منصات التواصل تزيف إرث المبدعين بـ”كلمات لقيطة”

السكة – المحطة الثقافية – للكاتبة حميدة أبو هميلة

نزار قباني يعطي نصائح في التعامل مع الأصدقاء المخادعين ونجيب محفوظ يقدم خلاصة حكمته في كيفية عمل “بلوك” (حظر) للحبيب السابق، أما يوسف إدريس، فما ينسب إليه يجعله بمثابة رائد من رواد محاضرات التنمية البشرية التي لم تكن رائجة حينما كان الأديب الراحل على قيد الحياة، بينما فيودور دوستويفسكي يلقي بمقولاته المتعلقة بالرضا وقبول الرزق وكيفية تربية الأطفال. إنه عصر السرعة القصوى في تداول المعلومات المضللة، أرشيف كامل من الزيف والافتراء على مشاهير العرب والعالم.

ففي وقت بات الحصول على المعلومة يسيراً بعدما كان على المطلع أو الباحث أن يغوص تحت أطنان من صفحات الكتب والمجلات والجرائد والوثائق ليحصل على تفصيلة أو مقولة أو عبارة أو تصريح تائه، أصبح من الضروري أن نولي اهتماماً أكبر لفضيلة “التدقيق”، بحيث تمتلئ صفحات منسوبة إلى المؤلفين والشعراء وحتى علماء نوبل بعبارات لم يقولوا معظمها، إذ تبتكر جملة ما أو تنزع من سياقها ثم تلصق باسم أحد المشاهير في هذا المضمار من دون أية اعتبارات بهدف جمع علامات الإعجاب، على رغم أن ذلك يعتبر تلاعباً سيبقى أثره طويلاً على أجيال عدة لم تعد تستقي معارفها من الكتب الموثوقة بل من تدوينات على صفحات تمتلك علامة زرقاء لتبث في قلب المتابعين الثقة والفخامة، لكن أن تقع جهات محترفة في أفخاخ من هذا النوع بكل بساطة، فهذا أمر يثير القلق والاستغراب.

محمود درويش مزوراً

منذ أسابيع تروج الفنانة اللبنانية كارول سماحة لألبومها المعنون “الألبوم الذهبي” الذي خصصته لقصائد الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش “13 مارس (آذار) 1941 – 9 أغسطس (آب) 2008″، وبالفعل طرحت أولى الأغنيات بصوتها موقعة باسم الشاعر الكبير الذي تغنى كثيرون بكلماته وبينهم مارسيل خليفة وماجدة الرومي وأصالة، ووضع لها اللحن تيسير حداد وصورتها نجمة “بصباح الألف التالت” و”خليك بحالك” و”ما بخاف” على طريقة الفيديو كليب وجاءت بعنوان “ستنتهي الحرب”.

استقبل الجمهور العمل بحفاوة تجاوزت مليوني مشاهدة عبر موقع “يوتيوب” مع آلاف من التعليقات التي تثني على الروح الفنية المغايرة لكارول سماحة التي تألقت في بدايتها على مسرح “الرحابنة” وأيضاً على مغامرتها بأداء قصائد فصيحة في زمن “تيك توك” وأغنيات المهرجانات.

لم يشكك أحد تقريباً في مصداقية فنانة مثقفة موسيقياً مثلها، لتأتي المفاجأة غير المتوقعة بأن القصيدة المنسوبة إلى درويش ما هي إلا مجموعة من الكلمات تم نظمها كيفما اتفق ونسبتها إلى شاعر “كزهر اللوز أو أبعد” مع تطعيمها بعبارات قليلة له ليخرج في النهاية منتج هو صنيعة صفحات تحمل اسم محمود درويش، لكنها غير أمينة على إرثه.

الأمر أثار استياء مؤسسة محمود درويش في مدينة رام الله الفلسطينية، إذ أصدرت بياناً رسمياً استنكرت فيه الواقعة ومما جاء فيه “بعد فحص المؤسسة صاحبة الولاية الحصرية على إرث شاعرنا الكبير، اتضح أن الكلمات المنسوبة لمحمود درويش في الأغنية ليست من أشعاره إنما من إنتاج مواقع التواصل الاجتماعي، وهي دون المستوى المعروف به شاعرنا الكبير”.

كارول تستجيب

الأمر هنا يحمل أكثر من شق، فالمطربة اللبنانية ذات التجربة الفنية الأكثر تميزاً بين نجمات جيلها، لم تلجأ هي وفريق عملها إلى الدواوين الأصلية للشاعر الأكثر حضوراً في الذاكرة العربية في العصر الحديث، لا سيما في الشق الوطني لتنتقي منها، إنما اعتمدت على صفحات مجهولة على الـ”سوشيال ميديا”، وهو الرأي الذي تبناه كثيرون ممن يثقون باختيارات فنانة مثل كارول سماحة ، معبرين عن صدمتهم من هذا التصرف، خاصة أن الألبوم يعتبر باهظ الكلفة إنتاجياً، فكيف يمكن لجهة إنتاج أن تنفق كل تلك الموازنة بينما لم يتكلف فريق العمل عناء الرجوع إلى المصدر الأصلي؟

اترك تعليقا

NEW