بحث في المرأة .. الأدب الابداع والتكوين … نافذة على روايات “رجاء عالم”
- Alsekeh Editor
- 15 أبريل، 2023
- محطة المرأة
- 0 Comments
السكة – محطة المرأة – دراسة لـ فاطمة العتيبي
يجد النقد النسوي اهتماماً شائعاً, لكونه يدرس أدب المرأة التي زاحمت الرجل على عرش الكتابة ,وقد انفرد به طويلاً.
وتعول النسويات كثيراً على دراسة المرأة لأدب المرأة, وذلك لوجود مشتركات كثيرة تساعد في الانفتاح على النص, والوصول إلى مفاتيحه, خاصة أن أدب المـرأة كـان
مهمشاً في نظريات السرد, وترى الناقدات النسويات في اتحاد السرديات الشـكلانية بالنقد النسوي إضافة جديدة.
ولهذا أثارت هذه الفكرة اهتمامي وسعيت إلى تطبيقها للنظر في صدق ما تشير إليـه,(سـيكوكس وهيلين)و (لانسر سوزان)
والبحث عن ما تبشر به النسويات في أن ذلك سيسهم في اكتشاف حقيقة أن للمـرأة كتابة خاصة وتقاليد أنثوية خاصة بها أم أن ذلك مجرد دعاوي نسوية لا تستند إلـى حقائق ثابتة ؟
ووقع اختياري لتطبيق هذه المزج بين السرديات والنقد النسوي على كاتبة سـعودية,من منطلق رغبتي في دعم وجود المرأة السعودية الأدبي, كما أنني اختـرت “رجـاء عالم” تحديداً, لما تتميز به تجربتها السردية, من تنوع وثراء, إذ تعد من أعلام السـرد في المملكة العربية السعودية, ولها تجربتها المميزة في التجريب السردي والانفتـاح
على النص الروائي الحديث.
وقد اخترت من أعمالها الروائية ( موقد الطير – خاتم – حبـى – سـتر – مسـرى يارقيب – سيدي وحدانه ) طامحة لأن يثمر هذا البحث في الإجابة عن الأسئلة السابقة
الذكر.
الدراسات السايقة:
في دراسة سابقة ,طبقت سوزان لانسر هذه الفكرة, التي نادت بها في مقالتها (نحـو سرديات نسوية Narratoltgy Feminist A Toward ( ١٩٨٨م والتي هي مقدمـة لكتابها روايات السلطة, الذي أصدرته عام ١٩٩٢م ودمجت بين منـاهج السـرديات ومنهج النقد النسوي, وخرجت في دراستها لنص نسائي, أن هذا الاتحاد سيسفر عـن
إضافة فكرتي الصوت النسوي والسياق إلى مناهج السرديات, التي كانت لا تعنى بما تكتبه النساء وتعتمد على نصوص كتبها الرجال.
كما درس معجب العدواني ” التناص ” في رواية طريق الحرير لرجاء عالم, وخرج إلى نتيجة مفادها أن الساردة تعتمد كتابة النص المفتوح, هادمة البني التقليدية للسرد.
كما أن الدراسة, وصفت لغة “رجاء عالم” بـالترميز والشـعرية المكثفـة بالخيـالات المخيمة, إلى الحد الذي جعل بعض القراء يصفون الرواية بأنها مزيج من الغمـوض والطلسمة ,التي لا تفك شفراتها.
ونتائج دراسة “” العدواني “” توحي بما قالته سوزان لانسر, في أن السرديات بوصفها منهجا علميا منغلقا على ذاته, ليست المنهج المناسب لدراسة نصوص النساء ,إذ غابت الإحالة على جنوسة السرد. ولعلنا في دراستنا التحليلية التالية التي ندمج فيهـا بـين
مناهج السرديات ومنهج النقد النسوي ,نستطيع أن ننظر في سبب هدم رجاء عالم لبنى السرد الذكورية المتعارف عليها، وهل في هذا خطاب خاص تسعى من خلاله لهـدم القيم الذكورية كما أننا سنسعى إلى الكشف عن لغتها, و هل تعيـدنا إلـى إحـالات
جنسوية وسمات نسوية؟ تهرب بها المرأة من مواجهة المجتمع الأبوي.
وقد قسمت هذه الدراسة إلى تمهيد وثلاثة فصول:
خصصت التمهيد لعرض الأسباب, التي دعت النقد النسوي إلى تهميش السـرديات, بوصفها منهجاً غير صالح للتطبيق على كتابة المرأة.
كما أعرض في التمهيد ,جهد النسويات الجديد في البحـث عـن النسـوي ,داخـل السرديات ,والنظر في إمكان وجود سرديات نسوية, ويتم في ثنايا التمهيد التعـرض
لمفاهيم ذات علاقة مثل:
– الجنوسة (Gendder )
– الخطاب (Discourse )
– علم السرد (Narratology )
(وفي الفصل الأول تناولت خطاب المرأة,وهل هو خطاب ضـعف أم خطـاب قـوة؟
وسعيت إلى الإجابة عن أسئلة تتعلق بخطاب “رجاء عالم” بوصفها امرأة . كما تناولت فكرة تأنيث اللغة, وبحثت في لغة رجاء عالم السردية من حيث إحالتهـا إلـى فكـرة الجنوسة ,وهل تمتلك سمات خاصة ننطلق منها إلى سمات خاصة لكتابـة المـرأة ؟
مستحضرة بعض النماذج من نصوص الذكور.
وفي الفصل الثاني درست مستويات السرد وفق رؤيـة( جيـرار جينيـت Gerard Genette ) عن المتن الحكائي والبناء الحكائي، مستحضرة أفكـار النقـد النسـوي المتعلقة بمستويات السرد من حيث إنها مصممة علـى مسـتويين (مسـتوى عـام) للجمهور والمجتمع الأبوي و (مستوى خاص) ١ (للنساء ,ولمن يقف معهـن, ويـتفهم عدالة قضيتهن, ونظرت فيما إذا كانت “رجاء عالم” تنتمي إلى هذه الأفكار الجنوسية في بنائها السردي, وهل لها بناء سردي يختلف عن البناء الذي اعتدناه في سرد الـذكور, وهل لها سمات مختلفة؟ وكذلك بحثت في الضمير السردي , وإلى إي الضمائر تميل
الساردة ؟ولماذا؟ وهل في ذلك تقليد أنثوي خاص؟
وفي الفصل الثالث تناولت الشخصية من وجهة نظر نسوية فـي ظـل تهمـيش السرديات للشخصية في السرد واختزالها في فكرة “” الدوافع “” كما سعيت للإجابة عن أسئلة تتعلق برؤية رجاء عالم للشخصية وما الجوانب التي تركز عليها فـي وصـف وتقديم الشخصية؟ وهل هناك تقاليد نسوية خاصة؟ بالإمكان أن ننطلق منهـا لإقـرار سمات خاصة لكتابة المرأة. مستحضرة أيضاً بعض النصوص الذكورية.
وقد جعلت في نهاية كل فصل مستخلصاً للنتائج الخاصة به ووضـعت فـي نهايـة الدراسة خاتمة تحوي النتائج العامة.
منذ أن تنامت الحركة النقدية النسوية ,وهي تمضي فـي نشـاط متـواتر, لـنقض
وتقويض النظرية الذكورية, التي ترى بامتياز الرجل الثقافي ,وامتلاكه لفحولة اللغة
وتقترح ماري إلمانElman. M إعادة النظر للرحم على أنه مستقل وفردي ودحر النظرة التي كان يرى بها على” أنه سيال و لامبال
ومقاومة التمييز الثقافي للمرأة و الشعور بالدونية , وقد توالت معاول النقد النسوي لهدم البناء الذكوري المهـيمن على اللغة والثقافة, ومقاومته بالفرار من النظرية كونها مذكرة دائماً فهي كـائن
تخلق في المؤسسات الأكاديمية, لذا هي ضمناً تحمل صـفات الـذكورة والفحولـة والمجال الفكري الطليعي الصعب، فالصرامة والعزم والطموح الوثاب تجد ملاذهـا في مجال النظرية “وهي فضائل رجالية بينما تجد الناقدات النسويات أنفسهن في منطقة رهيفة تعتمد على التفسيرات النقدية.
ووجدت النسويات في الجنوسة (Gender (منطلقاً هاماً في تدمير القيم الذكوريـة, التي ميز بها (فرويد) الذكر على الأنثى وتم تهميش المرأة على أساسها.
وقد بدأت فكرة ” الجنوسة ” في الظهور عبر أسئلة سيمون دي بوافور( Simone Beauvoir de (في كتابها ” الجنس الثاني ” ,حيث تقول إن المرأة تبدأ بتعريـف نفسها “” أنا امرأة “” بينما لا يلجأ الرجل لقول “” أنا رجل “” ومن هنـا يتضـح أن المرأة تشعر أنها ” الآخر”, بينما الرجل هو الواحد.
ومن ثم صـنع أيـديولوجيا تساند هيمنته وترعاها على مر العصور.
وتباينت رؤى النسويات حول مفهوم الجنوسة، لكنه يهدف في مفهومه العام
إلى التفريق بين الثقافة التي صنعت الفروق بين الرجل وبين
الأصل البيولوجي لهما وعلى ذلك فإن الأنثى (Female (هي مسألة جـنس (Sex )
بينما الأنوثة (Femininity (هي مسألة ثقافة وهذه الثقافة صنعت اختلافاً ,ومن ثـم خطاباً خاصاً يتسم بالمقاومة المدمرة للقيم الأدبية الرجالية السائدة, في محاولة لمقاومة هيمنة المجتمع الأبوي على المـرأة, وأظهـرت مارجريـت ميـد فـي دراسـتها الأنثروبولوجيه, أن الصفات التي توصف بأنها سلبية وتعزى للمرأة ,يمكن أن تختلف
اختلافاً كبيراً لو أخضعت لثقافة معاكسة, فالمرأة بإمكانها أن تحـب الحـرب, بينمـا
الرجل قد يحب السلام, وفق الثقافة التي تطوعهما, وإن صفات المرأة التي يصـنفها
الرجل على أنها صفات أنثوية طبيعيه ” كالسلبية ” مثلاً ,هي صفات ألصقتها الثقافـة
في المرأة, وليست الطبيعة أو النوع.
وفي ذلك ألفت الكاتبة إلين شوالتر (Showlter Elain (كتابها الشهير أدب خاص
بهن(١٩٧٧م) وتذهب إلى أن للمرأة مضموناً مختلفاً في أعمالها الأدبية, وإن هنـاك
ملامح مشتركة بين الكاتبات, ما يكفي لرسم تقاليد نسـوية واضـحة ومحـددة
، وتوالت بعده الكتب التي تبحث في اختلاف الكتابة النسائية, لكنها لـم تـنجح فـي
الكشف عن الاستراتيجيات الممكنة, للمقاومة النسائية للقيم الذكورية الأدبية, أو مـا
تسميه النسويات بخطاب الضعف في مواجهة القوة, إذ كان يعوزها التنظير المحكم,إلا في حالات قليلة.
وتساعد نظرية الخطاب عند جيرار جينيث في تـوفير هـذا الإحكـام العلمـي
, إذ تنـاول جيـرار جينيـت ثنائيـة القـص(narration
والخطابDiscourse (باعتبارهما مكونات السرد, إذ يؤكد على عدم وجود قـص
خالص, يخلو من تلوين”ذاتي” فهناك-عادة- علامات دالة على عقل يصدر أحكامـاً
مهما بدا القص شفافاً ومباشراً, “وظهور هذا “الصوت الذي يصدر أحكاماً عبر القص”, هـو
الخطاب ,وهو الطريقة التي يختارها السارد لعرض قصته, فالقصة أو الحكاية هـي
المادة الخام للأحداث, لكن الخطاب هو الكيفية التي يتعرف بها القـارئ علـى مـا وقع”
. ولذلك ترى لانسر أن دراسة الخطاب من وجهة نظر نسوية ستعمل علـى
إضافة “الصوت النسوي” للسرديات, حيث سيظهر (خطاب) عقل مختلف, يصـدر
أحكاماً مختلفة, لأنه صوت مختلف, له خصـائص نفسـية واجتماعيـة وتاريخيـة
وسياسية مختلفة.
واستفاد النقد النسوي من السيرة الذاتية ,والتاريخ, والتفكيكية, والتحليل النفسي لكنه
لم يقترب من النقد البنيوي, ولذا فإنه همش السرديات, وظلت نظريات السـرد ذات
تأثير محدود على الدراسات النسوية, وأهملت الدراسات النسوية أمر السرديات في
مشروعها النقدي, على الرغم من حاجتها الماسة إلى نظرية محكمة تضبط أفكارها,
ويذهب تيري أيجلتون إلى ان الحركة النسائية قد نجحت في تطوير الوحدة الأكثر
أمانا وتحدياً. بين الفعل السياسي والعقل الثقافي.
لماذا جرى تهميش السرديات في النقد النسوي ؟
وفي محاولة جادة من بعض الناقدات النسويات, سوزان لانسـر وأدريـان ريـتش
وهيلين سيكوكس للتقريب بين النقد النسوي وبين السرديات, فإنهن بشرن بإمكانيـة
الانسجام والالتقاء بين النسوية والسرديات, وإن اتحادهما يشكل قوة, تـتمكن مـن
اكتشاف أكثر المعضلات تعقيداً في النقد النسوي وتجيب على الاسئلة التي ما زالت
معلقة من مثل:
– هل هناك حقاً كتابة للمرأة؟
– هل هناك تقاليد أنثوية للكتابة؟
والسرديات (Narratology (أو علم السرد, هو أحد تفريعات الشكلانية البنيوية ,وهو
علم مناقض للنزعة التفسيرية في قراءة النصوص, وتعنى السرديات بإقرار نظام لـه
شروطه العلمية, ويدرس النص من خلال علاقاته المتكونة من داخله ,ولا يعنى بمـا
هو خارج هذا النص، كما أنه علم يسعى إلى التفريق بين ما هو أدبي وما هـو دون
ذلك. ويعتقد بوجود نصوص لا ترتقي للأدبية, ولذا لا تستحق أن يلتفت لها.
وترى سوزان لانسر في مقدمة كتابها أن أسباب الابتعاد عن السرديات, إنما كـان
نتيجة للاختلاف الجوهري, بين النسوية التي هي نقد سياسي واضح ,وبين السرديات وهي “” الشعرية الشكلية “
“فمفردات السرديات غالباً ما تكـون جديـدة ,وتعـزل
النقاد المنتمين لمذاهب أدبية مختلفة ,كما أنها تبدو في حالة تضاد تام مـع هـؤلاء النقاد ذوي الاهتمامات السياسية.
فالخطاب في السرديات ,معزول عن قائله ,بينما النسويات يعتقـدن بـالمرجع فـي
الخطاب, والتفسير الواقعي، ففي نظرهن أن خطاب المرأة في كتابتها, ليس خطابا مفردا, بل هو خطاب جماعي
يلخص هموم النساء المقموعات وقضاياهن, وهو وسيلة للمقاومة والتغيير. بينما تقوم السرديات على “” موت المؤلـف “” وانغـلاق
النص عن مرجعه ,وهذا مناقض للنقد النسوي، وتدين الناقدة ماري شيلي ( Mary
Selley( العقلانية الذكورية, التي ترى كل أمر منفصلاً ومنعزلاً عن سواه، علـى
عكس العقلانية الأنثوية التي” حسب ليندا شيبرد تتصف بـ الترابطية التي ترى كل
أمر ضمن سياقه العام والكامل ونتائجه اللاحقة”
كما أن النسويات لايثقن بالتصنيفات والتعارضات ,وبخاصة الثنائيات التي تحول العالم
إلى نماذج متضادة ,ولهذا ينجذبن إلى التفكيكية الدريدية, التي ترفض المركز ,وتختلف
النسوية عن السرديات في ثلاثة محاور:
– دور الجنوسة في تكوين النظرية السردية .
– حالة السرد بوصفه محاكاة.
– أهمية السياق في تحديد المعنى.
إذ قامت السرديات على روايات كتبها الرجل, ولم تلتفـت لأي كتابـة نسـوية فـي
تطبيقاتها ,وقد همشت فكرة الجنوسة تماماً, واستبعدتها, مما جعلها نظرية إقصـائية, قائمة على تهميش الأنثى.
فمن الواضح أنه لم يؤخذ بمفهوم “” الجنوسة “” في حقـل السـرديات , سـواء فـي
التخطيط للمبدأ الأدبي, أو في صياغة الأسئلة والفرضيات فقد كانت كل النصـوص,
التي قامت عليها السرديات ,رجالية ,وهذا يدل على أن السرديات تعد نص الرجل هو
النص الكلي، وهذا يناقض فكرة النسويات القائمة على الاختلاف, أو الخصوصية في
كتابة النساء.
كما أن رفض السرديات الاعتماد على نصوص نقدية نسائية, يجيء في سياق الثقافة
الذكورية ,التي تقصي المرأة من الأدب والحياة العامة, فهذه سـلمى الحفـار تـروي
حكاية الطبيبة اليزابيث بلاكويل(١٨٢١-١٩١٠م) التي أصـبحت أول طبيبـة فـي
الولايات المتحدة ,وقد قُبلت في الدراسة في الجامعة, بعد عناء شديد ,حيـث رفـض
أستاذ الجراحة إدخالها إلى غرفة العمليات, بحجة الخوف عليهـا مـن النظـر إلـى
الأحشاء المفتوحة ,وحتى بعد التخرج, منعت من وضع اسمها على باب عيادتها, ولم
يدرج اسمها في سجل الأطباء الممارسيين للمهنة كونها امرأة.
وترى سوزان لانسر أن هذا التهميش يقود إلى إعادة كتابة السرديات, التي لابـد أن
تهتم بإسهامات النساء بوصفهن منتجات ومفسرات للنص, وتذهب لانسر إلى ضرورة اهتمام السرديات بمعضلة الجنوسة ,ووجهة النظر النسوية فـي تطبيقاتهـا
كما يمكن تطبيق مفاهيم مجردة, ونحوية, مثل الحديث عـن نظريـات على السرد.
الزمن. وترى لانسر أيضاً أن الفرق بين السرديات والنسوية ,يكمن في أن السرديات تقمـع
الأنماط الواقعية في الرواية, وتؤكد على السيميائي, بينما يفعل النقد النسائي العكس,
وتميل الناقدات النسائيات إلى الاهتمام بالشخصيات ومرجعيتها وصوتها الخاص, أكثر
من أي أشكال أخرى في الحكي، وتميل إلى الحديث عن الشخصيات, كما لـو أنهـا
أشخاص حقيقية ,وعلى العكس فإن معظم السرديين يعالجون الشخصيات علـى أنهـا
أنماط متواترة ,أو دوافع حسب أ.ج.جريماس يعاد وضعها في سياق دوافع أخـرى باستمرار، وهذا يعني أن الشخصية تفقد امتيازها ووضعها المركزي وتحديدها, هذا المفهوم يمكن أن يهدد واحداً من المقدمات المنطقية العميقة للنقد النسوي, القائمة على
أن النصوص السردية وبخاصة النصوص ذات التقاليد الروائية هـي نصـوص ذات مرجعية لا يمكن تجنبها ,وذات تأثير في عرضها لعلاقات الجنوسة.
تعزل السرديات النصوص عن سياق إنتاجها واستقبالها ,وبذلك تعزلها عما يعتقـده النقد السياسي من أنه أرضية الأدب في الوجود “” العالم الحقيقي
وهذا يعود لرغبة
السرديات في الوصف العلمي المحكم للخطاب، ولا تـرى النسـويات إن الشـفرات
المحددة في النص المنغلق على شكله الأصـلي قـادرة علـى تفسـير الاختلافـات
الاجتماعية والتاريخية ولهذا ظهرت دعوة (باختين Bakhtin. M)
إلى الشـعرية الاجتماعيـة, وتبنتهـا النسويات, وخاصة فكرة الكرنفال(Carnival) حيث ينقلب فيها التراتـب الهرمـي رأساً على عقب, وهو ما تسعى إليه النسويات في مسألة الذكورة والأنوثة. وتطلـب لانسر مراجعة معايير السرديات, وأن تتطلع بانفتاح على سؤال الجنوسـة ,وتشـكل نظرياتها على أساس من نصوص المـرأة ,كمـا لابـد أن تعكـس فـي مفاهيمهـا
ومصطلحاتها تجربة المحاكاة ,مثلما تعكس التجربـة السـيمائية فـي قـراءة الأدب,
وتدرس السرد بسياقه المرجعي ,الذي هو في الوقت نفسه لغوي ,وأدبـي وتـاريخي,
وبيوجرافي ,واجتماعي, وسياسي.
وترى لانسر أنه من الأجدى أن تعمل السرديات على ما هو أكثر قيمة وتأثيراً, مـن
أجل فهم المعضلات النسوية ,كي تسهم في إغناء السرديات ,وجعلها أكثـر اكتمـالاً,
وترى أن السرديات التي لا تلائم نصوص المرأة ,هي أيضاً لا تلائم نصوص الرجل.
وتذكر بما قاله تيري إيجلتون Eagleton Terry في وصفه للسرديات ” إنها تريد أن
تقتل الشخص من أجل أن تدرس الدورة الدموية عنده”
وتتفاءل سوزان لانسر بنجاح تجربة المزج بين السرديات وأفكار النسوية في تشكيل
نظرية سردية نسوية ,تكشف عن معضلات مهمة ,ظلت مجرد تخمينات في كتابـة
النساء, وتجيب على أسئلة مهمة ,حول اختلاف كتابـة المـرأة ,وخصـائص هـذه
الكتابة.
الفصل الأول
خطاب الضعف أمام القوة
يتبع ..