الجيش المخابرات والقضاء “صناع الملوك” في تركيا

السكة – المحطة الدولية – وكالات

لا يزال حزب “الشعوب الديمقراطي”، الموالي للأكراد في تركيا، يواجه تهديدا بالحظر، وقطع المساعدات المالية التي يتلقاها من الخزانة، رغم توجه البلاد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ومع بدء العد التنازلي للموعد المحدد في 14 من مايو المقبل، تنطلق تساؤلات بشأن ما إذا كان الإجراء المذكور سيتنتهي بما بدأ عليه، أم قد تكون له تبعات أخرى.

ويعتبر “الشعوب الديمقراطي” ثالث أكبر حزب بالبرلمان التركي، وكان قد قرر خلال الأيام الماضية ترشيح رئيسيه المشاركين ضمن قوائم حزب “اليسار الأخضر”، في خطوة استباقية من جانبه لمواجهة الإجراءات القضائية التي تستهدفه، التي قد تنتهي بإعلان حظره بشكل كامل.

وفي آخر تطورات قضية “حلّ الحزب”، الذي تتهمه الحكومة بالارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب، بينما ينفي مسؤولوه ذلك، سلّمت “المحكمة الدستورية العليا” الملف إلى “مقرر” لإعداد تقريره في موضوع الدعوى.

وجاء ذلك بعدما أعلن “الشعوب الديمقراطي” أنه لن يقدم دفاعا شفهيا في قضية إغلاقه، بعد تحديد الموعد المخصص لهذا الأمر في 11 من شهر أبريل الحالي.

وذكرت وسائل إعلام تركية، الثلاثاء، أنه “وبعد توزيع تقرير المقرر على أعضاء المحكمة العليا، سيحدد الرئيس زوهتو أرسلان موعدا للاجتماع، وستتم مناقشة طلب الإغلاق بناءً على الأسس الموضوعية”.

مصادر مطلعة على الشأن التركي ذكرت في تصريحات صجفية أن استهداف كل منافس محتمل لحزب العدالة والتنمية يشير الى أن تركيا مازلت تخضع لتأثير الجيش والمخابرات والقضاء أكثر من خضوعها لنتائج صناديق الاقتراع .

ومن المتوقع أن تجتمع “هيئة المحكمة العليا” كل يوم دون انقطاع، وتواصل عملها حتى تبت “لجنة المحكمة الدستورية”، المؤلفة من 15 شخصا، في قضية الإغلاق المرفوعة ضد حزب “الشعوب الديمقراطي”.

ومن الممكن اتخاذ قرار بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين في الاجتماع، أي 10 فقط من أصل 15 عضوا، لحل الحزب وبسبب الأوضاع المذكورة في المادة 69 من الدستور، أو حرمان الحزب من مساعدة الدولة جزئيا أو كليا، “اعتمادا على خطورة الأفعال المعنية”.

“ضغوط متزايدة”

وعلى اعتبار أن قضية “حل الحزب” هي أكثر ما يهدده في الوقت الحالي إلا أنها تترافق مع ضغوط أخرى “ذات صبغة انتخابية”.

ووفق ما قالت وسائل إعلام، الثلاثاء، قرر “المجلس الأعلى للانتخابات” أن “الشعوب الديمقراطي” لا يمكنه أن يكون ممثلا في لجان صناديق الاقتراع.

وجاء استبعاده بناء على طلب من “الحركة القومية”، وهو الحزب الذي يتحالف مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضمن “تحالف الجمهور”، بينما كان الطرف الأساسي الذي حرّض على نحو أكبر اتجاه الدفع بعملية الحظر.

ووفقا لقانون الأحزاب السياسية، يمكن لممثلي أفضل خمسة أحزاب سياسية في الانتخابات العامة المشاركة في لجان صناديق الاقتراع. ويتم تحديد الخمسة الأوائل بشكل منفصل لكل دائرة انتخابية.

كما يمكن للأحزاب السياسية التي تشترك في المراكز الثلاثة الأولى في الانتخابات في جميع أنحاء البلاد المشاركة في لجان صناديق الاقتراع.

ومنذ تقاسم حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الشعب الجمهوري” وحزب “الشعوب الديمقراطي” المراكز الثلاثة الأولى في الانتخابات العامة في 24 يونيو 2018، تمكنت هذه الأحزاب من الحصول على أعضاء في لجان صناديق الاقتراع.

ومع ذلك، وبعد قرار المجلس الأعلى يوم الثلاثاء، سيعمل ممثلو حزب “الحركة القومية”، الذين هم في موقع الحزب الرابع، بدلا من “الشعوب الديمقراطي” في لجان صناديق الاقتراع.

وذكر تقرير لمنظمة “العفو الدولية” أن “إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي، وفرض حظر سياسي على المئات من أعضاءه السابقين والحاليين، ينتهك بوضوح التزامات تركيا الدولية، بينما تستعد للانتخابات الحاسمة في أعقاب الزلازل المدمرة في 6 فبراير”.

وجاء في التقرير، الذي نشر الثلاثاء، أن “إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي من شأنه أن ينتهك الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، ويضعف بشدة قدرة الناس على المشاركة في تسيير الشؤون العامة في تركيا”.

وحثّت “العفو الدولية” السلطات التركية على الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وضمان حماية هذه الحقوق على النحو الواجب.

بالإضافة إلى ذلك، حثّت “العفو الدولية” المحكمة الدستورية العيا على النظر في العديد من الأحكام الملزمة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ذات الصلة بالقضية الحالية، التي ينبغي أن تكون بمثابة أساس إرشادي لقرارها. 

ماذا ينتظر الحزب؟

يرى الأكاديمي والباحث السياسي، مهند حافظ أوغلو، أن “ثمة توجه من الدولة التركية بأن لا يستمر بقاء حزب الشعوب ضمن السياسية الداخلية، بسبب ارتباطه بحزب العمال الكردستاني الإرهابي”.

ويقول لموقع “الحرة”: “ما لم تنفك الرابطة بينة وبين ذلك الحزب فإن التوجه التركي هو بتحجيمه، والحيلولة دون وجود ثقل له في الداخل التركي، وبالتالي فإن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة”.

ومن المرجح أن “تكون هناك تقييدات على الحزب الكردي، وتوجه بأن يواجه بعض تضييق الحركة، وأن لا يتمتع بتلك الحرية”، وفق حافظ أوغلو.

وستكون انتخابات 2023 واحدة من أكثر الانتخابات التاريخية في تركيا، التي سيشتد فيها السباق وتصل التوترات السياسية إلى ذروتها، وكثيرا ما وصفها إردوغان بـ”الحاسمة والمصيرية”، وفي مقابله أحزاب المعارضة.

ولطالما وصف مسؤولون في “الشعوب الديمقراطي” الحزب بأنه “صانع الملوك” في البلاد، قاصدين الدور الذي يلعبه في كل انتخابات، من زاوية ترجيح الضفة التي ينضم إليها، بناء على القاعدة الشعبية الخاصة به. 

وفي أول انتخابات خاضها في يونيو 2015 كان “الشعوب الديمقراطي” حصل على 13.1 بالمئة من الأصوات و80 مقعدا في البرلمان المكوّن من 550 مقعدا. 

وفي انتخابات 2018 حصل على نسبة 11.7 بالمئة من الأصوات و67 مقعدا في البرلمان (من أصل 600 مقعد بعد التعديل الدستوري) ليكون ثالث أكبر حزب في “مجلس الأمة الكبير” (البرلمان) بعد “العدالة والتنمية” و”الشعب الجمهوري”. 

أما في عام 2019، فقد أسفر الدعم الذي قدمه في الجولة الثانية من انتخابات البلدية إلى رجحان كفة المعارضة وبالتحديد “حزب الشعب الجمهوري” في الفوز برئاسة بلدتي أنقرة وإسطنبول. 

ولذلك يعتبر المحلل السياسي التركي، جواد غوك أن استمرار قضية حل “حزب الشعوب” والتهديدات المتعلقة بقطع مساعدات الخزانة تقف ورائها محاولات “تخويف لأتباعه”.

ويقول غوك لموقع “الحرة”: “سابقا كان لمثل هذه المواقف من القضاء والحكومة ضد الأحزاب الكردية دورا في التخويف فقط”.

والآن “يريد القضاء القول لأتباع هذا الحزب: ولو أنكم تختارون هؤلاء للنيابة عنكم في البرلمان سوف نقيلهم بعد ذلك”، إذ يضيف غوك: “يريدون أن لا يصوتوا لصالح حزب الشعوب”.

“بين الرئاسة والبرلمان”

وفي حين سيكون للإجراءات المتخذة دورا سلبيا على شعبية “حزب الشعوب”، إلا أن هذا الأمر سيلقي بظلاله فقط على الاستحقاق البرلماني بعيدا عن الرئاسي، والمرشح الذي ستذهب الأصوات الكردية نحوه.

ويوضح المحلل السياسي غوك أنه “في الانتخابات الرئاسية لا تؤثر الضغوط على حزب الشعوب بل ستنعكس إلى كفة مرشح المعارضة كمال كلشدار أوغلو، كون أتباع الحزب الكردي سيصوتون له”.

لكن على عكس ذلك “سيكون التأثير على الحزب الكردي في البرلمان”، حسب ذات المتحدث.

ولا تعرف الخيارات التي قد يسلكها حزب “الشعوب” بدقة، في حال صدر قرار قضائي بحقه بالحظر قبل موعد الانتخابات.

وسبق أن أشار مراقبون ومسؤولي أحزاب يتحالف معهم الأخير إلى مسار قد يتم اتخاذه، مثل ترشيح شخصيات مستقلة أو عدد من الشخصيات في قوائم أحزاب أخرى، وهو ما تم الإعلان عنه قبل أيام.

وسبق أن حظرت محاكم تركية أحزابا كردية، لاتهامها بالتعامل مع “العمال الكردستاني”، لكن أحزابا كردية أخرى سرعان ما عادت إلى المشهد السياسي، من خلال إعلانات جديدة عن تشكيلها، ولو بأسماء مختلفة. 

لكن الأكاديمي والباحث السياسي حافظ أوغلو اعتبر أن “المناخ العام للمواطنين الأتراك وللأحزاب التركية هو أن حزب العمال الكردستاني يؤرق ويهدد ويدفع ثمن إرهابه دماء الأبرياء”.

ويقول: “بناء على ذلك لا يمكن البقاء على الوضع على ما هو عليه”، مضيفا: “ربما نشهد صدور قرارات وقوانين جديدة تحظر حزب الشعوب المرتبط بالعمال، وربما سيكون خلال الفترة القصيرة خطوات متلاحقة من عرقلات مالية و إدارية”.

اترك تعليقا

NEW