رحيل ثائر سويسري عاش من أجل فلسطين .. وداعا “جهاد منصور”

السكة – المحطة الفلسطينية – وكالات

بعد صراع طويل مع المرض.. توفي الثائر لأجل فلسطين الرسام السويسري جهاد منصور”مارك رودين”  في سويسرا.

الثائر جهاد منصور يودّع فلسطين من سويسرا

شاب عشريني، ذو ملامح أوروبية، يرتدي ثياباً لونها من لون زيت فلسطين، للوهلة الأولى عند النظر إلى صورته المنتشرة في المواقع الإخبارية والإلكترونية تعتقد بأن الشاب مارك رودين، أحد المقاتلين في الثورة الفيتنامية أو الكوبية. ولكن في الحقيقة، مارك رودين أو جهاد منصور الشاب الهادئ والخجول بحسب وصف رفاقه، هو رسام سويسري ومناضل انضم إلى الثوار الفلسطينيين، وتحديداً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيروت عام 1975.

أعلن عن وفاة الرسام جهاد منصور، قبل عدة أيام بعد صراع طويل مع المرض خلال وجوده في مسقط رأسه سويسرا عن عمر يناهز 78 عاماً، وبعد أن كرس حياته لأجل القضية الفلسطينية ورسم 200 لوحة تعكس صورة فلسطين.

رسام جداريات اليسار إلى ثائر فلسطيني

كان جهاد منصور”مارك رودين” الذي ولد عام 1945 في سويسرا، شاباً مثقفاً ومتابعاً للحركة التقدمية اليسارية في أوروبا وأميركا اللاتينية، عبّر عن معارضة للإمبريالية وتأييده القضايا الإنسانية والاجتماعية العادلة في جداريات خطّها مع مجموعة مؤلفة من الرفاق والرفيقات الذين ينتمون إلى مجموعة راديكالية “أقصى اليسار” انتقلت إلى إيطاليا بعد ملاحقتهم في سويسرا. وفي عام 1975، تعرف منصور إلى طلبة فلسطينيين اقترحوا عليه العمل إلى جانب الثوار الفلسطينيين في بيروت.

  • من رسومات الفنان “جهاد منصور”

سافر منصور من الدنمارك إلى بيروت عام 1975 على متن سفينة، من أجل الالتحاق بالثورة الفلسطينية، وتزامن ذلك مع إغلاق المطار الدولي في لبنان  في خضم الحرب الأهلية، وكانت الطريق التي سار عبرها منصور وصولاً إلى لبنان محفوفة بالخطر نتيجة استهداف آلة الحرب الصهيونية بحر بيروت.

جزء من نضال الفنان تجاه فلسطين كان عبر رسوماته

عمل الرسام جهاد منصور في مجلة “الهدف” التي كان يرأسها الشهيد غسان كنفاني، قبل أن ينتقل إلى سوريا عام 1982 مع المقاومة الفلسطينية ليؤسس مجلة “الهدف” باللغة الإنكليزية، وخلال التسعينيات تعرض للاعتقال في تركيا التي قامت بتسليمه إلى الدنمارك وقضى ما يقارب 8 سنوات بسبب نشاطه مع المقاومة الفلسطينية، ثم عاد إلى سويسرا.

فلسطين مركز النضال الأُممي

جسّد المناضل الأممي جهاد منصور فلسطين التي لا حدود جغرافية أو فكرية تحصرها، وتناهض التقسيم الاستعماري والمركزية الأوروبية البيضاء، ونفى تقسيم سايكس بيكو وسان ريمو، لتلتقي فلسطين مع اللاتيني والأوروبي اللذين يواجهان عنف الدولة والطبقية، وتتحدّ مع شعوب العالم في النضال ضد الاستعمار وليد الإمبريالية العالمية.

رسم كاريكاتوري للفنان الراحل لأجل فلسطين

تروي صورة الرسام الراحل جهاد منصور نضال أجيال آمنت بالكفاح المسلح وتشكيلاته التي رسمت بالريشة والورقة، لتصبح تلك الرسومات إعلان تأييد للمرحلة التي عاشها الثوار الفلسطينون في بيروت وسوريا، وبالرغم من أن منصور لم يكن عربياً  أو فلسطينياً لكنه استطاع عبر رسوماته أن يدمج بين الفكر والسياسة والفن لمواجهة الآلة الصهيونية.

ولم تقتصر رسومات منصور  على المضمون السياسي فحسب، وإنما عبّرت عن الجانب الاجتماعي أيضاً، إذ رسم وأحيا يوم العمال العالمي ويوم المرأة، وكذلك خلدت رسوماته شهداء تل الزعتر، لتصبح تلك الرسومات بياناً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً يزين جدران مخيمات بيروت ومكاتب الفصائل الفلسطينية ومنازل اللاجئين الفلسطينيين.

المدّ الثوري.. وراء العدو في كل مكان

إن المرحلة التي ينتمي إليها منصور لم تكن عبثية أو من دون جدوى ورؤية سياسية، إذ إن الشهيد وديع حداد، مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اتخذ بعد عام 1978 استراتيجية جديدة في النضال تحت شعار “وراء العدو في كل مكان” والذي بدوره أسس لتحالف فلسطيني ثوري وأممي تكون فيه حركات التحرر العالمية شريكة في النضال الفلسطيني.

وقد طبق الشهيد وديع حداد شعار “وراء العدو في كل مكان” على أرض الواقع، لينضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الجيش الأحمر الياباني الذي أُسس عام 1971، وفي الرابع من تموز/يوليو عام 1976 شارك أفراد من الجيش الأحمر مع رفاقهم في الجبهة الشعبية في عملية عنتيبي البطولية. وخلال عام 1975، شارك الثائر الفنزويلي إيليش راميريز سانشيز والملقب بكارلوس في عملية احتجاز وزراء منظمة أوبك خلال وجودهم في فيينا ثم خطفوا على متن طائرة خاصة، وكان شرط كارلوس الإفراج عنهم مقابل أن تدفع كل دولة الفدية للفلسطينيين، كما كان كارلوس أحد الفاعلين في العمليات الخارجية للجبهة الشعبية.

استطاعت الثورة الفلسطينية استقطاب ثوار العالم، وعدد من المجموعات اليسارية والراديكالية “أقصى اليسار” والتي كانت تنتهج الكفاح المسلح ضد المصالح الإسرائيلية حول العالم.

وعقب وفاته قبل 3 أيام، نعت الجبهة الشعبية عبر مجلة “الهدف” الرسام والمناضل جهاد منصور، وجاء في البيان” أنّ شعبنا الفلسطيني والجبهة الشعبية وأحرار العالم وحركة التضامن الأمميّة فقدت فناناً ومناضلاً أمميّاً انتمى إلى صفوف الثورة الفلسطينيّة والجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين منذ منتصف السبعينيات، مقدّماً فنّه وموهبته في الرسم والتصميم في خدمة القضيّة الفلسطينيّة، ومكتبة الثورة وأرشيف الجبهة، وخصوصاً مجلّة “الهدف” التي تزخر بمئات الرسومات والتصاميم التي وثّقت نضال الشعب الفلسطيني ضدّ العدوّ الصهيونيّ وتفاصيل نكبته وتشريده، إلى جانب عشرات البوسترات الشهيرة التي صمّمها للجبهة الشعبيّة في مناسباتها ومحطّاتها النضاليّة أبرزها بوسترات الانطلاقة، ومجزرة تل الزعتر، ويوم الأرض، والعمال، والانتفاضة، ويوم المرأة العالمي والأسرى، ويوم الطفل”.

اترك تعليقا