آيمي لامبرت : بروس ويليس وأمي أصيبا بنوع الخرف نفسه

السكة – المحطة الأخيرة

كان عمري عشرين سنة عندما شُخِّصت أمي بالخرف الجبهي الصدغي، وهو نوع نادر من الخرف يصاب به نحو شخص واحد من بين كل عشرين شخصاً يُشخَص بهذا المرض.

عندما أعود بالذاكرة إلى ذلك الوقت، أجد بأن عائلتي وأنا لم نكن نعرف الكثير عن هذا المرض من حيث الرعاية في البداية. حتى الفترة السابقة لتشخيص والدتي كانت مليئة بالتوتر. كنت أعمل عندها لدى مكتب محاماة في لندن ولم يكن العمل من المنزل أمراً معمولاً به آنذاك، مما يعني بأنني كنت مضطرة لاستخدام أيام العطل من أجل اصطحاب أمي إلى مواعيد الأطباء فيما كنا نحاول التوصل إلى تشخيص، كما كان عليّ تخصيص وقت بعد العمل من أجل المساعدة في تدبير أمور المنزل.

كان في ذلك استنزاف جسدي ونفسي، وفيما تعمّقنا في البحث عن تفسير تشخيص أمي، بات من الواضح بالنسبة إلينا بأنها سوف تحتاج رعاية بدوام كامل في آخر فترة من حياتها. أردنا جميعاً أن نتصرف بشكل يليق بها، وفكرنا بأي نوع من الرعاية كانت لترغب به، وكان من المهم بالنسبة إلينا أن نبذل أقصى ما يمكننا فعله من أجلها .

يختلف الخرف الجبهي الصدغي عن غيره من أنواع الخَرف، إذ إنّ احتمالات تأثيره في الذاكرة والتركيز في المراحل الأولى أقل، لكنه يؤثر على الفص الجبهي من الدماغ المسؤول عن الشخصية والسلوك واللغة والنطق. تغيّرت شخصية أمي بسرعة. تحوّلت من شخص مستقل ونشيط واجتماعي إلى شخص اتكالي وقلق ومنطوٍ بسرعة شديدة.

في البداية، لم تعتقد أمي بأنها تعاني من أي شيء وكانت تلغي مواعيد الأطباء. أصبحت تخرج لشراء الطعام عدة مرة يومياً وتحضر معها وجبات سريعة فقط، وهو طعام اعتادت تجنّبه قبلاً.

كما تحوّلت من شخص صحي ونشيط إلى شخص يجلس أمام التلفاز لفترات طويلة. لم تكن هذه طبيعتها، لكننا تركناها على سجيتها لأنها بدت مرتاحة هكذا. لم تحب وجود أشخاص آخرين حولها، واعتادت أن تخرج من الغرفة وتتجول في الحديقة لكي تهدئ أعصابها.

في الفترة الأولى من رعايتنا لوالدتي، أعتقد بأننا شعرنا جميعاً بالذنب، وترك تشخصيها أثراً ضخماً في حياتنا الاجتماعية لكننا شعرنا بالذنب إن لم نكن في المنزل كي نرعاها ونعتني بها. عندما أتذكر تلك الفترة أجد بأن هذا أمر طبيعي جداً لأننا كنا ما زلنا نستوعب حالتها، لكننا أدركنا أهمية أخذ استراحة من الرعاية والحرص على وجود قدر من الطبيعية في حياتنا، ولا سيما خلال الجائحة حين كنا جميعاً في المنزل.

في وقت لاحق، توصّلنا إلى نظام جيد من أجل تشارك مسؤوليات الرعاية والحرص على أخذ بعض الاستراحة في عطل نهاية الأسبوع فيما يظل أحد في المنزل يعتني بأمي. لكنني أتمنى لو فعلنا أمراً واحداً في وقت أبكر، وهو الحديث مع أحد الممرضين الرائعين في منظمة ديمنشيا يو كاي Dementia UK. أردنا أن نفعل كل ما بوسعنا كي تكون أمي مرتاحة لكننا عانينا في بعض الأحيان وكان من الرائع لو كان لدينا من يمكننا أن نطلب منه بعض النصائح حول مختلف المواقف كي نخفف بعض الضغط عن أنفسنا.

تصرف أصدقائي بشكل مذهل خلال تلك الفترة من حياتي. ظلوا يطمئنون عليّ، وكانوا يعرفون عندما لا أكون صريحة تماماً بشأن وضعي، لكنهم احترموا حدودي في الأوقات التي لم أرغب بها بالتحدث عن مشاعري.

لم يجعلوني أشعر أبداً بالسوء إن نسيت شيئاً أو غبت عن مناسبات اجتماعية. كان دعمهم لا يقدّر بثمن، إذ أدركوا مسؤوليات الرعاية التي على عاتقي لكنهم ظلوا موجودين لمساندتي عندما أحتاج ذلك- كانوا صبورين ولطيفين ومستمعين مذهلين لأحاديثي الطويلة بين الفينة والأخرى.

إن اعتنائي بأمي جعلني أرغب بمساندة الآخرين ومشاركة تجربتي في الرعاية من خلال عملي. في الشركة الأخيرة التي عملت لديها، كنت عضواً نشيطاً في شبكة مقدمي الرعاية التابعة لهم. بفضل كوني مقدمة رعاية، أصبح أكثر تعاطفاً وحساسية واهتماماً ويمكنني الآن توظيف هذه المهارات إضافة إلى معرفتي بتقديم الرعاية في عملي الجديد، حيث أعمل ضمن نطاق الأثر المجتمعي والتنوع والدمج.

كان الاعتناء بأمي أمراً صعباً، واحتجنا إلى الاستعانة بمساعدة آخرين في نهاية المطاف، لكنني فخورة جداً بالطريقة التي عملت بها عائلتي كوحدةٍ، معاً. صنعنا ألعاباً واختلقنا مهاماً لمساعدتها في إنجاز نشاطات منزلية بسيطة. لكنها جاهدت لإنجازها وبدأت حالتها تتدهور بسرعة.

توفيت أمي بعد إصابتها بنزيف في الدماغ- لا علاقة له بالخرف- في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. استطعنا أن نجمع أكثر من 4 آلاف جنيه استرليني لمصلحة منظمة التمريض الخيرية المختصة بالخرف، Dementia UK، التي دعمتنا من خلال النصائح والإرشاد المتعلق بالخرف الجبهي الصدغي وبكيفية اعتنائنا بأنفسنا باعتبارنا مقدمي رعاية.

لا شك في أننا اشتقنا لأمي، وكنا حزينين على فراقها بعد وفاتها، لكنني أدركت أيضاً بأنني حزينة لأنه ما عاد أحد “يحتاجني”. فالرعاية وظيفة بدوام كامل، وعانيت من أجل التأقلم مع غيابها وعدم الحديث عنها بالوتيرة نفسها. عندما تعتني بشخص تحبه، يصبح منحه الرعاية التي تعتقد بأنه يريدها محور حياتك، وعندما ينتهي ذلك، تُصاب بنوع من الصدمة.

احتجت لبعض الوقت كي أتكيّف مع هذا الموضوع وأقبل بأنه لا بأس أن أحدّ على جزئين من حياة أمي: جزء ما قبل التشخيص، وشكل العلاقات التي طورناها عندما كنا نعتني بها.

اترك تعليقا

NEW