سحر رمضان .. وأفطار الأرحام ديلفري
- Alsekeh Editor
- 17 أبريل، 2023
- محطة المقالات
- 0 Comments
.السكة – محطة المقالات – محمد خضير
“أشعر بنفسي وأنا أحمل ابنتي “زينة” لمشاهدة المُسحّر وهو يغذّ الخُطى من أمام بيتنا؛ بأنني عالق في أول رمضان أدركتُ معناه وأنا بصحبة أبي “رحمه الله”… المشهد ذاته يعيدُ سيرة طفولتي؛ حين اقتادني أبي إلى رؤية العابر وهو يضربُ بعصاه طبلًا كبيرًا معلقًا إلى عنقه، بينما أطفال المخيم يركضون خلفه في مشهد يشبه العرض العسكري.
ذكريات طفولتي في مخيم الطالبية لم تحمل معها نكهة الصيام، لأنني غادرته مبكرًا قبل أن أحظى بطعم انتظار مدفع الإفطار وهو يفضّ سكوت الفم عن موائد لم تكن جميعها من صنع أمّي.
في العاصمة عمّان، أخذ شهر رمضان شكلًا آخر، وسيرة أخرى… كانت البيوت بلا جدران تعمي أنوفنا عن رائحة طعام الجيران، وكانت موائدنا متنوعة وعلى قدر سَخاء الجيران الذين شكلوا فكرة العائلة الموازية، كما أن مدفع رمضان حاضر بصوته في سماء مدينة كانت بكرًا؛ لم تعش فواضاها بعد! وكانت الشوارع مسرحًا للعبة “الشرايط” قبل أن تغصّ بالسيارات التي يقتتل أصحابها –الآن- على موقف يتسع لركنها قريبا من البيت.
نضطر ونحن نسرد ذاكرتنا إلى تكرار كلمة “كان” في إشارة إلى أن ما كان لم يعُد، فما عاد الناس يطربون لصوت الطبل، وأدعية المُسحّر، وصوت بائع السوس الذي كان يقرع صحونه النحاسية كسيمفونية نشاز؛ لا ينسيك نشازها سوى طعم السوس البارد، وشكل رغوته وهي تتكاثر بأناقة داخل كيس النايلون الشفاف.
اليوم، أفتقد صينية “القطائف” التي كانت تعدّها أمّي قبل أن يختطفها الغياب. لم يختلف الصيام ولا الشهر ولا طقوس العبادة، إنما اختلفت الوجوه التي تحيط بالموائد المتكلفة، والخالية من نكهة الجيران، ما زال القطائف بحشوته يعتلي موائد الإفطار، وما زال العرق سوس والتمر هندي يرطبان على قلوب الصائمين، وما زال الإفطار على موعده عند أذان المغرب… لكننا اختلفنا؛ فما عاد الجار يعرف عن مائدة جاره، وغادرت القطائف جوزها وقرفتها وأسكنت قلبَها شوكولا “نوتيللا”، وصار طعام الأرحام عبئًا على قائمة “ديلفري” وبالأقساط… رمضان كريم”.