفاعا عن حقوق الكاتب العربي في زمن المقاصل
- Alsekeh Editor
- 31 مارس، 2023
- محطة المقالات
- 0 Comments
السكة – محطة المقالات – كتب نزيه أبو نضال – يبدو لي أن جذر المسألة المطروحة: ” هموم الكاتب وحقوقه وأوضاعه المعيشية”، إنما يكمن في حقل آخر: هو حقل الحرية أو نقيضه الاستبداد … حقل التجاوز أو نقيضه الثبات… حقل العدل أو نقيضه النهب والاستغلال… حقل التنوع الخصب أو نقيضه الأحادي الأحد المطلق.
في حقل الألغام والآلام هذا ينبت الفكر وينبت الإبداع ويكون على “الفلاح المصري الفصيح” أن يُجلد صباح مساء، كي يُضمّخ شكاواه بالحكمة…
ويكون أن يتجرع سقراط السم لأنه تجرأ على إثارة مياه الحياة الراكدة بعصف الأسئلة…
ويكون أن يُنفي أبو ذر ليموت، لأنه دل الفقراء على جنة في الأرض، لا في السماء…
ويكون أن يُقّيد ابن المقفع إلى فرن مشتعل ويُحرق حياً، لأنه آمن بحرية العقل واستقلال التفكير…
أما الحلاج فيُجلد بالسياط ويُصلب ويُقطع رأسه ويُحرق لأنه اشتبه بإمكانية توحيد العقل والدين… فيكون أن يهرب غاليليو من عذاب الحرق.. فيستنكر دوران الأرض التي تدور.
وينجو مايكل أنجلو بمعجزة، رغم أنه أعاد الاعتبار للجسد الإنساني البهي والمقدّس لا المدنّس.
ويموت الأفغاني بطيئاً بالسم، في قصر الآستانة.. لأنه قاتل ضد منوعات الاحتلال الأجنبي، وضد استبداد الحاكم.
ويحاكم طه حسين ويحجر على كتابه لأنه شك بمصادر الشعر الجاهلي…
ويُسجن ناظم حكمت ، لمدة عمر شاب مكتمل ، لأنه غنى للعدل وللمستقبل…
وكذا يُنفى البارودي وببرم التونسي ويُسجن الثنائي نجم/ إمام.
أما صديقنا نصر حامد أبو زيد فيهرب باجتهاده الفكري إلى هولندا، ومعه زوجته التي (طُلقت) منه بقرار من محكمة الحسبة، يهرب حتى لا يلقى مصير زميله فرج فوده: الاغتيال، أو موت ينجو منه بأعجوبة: نجيب محفوظ.
وإذا كان زمن العتمة قد تراجع عن بعض مواقعه فإنه في بلادنا لا يزال يستفحل… ذلك أن الفرعون الإله لا يزال يتناسل فوقنا، وكذا السلطان الرب… أبو العيلة ووالد الأبناء. ومن خرج على نظام القبيلة جاع أو تصعلك في الصحراء ، ودون أن يجد أم سليك ترثيه.
جذر أزمتنا أن صاحب الفكر والإبداع في بلادنا هو مجرد سلعة يشتريها السلطان بشروطه: مدحاً أو رثاء، أو يُقتل صاحبها أو يُنفى إذا ما تجرأ على نقدٍ أو هجاء…
ولك، إذا شئت أن لا تُقتل أو تُباع أن تهرب بإبداعك إلى ألغاز الفن وسحر الغموض، إلى الإيحاءات البعيدة التي لا تُرى إلا بمجهر ناقد أريب…فلا يغضب منك سلطان أو رقيب.
هذا التاريخ الدامي من تسليع الفكر والإبداع وصل في مرحلة أجهزة الإعلام الهائلة المملوكة للسلطان: صحف وإذاعات ومحطات تلفزة وفضائيات ومواقع إنترنت إلى أن تصبح الثقافة “سلعة” كمالية إضافية يمكن الاستغناء عنها: فها هي ميلودرامات المسلسلات العربيية توفر للمتلقي ما يشبه (الإشباع) الأدبي والفني..
وها هي تصريحات وزراء الإعلام وكتاب الأعمدة المعتمدة يقدمون لك خلاصة (الفكر) بوجبة سريعة عند كل صباح… ثم هناك الذين يتحزمون بالـ (د.) حتى في سرير الزوجية. فهم على استعداد دائم لتقديم ما شئت من ندوات، ومقابلات ، ومقالات، وبالمجان مع الشكر الجزيل…
على نقيض المبدع الراحل لياس فركوح الذي كان يطالب بمردود مادي للفكر والإبداع!!
نحن إذن أمام إشكالية مركبة: نظرة من أعلى إلى أسفل ترى الفكر والإبداع مجرد سلعة كمالية يمكن شراء أصحابها ( لاحظوا: شراء أصحابها لا شراء السلعة نفسها)، ثم نظرة ذاتية من الأسفل يرى عدد من الكتاب فيها أن الكتابة مجرد فضلة وقت أو وسيلة شهرة وليست شهوةً عارمةً لتغيير الحياة.