بعد منعهم من تصدير النفط .. أكراد العراق يصفون سياسة بغداد “بإلقاء قنبلة على مصنع بارود”

السكة – المحطة العربية – متابعات

يشهد كردستان العراق، الذي يتمتع بالحكم الذاتي، توتراً جديداً بعد الحكم الذي أصدرته محكمة التحكيم التجاري الدولية في باريس، الذي يُلزم الإقليم بإغلاق خط الأنابيب الأهم لديه، لا سيما أنه يصدر النفط من خلاله إلى تركيا، ومنها إلى باقي المشترين في الخارج.

تأتي هذه الأزمة الجديدة لتُضاف إلى الأزمات التي يمر بها الإقليم، شمالي العراق، في مقدمتها الصراع المستمر على السلطة بين الحزبين الحاكمين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني.

سبب المشكلة الحالية يعود إلى أن الحكومة المركزية في بغداد كانت قد رفعت عدداً من الدعاوى ضد تركيا، لتسهيلها تصدير النفط من كردستان العراق، من خلال ميناء جيهان التركي، رغم الخلافات بين حكومتي بغداد وأربيل فيما يخص مسألة تقاسم عائدات النفط والغاز.

كردستان العراق خسرت في القضية المرفوعة ضدها في محكمة التجارة الدولية – الأناضول

في الأيام القليلة الماضية، حكمت محكمة التحكيم التجاري التابعة لغرفة التجارة الدولية لصالح حكومة بغداد، بإغلاق خطوط أنابيب النفط من كردستان العراق التي تصل إلى ميناء جيهان التركي، بالإضافة إلى غرامات تدفعها أنقرة، تُقدر بحوالي 1.4 مليار دولار أمريكي.

وصفت حكومة بغداد الحكم الصادر بأنه “انتصار تاريخي” لها، في خلافها مع حكومة اقليم كردستان، في حين تعيش الأخيرة واحدة من أسوأ المواقف بسبب إغلاق صادراتها المستقلة من النفط والغاز.

رفض قادة إقليم كردستان العراق قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية، ووصفوه بأنه قرار “مسيّس”، نظراً لتحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في صراعه مع خصومه في الإطار التنسيقي للسيطرة على تشكيل الحكومة، بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021.

في هذا الصدد، يقول مسؤول حكومي كردي منتمٍ للحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ”عربي بوست”، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: “قرار المحكمة الاتحادية العليا قرار جائر، تريد حكومة بغداد من خلاله الإشراف الكامل على صادرات النفط الكردية دون تدخل من حكومة أربيل”.

وصف ذلك بأنه يمثل “اعتداءً على موارد الإقليم دون وجه حق، على عكس ما تدّعيه حكومة بغداد”.

بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية بعدم دستورية قانون النفط والغاز المستقل لإقليم كردستان العراق، قامت وزارة النفط العراقية بإجراء اتصالات مع شركات الطاقة العالمية، التي تمتلك فروعاً لها في إقليم كردستان العراق، لوقف التعامل مع حكومة أربيل، مهددة بملاحقات قانونية.

علق على ذلك مسؤول حكومي عراقي في وزارة النفط العراقية، لـ”عربي بوست”، بالقول: “بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية، والحكم الصادر من محكمة التحكيم التجاري الدولية، وبعد تواصل موسع من وزارة النفط العراقية مع شركات الطاقة العالمية، توصّلنا إلى تعهدات من حوالي 5 شركات دولية تعمل في إقليم كردستان العراق، لوقف تعاملها نهائياً في الإقليم”.

الهجمات على المنشآت النفطية الكردية

هناك جانب آخر في محاولات السيطرة على صادرات النفط الكردية، وهو الهجوم على المنشآت النفطية الكردية، التي تستهدف منع حكومة كردستان العراق من تصدير النفط والغاز بشكل مستقل، بحسب اتهامات من مسؤولين في أربيل.

وأكدوا أنه سبق أن استهدف الحرس الثوري الإيراني والجماعات المسلحة العراقية الشيعية المقربة من طهران، منشآت النفط والغاز في إقليم كردستان العراق.

تكررت الحوادث بشكل كبير، وكان أبرزها هجوم الحرس الثوري الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة، الذي استهدف منزل رجل الطاقة الأبرز في إقليم كردستان العراق “باز كريم”، ورئيس واحدة من أهم شركات النفط في إقليم كردستان العراق، في 15 مارس/آذار 2022، بزعم أنه استضاف اجتماعاً ضم مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين لـ”استهداف الأمن القومي الإيراني”، بحسب الرواية من طهران.

حول ذلك، قال سياسي كردي منتمٍ للحزب الديمقراطي الكردستاني لـ”عربي بوست”، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموضوع: “الإيرانيون لا يريدون لحكومة أربيل أن تقوم بالسيطرة على سوق النفط والغاز، وهذا يتماشى مع مصالح حلفاء إيران في بغداد”.

أضاف أيضاً أن “الإيرانيين يريدون أن يكونوا البديل للنفط والغاز الروسي في أوروبا، لذلك يحاولون عرقلة جهود الإقليم في تصدير النفط”.

تعرض كذلك عدد من مصافي النفط التابعة لشركة “KAR” الكردية لعدد من الهجمات. وفي حين لم يصرح قادة حكومة إقليم كردستان بشكوكهم بتورط حلفاء إيران في هذه الهجمات، لكن مسؤولاً أمنياً كردياً، قال لـ”عربي بوست”: “لدينا أدلة على أن الصواريخ التي استهدفت مصافي النفط وحقل خورمور، تم إطلاقها من مناطق تتمتع بسيطرة الفصائل المسلحة الشيعية المقربة من إيران، لكننا لا نريد المزيد من التصعيد”.

ما الخطوات القادمة؟

تحاول حكومة إقليم كردستان الآن التفاوض مع الحكومة المركزية في بغداد، بعد نجاح الأخيرة في إيقاف صادرات النفط والغاز المستقلة لحكومة أربيل.

بحسب مسؤول حكومي كردي، تحدث لـ”عربي بوست”، فقد سافر الوفد الكردي أكثر من مرة إلى بغداد، من أجل التفاوض مع المسؤولين في بغداد، لكن “لم يتم التوصل إلى أي اتفاق إلى الآن”.

عن موقف بغداد وفق ما نقله الوفد المفاوض الكردي، فإن “المسؤولين في العاصمة العراقية يعلمون جيداً مشاكل الإقليم الاقتصادية، ولديهم مثلها في جميع أنحاء العراق، وما يتم فعله الآن من حكومة بغداد هو مثل رمي قنبلة على مصنع بارود”، وفق تعبيره.

تقول المصادر السياسية والحكومة في أربيل، التي تحدثت لـ”عربي بوست” في هذا التقرير، إنها “منفتحة على جميع الحلول، ما عدا القبول بأن تسيطر وزارة النفط العراقية بشكل كامل على صادرات النفط والغاز الكردية، وعلى بيعها أيضاً، دون أن يكون لحكومة إقليم كردستان أي دور في هذه العملية”.

على الصعيد المقابل، فإن ذلك يمثل عكس ما تريده حكومة بغداد المركزية، وفق ما أكده في حديثه لـ”عربي بوست”، مسؤول عراقي في وزارة النفط العراقية، قائلاً: “إن كل ما تريده حكومة بغداد هو السيطرة الكاملة على صادرات النفط والغاز في إقليم كردستان العراق، وأن تقوم حكومة بغداد بتقسيم العائدات بينها وبين الإقليم”.

أكد أيضاً أن “حكومة بغداد تريد السيطرة على صادرات النفط العراقي كافة في جميع أنحاء البلاد”.

اترك تعليقا

NEW