وقفة مع المفكر والموسيقي الفلسطيني إدوارد سعيد

السكة  – المحطة الثقافية – كتب نزيه أبو نضال
كنت أعرف بصورة غامضة علاقة إدوارد سعيد بالموسيقى، وبأنه عازف بيانو ممتاز، ولكنني لم أكن أعلم أن عزفه يصل حد الاحتراف، وبأن ثقافته الموسيقية ميّزته كناقد أوبرا، وعازف بيانو يعدّ من كبار المتخصصين في الموسيقى، والأهم من ذلك بالنسبة لي هذه الاستكشافات المتأخرة عن جدل الموسيقى والمجتمع، الموسيقي والقمع، الموسيقي والأخلاق، الموسيقي والسياسة، بل حتى عن أوجه الشبه بين كتابة النوتة الموسيقية وبين وثائق اتفاقية أوسلو.. كل ذلك ضمه كتاب «النظائر والمفارقات» بترجمة متميزة عن نص بالغ الصعوبة وشديد التخصص، ولكن د. نائلة عبد الفتاح القلقيلي أنجزته بجدارة استثنائية. والكتاب صدر بمبادرة شجاعة عن دار الآداب، بيروت، 2005.
وما يدهش قارىء هذا الكتاب الثقافة الموسيقية العالية رغم أن الموضوع الموسيقي بالنسبة لسعيد اهتمام جانبي ذلك لكونه بالأساس أستاذاً للأدب الإنجليزي المقارن، وواحداً بين أعظم نقاد الأدب في الربع الأخير من القرن العشرين، وما حول الأدب من فلسفة وتاريخ وعلوم اجتماعية، انثروبولوجية ومقالات وكتابات سياسية.. مما جعل منه أحد أشهر مفكري عصرنا، خصوصاً في إسهاماته المتميزة عن الاستشراق والامبريالية والثقافة، كما كان أحد أبرز المثيرين للجدل في الحياة الثقافية والسياسية العربية.
ادوارد سعيد المقيم «خارج المكان» ظل المكان مقيماً فيه.. فوهب حياته للوطن، وظل حتى اللحظة الأخيرة ساندا له بما يستطيع..وقد عرفنا بعد وفاته فقط، وخلال حفل تخريج طلبة المعهد الوطني للموسيقى في بيت لحم والتابع لجامعة بير زيت كيف أن ادوارد سعيد قد أسهم بفكره وماله،بتأسيس هذا المعهد منذ العام 1993. فكان أن أعلنت رئاسة الجامعة ما يلي: لحكمته و إخلاصه اللذين لا يعرفان حدوداً، يشرفنا أن نكرم ادوارد سعيد بإطلاق اسمه على المعهد لتكون روحه الأبدية حاضرة معنا وملهمة لنا ولعالم الموسيقىى.
وبذلك أصبح اسم المعهد ابتداء من أول شهر أيلول 2004
معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى / جامعة بير زيت
وفي الحفل جرى تكريم سـعيد عبـر الموسيقى والانشـودة من قبل هذا المعهد..هكذا يتوحد الوطن بالموسيقى في ذات هذا المفكر/ الموقف والانسان، رغم نأي الدار ومشاغل الأيام، ورغم مرض سرطان الدم الذي ظل يفتك به حياً، منذ العام 1992 ، إلى أن وافاه الأجل المحتوم.. فتوفى يوم الخميس 25-9-2003 ، وكان قد ولد في القدس في الأول من تشرين الثاني 1935، ولكنه ترعرع في القاهرة قبل أن يهاجر مع أسرته إلى الولايات المتحدة.. ولكنه ظل اولا ادوارد سعيد الفلسطيني.

اترك تعليقا