أجر النساء في رمضان والجزاء المؤجل

السكة – محطة كتاب السكة- كتبت رماح خاطر

قالوا قديماً (قليلُ العقل، يرضيه الكلام)

مررتُ على مقال لصاحبهِ، يتحدث عن الأعمال الشاقة التي تقوم بها المرأة بشكل يومي من أعباء منزلية، ثم يضيف عليها صيام شهر رمضان، فيقول ” تكنس وتمسح وتتحمل لفحَ لهيب الفرن والبوتوجاز في سبيل إطعام أفراد الأسرة ثم بعد الانتهاء من الفطور تتراكض بين صلاتها وبين تحضير الحلوى وتجهيزها وبين جلي وتنظيف جبال الصحون والطناجر والملاعق المكدسة بعد الافطار، ويختم حديثهُ بالأجر المؤجل الذي ينتظر النساء جرّاء هذهِ الأعباء والمتاعب المضاعفة إثرَ الصيام.

فيقفز السؤال مباشرةً؛ اذا كان الأمر بكل هذهِ الروعة والأجر الكبير، فلماذا يبدو الرجل زاهداً فيه؟

كيف يكبُر الرجل ليصبح بهذه البلادة وتلك الوقاحة؟

ذلك الكائن الذي إذا ما كان مشغولاً بأمر بسيط للغاية، فإنهُ يحول البيت بكامله الى خلية نحل!
يحوله الى غرفة عمليات ويجعل الجميع غير مرتاحين وكأنهُ في صدد عمل انتحاري تتوقف عليه حياة افراد المنزل بعد ذلك! وقد يكون هذا العمل مجرد اصلاح باب مكسور، او تركيب لمبة بدل المحروقة!

واذا حدثتهُ زوجتهُ خلال انهماكه في عمله البطولي ذلك عن أي شأن او أي طلب، يصرخ منفعلاً (مش شايفتيني مشغول)!!

بينما تكون الزوجة مغمورة بالكامل في أعباء المنزل والاولاد ولا يجد حرج ان يقول لها (اعمليلي كاسة شاي) !!

كيف استطاع هذا الكائن الوصول الى هذه المرتبة داخل المنزل؟؟

وإن كان العبء المنزلي بهذا القدر من الأجر والثواب عند الله في الآخرة؟ فلماذا هذا الزُهدُ فيه؟

يُعجب بعض النساء اللحن، فيطربنَ له.
لحنُ الدعاء للنساء بخير الجزاء على ما يُقدّمنَ من أعمال خدمية دون كلل ولا ملل طوال شهر رمضان.
أما الرجال، فما زادوا على أن استمروا بوظيفتهم التاريخية باحتكار  الحسنات، وتوزيع النساء على جنة ونار، وفقاً لمدى اقترابهنّ للشكل الذي يرتاح لهُ الرجل أكثر في المرأة، فقد سمعتُ مرّةً شيخاً يقول، بأن عمل المرأة داخل بيتها في رمضان، أكبرُ أجراً عند الله من قراءة القرآن .

وهذا ليس جديدا، فقد احتكر الذكور الأجور عبر الزمن، وكما عَرفوا بخير الجزاء الذي ينتظر من تذيب نفسها شمعة تحترق ليضيء البيت في رمضان وغير رمضان، فهم كذلك نصّبوا انفسهم حرّاس الشرف والفضيلة، يقعدون للنساء كل مرصدٍ يراقبون مشيتهنّ ويتتبعون لبسهنّ وحركاتهن ورائحتهن وصوتهنّ وخلخالهنّ وكلماتهنّ وخُصلِ شعرهنّ!

ثم أخيراً أتى على النساءِ حينٌ من الدهر لم يعد هذا بالنسبة لهنّ مقبولاً.

فاستنكر الناس وانقلبت الدنيا ولم تقعد، ثم في ليلةٍ واحدةٍ وضحاها، قرر الذكور بأن الدنيا صارت في أسوء حالاتها وأخبث أيامها منذ أن تمرّدت النساء على السلطة الذكورية وخرجت على النظام الأبوي وأعلنت العصيان والتمرد !

ولكون الانسان مغرم بطبعه بإطلاق الأسماء بل والهيئات على الأشياء لأن ذلك يجعلها أسهل من حيث التعريف والتصنيف ، فإنهُ تم إطلاق لفظة النسوية على كل امرأةٍ تخرج من عباءة التاريخ الأبوية ، ثم ما لبِثَ حرّاس “الفضيلة” ينشرون الأوصاف الخليعة والصفات المختلّة حول ما اصطُلح على تسميته النسويات،

فهمت النساء هذه المرّة اللعبة، طالما أن التمرد بالأساس كان حول المصطلحات برمتها التي خلقها المجتمع الأبوي ليحفظ لنفسه صفة المانح المانع الذي يمنح ويمنع بخصوص النساء ويوزّع عليهنّ الالقاب (الأصيلة، المحترمة،المحتشمة، الشمطاء، الفاضلة، المعدلة، الجميلة، المتدينة، الملتزمة، المتبرجة، المسترجلة، الشريفة، اللعوب، العفيفة…الخ)

فإن النساء الخارجة عن جلباب أمهاتها التي عاشت العمر تسمع وتطيع وتستجدي الألقاب، استحسنت عن عَمد اللفظة التي جعلها الذكور والذكوريات بمثابة الشتيمة، ثم جرى في طول البلاد وعرضها أن النسوية عامودٌ دائم في المواضيع الصادرة يومياً الى يوم القيامة!

و أخرجت النساءُ لسانها للمجتمع الذي تعوّد على إطلاق الأحكام المموّهة بالالفاظ والوصوف وقالت : حسناً، إن كانت المرأة التي تريد أن تعيش انساناً مكتمل، لا جارية ومتاع وتبَع بنصفِ عقل ونصف شهادة ونصف ميراث ونصف حياة نسوية، فأنا نسويّة، والآن كل شيء. أما الحساب، فحسابنا جميعاً بعدل هناك، عند الله.

اترك تعليقا

NEW