كوكب أميركا أول صحيفة عربية في الولايات المتحدة

السكة – محطة الجاليات العربية –

مع تزايد أعداد العرب الشوام من السوريين واللبنانيين في أميركا نشأت حاجتهم إلى جريدة ناطقة بِاسمهم تنقل أخبار أوطانهم البعيدة عنهم، ويتواصلون مع بعضهم عبْر صفحاتها. من نيويورك، خرجت صحيفة “كوكب أميركا” على يدي الأخوَين السوريين نجيب وإبراهيم عربيلي سنة 1892م لتكون أول صحيفة عربية عرفتها قارة أميركا الشمالية.

سارت تلك الخطوة على نفس درب الإصدارات الصحفية العربية التي ظهرت في أوروبا على أيدي الصحفيين الشوام والمصريين. ففي عام 1879، أصدر إبراهيم المويلحي جريدة “الخلافة” من مدينة نابولي، وأيضاً الصحفي الساخر يعقوب صنوع أصدر عدة مجلات في باريس، منها “النظارات المصرية” عام 1879م، و”أبو صفارة” عام 1880م وغيرها من الإصدارات التي ظلَّ يصدرها حتى وفاته عام 1912م. أما في بريطانيا، فأنشأ رزق حسون أول صحيفة عربية بها عام 1872م حملت اسم “آل سام” ثم غيّره بعدها إلى “مرآة الأحوال

ظهور “كوكب أميركا”

قبل الحرب العالمية الأولى، كان أغلب المهاجرين العرب يعتبرون أنفسهم مقيمين إقامة مؤقتة، وأنهم حضروا إلى أميركا للعمل لعدة سنوات وجني المال ثم العودة مُجدداً إلى أهلهم وأوطانهم، وهو ما ظهر من خلال رغبتهم الكبيرة في متابعة كافة أخبار أوطانهم والتواصل مع زعماء طوائفهم الدينية سعياً لمدِّ كافة أواصر الصِلة الممكنة ببلادهم البعيدة.

يقول ميخائيل وديع سليمان في دراسته “تجربة المهاجرين العرب”، التي نُشرت في كتاب “العرب في أمريكا”، إن الصحف -وقتها- نُظر إليها على أنها وسيلة تواصل اجتماعي تهدف إلى إيصال رسائل زعماء الطوائف إلى رعاياهم البعيدين عن أوطانهم، كما لعبت دوراً في تنشيط العمليات التجارية بين التُجار الشوام الذين كانوا ينشرون إعلانات بضائعهم عبْر صفحاتها.

ويقول الفيكونت فيليب دي طرازي في كتابه “تاريخ الصحافة العربية” إن “كوكب أميركا” ظهرت إلى النور في 15 أبريل 1892. كانت المشكلة الأولى التي واجهها ناشروها هي خلو أميركا من الحروف العربية التي تستعمل في الطباعة، وحينها كانت تلك الحروف نادرة الاستخدام خارج العالم الإسلامي لأن الدولة العثمانية منعت بيع الحروف العربية وتصديرها إلى الدول الأجنبية.

بعد عناء، تمكّن صاحبا الجريدة من استقدام حروف الطباعة من القاهرة وتمكّنا من إصدار مطبوعتهما التي كانت تنشر -في أول عهدها- باللغتين العربية والإنجليزية ثم أُلغي القسم الإنجليزي لاحقاً.

حملت الجريدة الشعار التالي “كوكب أميركا: جريدة سياسية، علمية، تجارية، وأدبية، تُطبع يوم الجمعة من كل أسبوع”.

المُؤسِّسان: الأخواَن عربيلي

يقول باسيليوس خرباوي في كتابه “تاريخ المهاجرة السورية إلى الديار الأميركية”، إن أول عائلة سورية هاجرت إلى الولايات المتحدة بقصد الاستيطان هي عائلة يوسف عوض قالوش المعروف بـ”العربيلي”، والذي عمل مديراً لعدة مدارس في لبنان قبل أن يقرّر الهجرة إلى الولايات المتحدة بصحبة عائلته عام 1878.

ويضيف الخوري إن أكثر أولاد يوسف فطنة كان نجيب عربيلي الذي درس في كلية “مارفل”، وأبدى خلالها نبوغاً حتى نال شهادة في العلوم بتقدير ممتاز. وبحسب خرباوي، فإن نجيب عربيلي كان يجيد اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية

حظي نجيب برضا من السُلطات الأميركية فعيّنته قنصلاً لها في القدس ثم مسؤولاً عن إدارة الهجرة، وهو المنصب الذي وصفه شبل ناصيف دموس في مقالته “حال السوريين في دار هجرتهم” -كتبها عام 1906- بأنه “أعظم منصب شغله سوري في أميركا حتى لحظة كتابة المقال”.

ويقول عبد الله الشمري في كتابه “لمحات من تاريخ صناعة الكتاب”، إن نجيب عربيلي -مسيحي الديانة- وعائلته كان موالياً للدولة العثمانية، لذا صدّر العدد الأول من جريدته بالهلال العثماني باعتباره الرمز الجامع للعرب في العالم بأسره.

بسبب شعبيته الكبيرة بين أفراد الجاليات العربية سببت وفاة نجيب صدمة كبرى لهم. يروي الخوري “أُقيم له مأتم حافل حضره ألوف من وطنيين وأجانب تقديراً للفقيد”، كما سارع العديد من الأدباء إلى الكتابة عنه بغزارة حتى إن أحدهم جمعها في كتاب حمل عنوان “صدى النحيب في رثاء نجيب”.

أما إبراهيم عربيلي (1852- 1922) فكان من أوائل الأطباء الذين تخرجوا من الجامعة الأميركية في بيروت.

السياسة التحريرية

بحسب طرازي، فإن صفحات “كوكب أميركا” كانت تُزين بالرسوم الشرقية، وكانت تكتب المقالات عن الشعب الأميركي النشيط وعن أحوال أهل الشرق وعاداتهم لمحاربة الصورة السائدة بين الأمريكيين أن الشرقيين من أكلة لحوم البشر! أو أنهم من الأمم التي لا تعيش إلا على القتل والسلب والنهب. لذا اهتمت “كوكب أميركا” بالحديث المستفيض عن الأراضي المقدسة وتاريخ أهالي الشرق في صناعة الحضارة.

يضيف طرازي عن الجريدة: “كانت خطتها معتدلة، حرة المبدأ، تنشر الأخبار الصادقة وتنقلها إلى القرّاء على عِلاّتها بلا تحيّز ولا تحزّب، ولذلك أحرزت مقاماً رفيعاً بين رصيفاتها العربية، وانتشرت انتشاراً عظيماً في السلطة العثمانية والعالم الإسلامي، لأن الناطقين بالضاد كانوا توّاقين إلى معرفة أحوال البلاد الأميريكية، كما أن الأمريكيين كانوا راغبين في الوقوف على أخبار الشرق والشرقيين”.

ويعتبر طرازي أن الجريدة خدمت الجالية اللبنانية السورية في المهجر بكل أمانة، ولم تترك موضوعاً مفيداً إلا طرقت بابا أو اختراعاً حديثاً إلا شرحته.

ويقول سعيد الغامدي في كتابه “موقف المعارضة في المشرق العربي من حُكم السُلطان عبد الحميد الثاني”، إن نجيب دياب -كاتب لبناني عمل لفترة طويلة في مصر- تولّى رئاسة تحريرها فترة طويلةً ثم استقال منها وأنشأ لنفسه جريدة أخرى هي “مرآة الغرب”، التي خرجت إلى النور عام 1899م من مدينة نيويورك ثم انتقلت بعدها إلى بروكلين.

ويضيف الغامدي: عقب رحيله عن “كوكب أميركا”، هاجم دياب السُلطان العثماني عبد الحميد، وهو ما دفع الخليفة لحجز أملاك دياب في لبنان، إلا أن الخليفة سرعان ما تراجع عن هذا القرار بعد تدخل السفير الأميركي.

لم تتخذ “كوكب أميركا” ذات الموقف المُعارض للدولة العليّة، بل على العكس قدّمت محتوى متعاطفاً إلى حدٍّ كبير مع الخليفة، وفي بعض مقالاتها كانت تسمّي العرب قاطبة بـ”العثمانيين”، إذ تقول في مقدمة العدد الثامن منها: “لا يخفي على القراء الكرام، أن غرض جريدتنا الأكبر وغايتها القصوى هو استطلاع أخبار العثمانيين في هذه الديار وخدمة صوالحهم والذب عن حقوقهم ما وسعت الحال ونقل إعلامهم إلى الوطن وإيراد أخبار الوطن لهم”.

كذلك، أصدرت الجريدة مُلحقاً ساخراً أسمته “الفكاهة”، كانت تُقدّمه لقرائها مرة واحدة شهرياً، اهتمت فيه بالحديث الطريف والتركيز على النوادر.

أغلب قرّاء الجريدة كانوا من السوريين الذين تمركزوا في بعض أحياء مقاطعة مانهاتن في ولاية نيويورك، والتي أُطلق عليها “سوريا الصغرى”.

بعد عدة أشهر من صدور “كوكب أميركا”، زار مراسل صحيفة “نيويورك ديلي تريبيون” الحي السوري في نيويورك وتفقّد بيوت العرب فيه، كما مرَّ بمقر الجريدة في شارع بيرل. وصف المراسل مكاتب الجريدة بأنها “مبهجة” وأن صاحبيها يقتنيان عدداً من الأقفاص التي آوت طيور الكناري والببغاء.

من جانبها احتفت الجريدة كثيراً بهذه الزيارة معتبرة أنها تعطي السوريين حقهم في “التمثيل العادل”.

بعد وفاة نجيب عربيلي عام 1907م، استقلّ أخوه إبراهيم بإدارة الجريدة حتى اشتراها منه سعيد بن يوسف شقير واستمرت الجريدة في العمل حتى توقفت في عامها السابع عشر.

اترك تعليقا

NEW