سر التصعيد الإسرائيلي ضد الاردن .. الخريطة المستفزة ، توقيف العدوان والاقصى
- Alsekeh Editor
- 25 أبريل، 2023
- المحطة العربية
- 0 Comments
السكة. – المحطة العربية – وكالات
سلسلة من التوترات المتتالية تشهدها مؤخراً العلاقات بين الأردن وإسرائيل آخرها حادثة توقيف عضو مجلس النواب الأردني عماد العدوان من قِبل السلطات الإسرائيلية بزعم “تهريب أسلحة وذهب”، وقبل ذلك استخدام وزير المالية الإسرائيلي لخريطة لإسرائيل تضم الأردن، إضافة للتوتر بسبب المسجد الأقصى.
وأثار توقيف النائب الأردني عماد العدوان جملة من التساؤلات حول أن تكون لهذه الخطوة علاقة بتصفية حساب مع النائب على خلفية دعمه للمقاومة الفلسطينية أو معاقبة المملكة على مواقفها تجاه اقتحامات المسجد الأقصى.
فالأحد الماضي، زعمت وسائل إعلام عبرية أنه جرى توقيف “العدوان” أثناء محاولته تهريب أسلحة وكميات من الذهب عبر جسر الملك حسين (اللنبي بالتسمية الإسرائيلية) الحدودي بين الجانبين، بينما لم تعلن الأردن عن ملابسات وجود النائب بالمنطقة بعد.
هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، قالت إنّ وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي رفض تلقي مكالمة هاتفية من نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين عقب عملية التوقيف.
ويرى مراقبون أن الأحداث الأمنية والسياسية بين الأردن وإسرائيل في الآونة الأخيرة تشير إلى توتر متصاعد بينهما، إذ يحاول كل طرف الضغط على الآخر بالخيارات المتاحة.
وتوترت العلاقات بصورة ملحوظة منذ أواخر 2022 مع تولي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، الأكثر تطرفاً بتاريخ إسرائيل وفق إعلام عبري، علماً أن الطرفين يرتبطان باتفاقية سلام موقعة بينهما عام 1994.
وفي فبراير/شباط 2023، حاول الأردن تجاوز مخاوفه من حكومة نتنياهو المتطرفة والاستفادة من ثقة إدارة بايدن في المملكة والتوجه نحو ترتيب المرحلة القادمة مع الجانب الإسرائيلي، وإنعاش العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، واستعادة دوره كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر اجتماع العقبة الذي عُقد في 26 فبراير/شباط 2023 في ضيافة الأردن وبحضور ممثلين عن إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر وأمريكا، حيث صدر بيان مشترك تعهد من خلاله مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون بالعمل على وقف “العنف المتصاعد”، استباقاً لشهر رمضان الذي كان يتوقع أن يشهد تصاعداً في الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى والمصلين والمعتكفين بداخله.
أصدر المجتمعون في العقبة بيانًا مشتركًا قالت فيه إسرائيل إنها ستوقف المناقشات بشأن بناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة لمدة أربعة أشهر.
كما جدد ممثلو إسرائيل والسلطة الفلسطينية “التأكيد على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف”، وأكد الجانبان “التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة بينهما”.
وجاء في البيان أيضاً: “تعتبر الأردن ومصر والولايات المتحدة هذه التفاهمات تقدماً إيجابياً نحو إعادة تفعيل العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتعميقها”
وكانت المفاجأة، علق وزير ألأمن القومي بن غافير ، على اجتماع العقبة الأمني، قائلاً إنّ “ما حصل في الأردن سيبقى في الأردن”، ولم يكن هذا الرد مهيناً فقط للأردن ولا للمشاركين في الاجتماع بما فيها أمريكا القوى العظمى الراعية للسلام بل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبعد ذلك لم تكتفِ إسرائيل بالتنصل من تفاهماتها بالتهدئة مع الفلسطينيين خاصة في ملف الاستيطان والأقصى، بل تجاوز وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ذلك بالإساءة للأردن، عبر تصريحات أنكرت وجود الشعب الفلسطيني واستخدامه خريطة لإسرائيل تضم حدود الأردن والأراضي الفلسطينية.
الأمر الذي دفع الأردن إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في عمّان، في 20 مارس/آذار 2023، وتعرضت إسرائيل لانتقادات أردنية حكومية وبرلمانية حادة وصلت إلى إحضار النائب إسماعيل المشاقبة صورة لخريطة الأردن وفلسطين مرسومة بألوان علم البلدين، بلا علم إسرائيل.
ثم صوت مجلس النواب الأردني بالإجماع على توصية بطرد سفير تل أبيب من المملكة، إيتان سوركيس، احتجاجاً على سلوك وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي ألقى خطاباً في فرنسا من منصة عليها خريطة لإسرائيل تضم أراضي فلسطين والمملكة.
في ذلك الوقت، قال مصدر اردني مسؤول لوكالة رويترز إن المملكة تلقت تطمينات إسرائيلية بأن سلوك سموتريتش لا يمثل موقفها،
وإن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى أشاروا إلى رفضهم تصرف سموتريتش، وأكدوا أنهم يحترمون حدود الأردن ومعاهدة السلام الموقعة مع المملكة. ووفق المصدر، اتصل مستشار الأمن الوطني الإسرائيلي بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وعبَّر عن احترام إسرائيل لحدود الأردن واتفاقية السلام الموقَّعة معه.
الأقصى محور لخلاف جديد بين الأردن وإسرائيل، وتل أبيب تحاول توريط عمَّان بأزمة مع المعتكفين
وبعد تبدد هذه الأزمة، انخرط الأردن في حراك دبلوماسي واسع خلال شهر رمضان؛ وبصورة مكثفة عما هو معتاد، لإدانة ووضع حدّ لاقتحامات الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى واعتدائها على المعتكفين فيه.
وفيما تكافح الدبلوماسية الأردنية من أجل تثبيت “الوضع القائم” في القدس باعتباره الضامن لعدم العبث بالوصاية الهاشمية، يرى مراقبون أن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية تحاول الزج بالأردن في معركة مع المقدسيين وتصدير أزمتها في القدس.
فللمرة الأولى على الإطلاق طلبت إسرائيل علناً من الأردن في رمضان الفائت إخراج معتكفين من المسجد الأقصى، بدعوى أن وجودهم هو ما يتسبب في التوتر والمواجهات داخل الحرم القدسي.
وأكد مصدر اردني مسؤول أن الأردن تصدى لحملة دبلوماسية إسرائيلية حاولت تزوير الحقائق حول ما يجري بالمسجد الأقصى وتحميل إدارة الأوقاف مسؤولية التصعيد الناتج عن الاعتداءات الإسرائيلية.
ورفضت الخارجية الأردنية تسلّم رسائل حاولت إسرائيل إرسالها عبر أطراف وسيطة حول ما يجري في المسجد الأقصى.
وأبلغت الخارجية الأردنية، وفقاً لمصدر دبلوماسي أردني، هذه الأطراف أنها ترفض ادعاءات إسرائيل ومحاولاتها تزييف الحقائق عبر اتهام دائرة الأوقاف بالمسؤولية عن التوتر في الحرم القدسي.
وترى الخارجية الأردنية أن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة شؤون الحرم، والقادرة على ضمان أمنه إذا ما أوقفت إسرائيل اعتداءاتها على الأقصى ورفعت القيود التي تفرضها عليها وعلى طاقمها، واحترمت الوضع التاريخي والقانوني القائم في المقدسات وحق المصلين في العبادة.
بينما ردت وزارة الخارجية الإسرائيلية في تغريدة على “تويتر” بدعوة الأردن من خلال حراس الأوقاف إلى إخراج “المتطرفين الذين يخططون للقيام بأعمال شغب في الحرم القدسي والبركة الكهنوتية عند الحائط الغربي من المسجد الأقصى”، بحسب زعمها.
تجدر الإشارة إلى أن دائرة أوقاف القدس، التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية في الأردن، هي المشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس (الشرقية)، بموجب القانون الدولي، الذي يعتبر الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل.
وتزعم إسرائيل أن دائرة الأوقاف التابعة للأردن هي المسؤولة عن التوتر في الحرم القدسي؛ بسبب دعوتها المصلين إلى الاعتكاف في المسجد الأقصى.
منذ سنوات تعبر الدبلوماسية الأردنية عن خشيتها من “تقويض الوضع القائم في القدس”، وهو مصطلح سياسي تكرر كثيراً في الآونة الأخيرة، في إشارة إلى ما كانت عليه الأمور خلال العهد العثماني، في وقت تسعى فيه السلطات الإسرائيلية إلى تغيير الواقع الحالي، بفرض سيطرتها على المسجد الأقصى عبر التدخل في شؤون إدارته، بحسب مسؤولين سياسيين.
وفي عام 2013، وقَّع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية الوصاية، ووفقاً لمراقبين، فإن السلطات الإسرائيلية لم تعبث بالوضع القائم في شأن إدارة الحرم القدسي الشريف حتى عام 2000.
ورغم توقيعها على معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية عام 1994 وما نصت عليه من الدور الحالي الخاص للأردن في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، بدأت الخروقات الإسرائيلية تباعاً فيما ينظر لها الأردن بأنها خرق للاتفاقات الثنائية مع إسرائيل وتهديد بإشعال المنطقة وتعريض لأمن المملكة للخطر.
هذه التحركات الأردنية بحق الأقصى بالتنسيق مع الأطراف الرئيسية بالمنطقة، فضلاً عن الضغوط الأمريكية، أدت إلى اتساع رقعة الإدانات لحكومة نتنياهو، وأجبرتها على اتخاذ قرار منع الاقتحامات في الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان.
كيف سيتعامل الأردن مع أزمة توقيف النائب عماد العدوان؟
وفور تداول خبر توقيف العدوان، أكدت وزارة الخارجية الأردنية، في بيان، أنها تتابع الحادثة “المزعومة”، وهذا يعني ضمناً أن عمَّان لا تثق برواية تل أبيب، وبالتالي فهي لا تستبعد بذلك أن يكون الموضوع “كيدياً”.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي، صباح الإثنين، “تمسك” تل أبيب بتقديم النائب الأردني “إلى العدالة”، حسب التعبير الذي نقلته عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
وهذا الأمر يُصعّب من مهمة عمّان، ويدفعها إلى استخدام كافة الأوراق المتاحة، والتي قد تكون إحداها “الوساطة” مع طرف ثالث.
وتعيد حادثة “العدوان” إلى الأذهان ما تعرض له المواطنان الأردنيان؛ هبة اللبدي ومحمد مرعي، عام 2019، عندما أوقفتهما إسرائيل إدارياً، قبل أن تقرر الإفراج عنهما بعد أن استدعت عمّان، حينها، سفيرها لدى تل أبيب “للتشاور”، وهو ما يعني أن ذات السيناريو خيار وارد التطبيق في قضية النائب الموقوف.
كما أنه في يناير/كانون الثاني 2020، أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية حكماً بحبس الإسرائيلي كونستاتين كوتوف أربعة أشهر، بتهمتي حيازة مادة مخدرة بقصد التعاطي والتسلل إلى المملكة بطريقة غير مشروعة، وذلك بعد توقيفه في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وتلك الحادثة كانت سابقة في تاريخ الأردن، حتى لو كان الحكم بحدوده الدنيا، وقد تكون إسرائيل تريد الرد والضغط على عمّان بنفس الأسلوب، حتى لو لم تثبت التهمة على “العدوان”.
فالظاهر أن تل أبيب منزعجة من مواقف عمّان الرسمية تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى وتعديها على أدوار المملكة، لا سيما في عهد الحكومة اليمينية الراهنة.
عماد العدوان له خلفية عشائرية كبيرة
و”العدوان” من صغار أعضاء مجلس النواب الأردني عمراً، فهو من مواليد عام 1988، ويحمل درجة الماجستير في القانون، وطالما دعا عبر خطاباته تحت قبة البرلمان إلى دعم المقاومة الفلسطينية.
ولكنه من خلفية عشائرية ذات جذور ممتدة، لذا فإنه من الواضح أن المملكة ستأخذ ذلك بعين الاعتبار، وستعمل بكل الوسائل لسرعة الإفراج عنه وإعادته إلى البلاد.
وهو ما أوضحه عضو مجلس النواب الأردني، صالح العرموطي، بالقول إنه “لا يجوز الاقتناع برواية الكيان الصهيوني؛ لأننا اعتدنا على الفبركة”، حسب تعبيره.
وتابع العرموطي، وهو نقيب محامين أسبق: “لم نسمع الرواية من المحامي الأستاذ عماد العدوان، فيما كثير من الناس تردد الرواية التي أوردها الكيان الصهيوني”.
وأشار إلى أن “عماد يحمل جواز سفر دبلوماسياً لدولة ذات سيادة، ويقول كلمته تحت قبة البرلمان ويعبر دائماً عن دعمه للمقاومة الفلسطينية، وهو اليوم يدفع ثمن مواقفه”.
وقال: “يجب أن أذكر بالقانون الدولي، فإسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية، لذا فلا يجوز تطبيق قانونهم على الزميل العدوان، وتوقيفه يعتبر قرصنة”.
ودعا العرموطي بلاده إلى التحرك لدى الدول “الوسطاء” لسرعة الإفراج عن العدوان، دون أن يحدد أطرافاً بعينها لذلك.
كما طالب في ختام حديثه بعدم ترديد رواية إسرائيل عن النائب الموقوف، معتبراً ذلك “يخدم الصهيونية”، وقال: “فلتصمت الأصوات التي تشرعن بذلك الاحتلال”.
توقيف البرلماني البارز معاقبة للمملكة
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية الأردني أحمد سعيد نوفل، أن “الممارسات الإسرائيلية على الرغم من اتفاقية السلام مع المملكة، لم تغير نظرة الشعب الأردني لعدائية تل أبيب”.
وأضاف أن “إسرائيل لديها أطماع مباشرة بالأردن، الذي يقف حاجزاً أمام إقامة دولتها المستقلة على حساب الشعب الفلسطيني، وهي تسعى بشتى الطرق للتأثير على موقف المملكة”.
أسباب تصاعد التوتر بين الأردن وإسرائيل منذ عودة نتنياهو
يبدو أن الوزراء المتطرفين الجدد في حكومة نتنياهو القادمين من هامش الساحة الحزبية الإسرائيلية التقليدية لا يراعون ثوابت السياسية الإسرائيلية بعدم خرق الحد الأدنى من الضوابط الأمريكية (خاصة لدى إدارة ديمقراطية مثل إدارة بايدن).
كما أنهم لا يراعون حساسية الوضع الأردني، الذي يمثل الفلسطينيون نحو نصف سكانه أو أكثر، كما أن القضية الفلسطينية، ولا سيما قضية الأقصى، تمثل خطاً أحمر لدى شعبه، مع حقيقة أن التنسيق الأمني مع الأردن يمثل أولوية أمنية إسرائيلية.
إضافة لذلك، فإن إدارة بايدن الحالية عكس إدارة ترامب السابقة تولي الأردن أهمية بالغة؛ حيث تراه شريكاً أكثر اعتدالاً وأقل حدة من شركائها في الخليج ومصر الذين باتوا أكثر تمرداً عليها.
ولذلك كما يتحدى هؤلاء الوزراء المتطرفون النظامَ الإسرائيلي، ويتحدون الحليف الأمريكي الثري والقوي، فإنهم لا يتوقفون عن مناكفة الأردن المحاور الموثوق بالنسبة للدوائر الأمنية في تل أبيب، دافعين الحكومة الأردنية إلى أن تعبّر علانية عن غضبها وتستخدم أدواتها الشعبية الداخلية والدبلوماسية الخارجية للرد على تل أبيب.
وطالما لم يكن هناك رد أمريكي حازم على تجاوزات الوزراء المتطرفين الإسرائيليين وحكومة نتنياهو، فإنهم سيواصلون كسر الخطوط الحمر في الداخل والخارج.
وما تعلمه إدارة بايدن والمسؤولون الإسرائيليون المخضرمون أن الأردن يمثل حاجزاً رصيناً يمنع تصاعد رد فعل شعبي ومقاوم من قِبل الفلسطينيين، وأن التمادي في استفزازه وإحراجه معناه فتح الطريق لمزيد من الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية العفوية، بما في ذلك أعمال المقاومة العفوية في الضفة أو المقاومة المنظمة من قِبل الفصائل الفلسطينية في غزة.