فرغلي – كولومبوس.. ” النبي ” وبريسلي تأثير العرب في الثقافة الأمريكية

السكة – محطة الجاليات العربية – وكالات

تحتفل الولايات المتحدة الأميركية في أبريل الحالي “بشهر التراث العربي الأميركي”، حيث تنطلق فعاليات أميركية لتكريم مساهمات العرب في البلاد.

وجاء في بيان سابق لوزارة الخارجية الأميركية: “نحتفل بشهر التراث العربي الأميركي ونكرم مساهمات هذا المجتمع المتنوع. يصل المهاجرون من العالم العربي إلى الولايات المتحدة منذ قبل استقلال بلادنا، وقد ساهموا في التقدم الذي أحرزناه في مجالات العلوم والأعمال والتكنولوجيا والسياسة الخارجية والأمن القومي”.

وبدأت الولايات المتحدة بهذه الاحتفالية عام 2017، واعترف بها فدرالياً عام 2021.

وفي نهاية مارس الماضي، أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن، بإنجازات العرب الأميركيين ودورهم الهام في المجتمع، داعياً “جميع الأميركيين إلى التعرف على المزيد من تاريخ وثقافة وإنجازات العرب الأميركيين”.

في شهرهم.. بايدن يستذكر إنجازات الأميركيين العرب
تحتفل الولايات المتحدة في أبريل بشهر التراث العربي الأميركي، إذ يتم فيه تسلط الضوء على مساهمات المجتمع العربي في الولايات المتحدة.

وأكد في بيان، أنها “فرصة للتأكيد على احترام قيمنا الأساسية وتعزيز المساواة والفرص للجميع”.

كولومبوس والفرغاني

في عام 2008، أي قبل سنوات من الاحتفال بهذا الشهر، صدرت النسخة الأميركية من كتاب الباحث جوناثان كورييل “هذه الأميركا: أبحاث في الجذور العربية والاسلامية للمجتمع الأميركي” (صدرت ترجمته إلى العربية في 2009).

ويتناول الكتاب الآثار العربية في الثقافة الأميركية في مختلف المجالات، من الشعر إلى اللغة والهندسة والتاريخ والموسيقى و… القهوة!

وينطلق كورييل في رحلته على متن سفينة الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس، الذي كان أول من وصل القارة الأميركية من أوروبا، أميركا و”كان يستعمل اللغة الإسبانية المعرّبة”، لدى استخدامه الكثير من المصطلحات، التي “أدخلت إلى اللغة حين حكم المسلمون مناطق من إسبانيا لمدة سبعمئة سنة”، على الرغم من أن كولومبوس، كما يشير الكاتب، “كان مناهضاً بقوة للعرب والمسلمين ولثقافتهم”.

إلا أن “تأثير هذه الثقافة كان عميقاً جداً على إسبانيا، إلى حدّ أنها غيرت لغة إسبانيا وهندستها وطعامها وحتى أفكارها”، وفق كورييل.

الأمر لا يتوقف عند ذلك، إذ يعتقد الكاتب بوجود بذور عربية لدوافع كولومبوس من أجل اكتشاف أميركا، يربطها بأبي العباس أحمد الفرغاني، وهو عالم فلك ورياضيات من القرن التاسع.

يقول كورييل “كانت نظريات الفرغاني عن قطر الأرض، الحجر الأساسي للفهم الأوروبي”. وينقل  عن ابن كولومبوس وكاتب سيرته فرناندو، أن أباه “ما كان، من دون عمل الفرغاني، قد حاول ربما حتى أن يقوم برحلته الأولية عام 1492”.

“كما درس كولومبوس، وغيره من المكتشفين الأوروبيين، عمل الجغرافي العربي أبو عبد الله محمد الإدريسي، الذي مثّلت خرائطه معايير دقيقة في أواخر العصور الوسطى.

تداخل اللغات

وهكذا يأخذنا كورييل في بحر من الكلمات العربية التي دخلت، عبر الإسبانية، إلى اللغة الإنكليزية، وباتت جزءاً من يوميات الأميركيين، مضيفاً، أن علماء اللغة الأميركيين يتجادلون حول العدد الدقيق للكلمات العربية التي رفدت الإنجليزية، “فالبروفيسور غارلاند كانون، أستاذ تدريس اللغة الإنكليزية في جامعة تكساس، ومؤلف كتاب (مساهمة اللغة العربية في اللغة الإنكليزية)، يقول إن هذه الكلمات تربو على 2338 كلمة أو عبارة مشتقة من اللغة العربية بصورة جزئية على الأقل”.

لكن العدد يتضاعف في دراسة يشير إليها كورييل، أعدها جايمس بيترز وحبيب سلوم بعنوان “مساهمات اللغة العربية في مفردات الإنجليزية”. يقولان إن “أكثر من 6500 كلمة إنكليزية أو مشتقاتها، إنما هي نابعة من اللغة العربية، أو انتقلت إلى الإنكليزية عن طريق العربية”.

برجا التجارة والعمارة الإسلامية

ويتحدث الكتاب عن تأثيرات الهندسة والعمارة الإسلامية والعربية فى بناء أشهر المعالم الأميركية التي لا تزال شاهدة، كقصر الحمراء فى إنديانا، وألامو فى تكساس، وقلعة تشارلستون فى ساوث كارولينا، إضافة لبرجي التجارة العالميين، اللذين استهدفا في عملية إرهابية عام 2001.

يؤكد كورييل: “أكثر ما لا يعرفه معظم الأميركيين هو أن برجي مركز التجارة العالمي كانا محاطين بأقواس مستدقة ذات طراز إسلامي- وهو طراز افتخر المهندس مينورا ياماساكي أن يعرضه. ويعود ذلك إلى عمل ياماساكي في المملكة العربية السعودية في تصميم مبانٍ على الطراز الإسلامي بينها جامع في مطار الملك فهد الدولي في الدمام، ومن إعجابه الغزير بفن العمارة الإسلامية”.

كما يتقفّى الكاتب الأميركي آثار البصمات العربية والإسلامية على الثقافة الأميركية، عبر البحث في أثر استقدام “العبيد” من غرب أفريقيا إلى الولايات المتحدة في فترة العبودية، وما تمخّض عنه من تأثير على موسيقى البلوز، عبر تلاوة الأذان، الذي يعدّ بحسب كورييل نقلاً عن جون ستورم روبرت في كتابه “الموسيقى الزنجية بين عالمين”: “بسيط نسبياً، لكنه طويل وشديد الزخرفة، والمقاربة العربية اللحنية الشديدة التميز قد وجدت طريقها نحو الكثير من الموسيقى الأفريقية”.

ومع ذلك يعترف كورييل بأن “مقدار الروابط الموجودة بين الثقافة الإسلامية وبين موسيقى البلوز الأميركية تبقى مسألة قيد النقاش، فبعض العلماء يصرّ على أنه لا يوجد أي رابط. وكثير من أفضل موسيقيي البلوز المعروفين في الوقت الحاضر قد يقولون إن موسيقاهم ليس لها سوى قليل مما يربطها بالموسيقى العربية والإسلامية”.

الإسلام والماسونية

يتناول الكتاب، بالطريقة نفسها، أثر الطقوس الإسلامية والعربية على بعض طقوس “جماعة المزار” (الإخوانية العربية القديمة لنبلاء القبر المقدس) في الولايات المتحدة الأميركية، التي خرجت من رحم التقاليد الماسونية التي انتشرت في أميركا خلال القرن الثامن عشر.

يبيّن كورييل:”اقتبست جماعة المزار التقاليد الماسونية، إذ يشترط أن يكون جميع أعضاء جماعة المزار من الماسون، ولكنهم أعادوا تشكيل الطقوس والرموز والإشارات من خلال العرب والمسلمين- أو على الأقل من خلال رسم كاريكاتوري لذلك المجتمع، وأطلقوا على أماكن اجتماعاتهم لقب الجوامع، فأعطوا المباني أسماء من أمثال: مكة، المدينة، القرآن، والملائكة، الأمر الذي ربط تلك المباني بالثقافة العربية والإسلامية”.

“وصار الطربوش هو القبعة المفضلة للأعضاء العاملين، بينما لبس كبار قادة جماعة المزار العباءات وأغطية الرؤوس (التي كانت العمائم من بينها) العائدة إلى إسلام العصور الوسطى، كما لو أنهم قد خرجوا لتوهم من صفحات كتاب (ألف ليلة وليلة)”، يتابع كورييل.

“النبي” وإلفيس بريسلي

ويعرّج كورييل على تأثير العرب والمسلمين في الأدب الأميركي، مع الشاعر الأميركي رالف إيمرسون، الذي ترك منصبه ككاهن في كنيسة بوسطن عام 1832 وانطلق في رحلة دينيّة طويلة اعتنق فيها الكثير من تقاليد الشرق الدينيّة والأدبيّة بما في ذلك الإسلام، متأثّراً بالشّعر الصّوفي الفارسي، وكانت الثقافة الفارسية الإسلامية ذات حضور لافت في قصائده.

كما يخبرنا حكاية “ملك الروك آند رول” إلفيس بريسلي مع كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، والأثر الذي تركه هذا الكتاب في شخصية المغني الأميركي، يقول كورييل: “كان كتاب النبي يرقد على المنضدة بجانب سرير بريسلي عندما فارق الحياة”.

العرب الأميركيون.. من هم؟ وكم تبلغ أعدادهم؟
رغم وجود العرب في الولايات المتحدة منذ عشرات السنوات إلا أن أعدادهم بشكل تفصيلي لا تزال غير دقيقة وتخضع للتقديرات حتى ضمن الإحصاءات الرسمية، إذ ينعدم تواجد بند خاص لهم ضمن التعداد السكاني.

بوظة وقهوة

ومن الكتب والشعر يأخذنا كورييل في رحلة لتناول البوظة ويحكي لنا حكاية “قرن البوظة” الذي اخترعه آبي دومر عام 1904، باستخدام الزلابية، وما خلف هذه الحكاية، وهي “حكاية هجرة آبي دومر إلى أميركا وجذوره العميقة في سوريا ولبنان، التي تعود إلى العقد الأول من القرن التاسع عشر”.

وكان آل دومر صناعيين ومهنيين في سوريا، ينحدرون من أصول لبنانية، لكنهم استقروا في دمشق لأسباب تتعلق بعملهم، وتعرض آبي دومر لحادثة ترويها العائلة عن توجيه تهمة إليه من رجل مسلم في دمشق خلال فترة الحكم العثماني، ما دفعه إلى الرحيل.

وهكذا يعثر كورييل على أصول عربية لقرن (مخروط) البوظة الأميركي (Ice crean cone)، إذ “لولا ذلك التهديد الجزائي الذي أحاق بآبي دومر في سوريا، فإنه لم يكن هناك ربما مجال لولادة قرن البوظة”.

وبالمنهج نفسه، يفنّد كورييل حكاية القهوة، والأثر العربي لوصولها إلى أميركا، في مسار “ابتدأ مع المسلمين الصوفيين في اليمن، لتتجه شمالاً عبر الصحراء إلى مكة حيث ولد المقهى الأول في العالم، ثم لتعبر عبر البحر الأحمر إلى القاهرة قبل أن تعبر البحر الأبيض المتوسط إلى القسطنطينية”.

ويروي: “في الوقت الذي أصبح شرب القهوة موضة راقية في باريس ولندن وبوسطن، في أواخر العقد الأول من القرن السابع عشر، فإنه من المشهور أن البابا قد بارك هذا المشروب، سامحاً للمسيحيين بشربه، ومتجاهلاً احتجاجات القساوسة الذين قالوا إن هذا الشراب المليء بالكافيين إنما هو منتج أنتجته شياطين الإسلام”.

ويختم كورييل حكاية القهوة بالقول، إن “الكابتن جون سميث (مؤسس مستعمرة جايمس تاون في فرجينيا عام 1607)، قد صادف، ولحسن حظ الأميركيين، رائحة القهوة بينما كان في الأسر عند بني عثمان”.

في نهاية كتابه يستشهد كورييل بكلمات الشاعر السوري نزار قباني، الذي قال أمام مؤتمر عقد عام 1976 تحت عنوان “الثقافتان العربية والأميركية”: “على كل ثقافة أن تكون منفتحة على سواها من الثقافات. عليها أن تكون في حالة تأثير وتأثّر دائمين بسواها… على الثقافة أن تكافح من أجل تقريب العالم بعضه إلى البعض الآخر، ومن أجل توحيد أحلامه”

الحره

اترك تعليقا

NEW