الاحتلال – يوميات العنصرية الوحشية في “واحة الديمقراطية” الاستيطانية
- Alsekeh Editor
- 29 أبريل، 2023
- المحطة الرئيسية, المحطة الفلسطينية
- 0 Comments
السكة – المحطة الفلسطينية – وكالات
في منتصف فبراير/شباط 2023، تناقل رواد شبكات التواصل الاجتماعي بغضب شديد صورة تُظهِر طالبا إسرائيليا داخل إحدى المحاضرات مرتديا قميصا خُطَّت عليه عبارة: “فلتعلم كل أم عربية أن مصير ابنها بيدي”. لم يكن استخدام هذه العبارة، وغيرها من العبارات العنصرية التي ادَّعت دولة الاحتلال الإسرائيلي حظرها تصرفا جديدا، فمنذ عشرات السنين يُقْدِم جنود الاحتلال في وحدات المظليين والقوات الجوية والقناصة ولواء جولاني وغيرها على طباعة تلك العبارات على عشرات القمصان والسترات والسراويل.
احتفالا بالتخرج في دورة عسكرية ما أو أثناء التدريب، يطور ويبتكر الجنود الإسرائيليون أشكالا مختلفة من الرسومات والشعارات. وفي محلات طباعة الأقمشة يطلب هؤلاء ملابس مخصصة تحمل شارة وحدتهم مع رسم من اختيارهم، ومن أمثلة ذلك قميص يُظهر قناصا من كتيبة “شاكيد” وامرأة فلسطينية حاملا مع عين ثور مثبتة على بطنها، وشعار باللغة الإنجليزية يقول: “طلقة واحدة.. قتيلان”، ثم هنالك قميص آخر يُظهِر أطفالا قتلى أو أمهات تبكي على قبور صغارهن، أو صورة لقصف مسجد أو بندقية موجَّهة إلى طفل.
في ظل تصاعد هيمنة اليمين المتطرف في دولة الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما تحت قيادة “بنيامين نتنياهو” الذي يرأس تحالفا وُصِف بأنه الأشد تطرفا في تاريخ إسرائيل، يبدو أن ظاهرة العنصرية الفجة تجاه العرب باتت أوسع انتشارا من أي وقت مضى، فيما أصبحت العنصرية والتطرف سمتين تصبغان الحياة السياسية وحتى التفاعلات الاجتماعية في دولة الاحتلال.
الدولة تخضع لمُتطرِّفيها
في أواخر أبريل/نيسان من عام 2021، ظهرت فتاة إسرائيلية من سكان البلدة القديمة في القدس المحتلة في مقطع فيديو وهي تميل نحو مراسل قناة “كان” الإسرائيلية الموجَّهة إلى الجمهور العربي، وبعد أن تحركت من وسط صفوف رفاقها الذين هتفوا “الموت للعرب”، وجَّهت حديثها إلى مراسل القناة العربي قائلة: “أنا لا أقول إننا سنحرق قريتك، أقول اتركوا القرية وبعد ذلك سنأتي ونعيش فيها”. وفي تلك الأثناء التي كانت قوات الاحتلال تعتدي فيها على المصلين في المسجد الأقصى أثناء شهر رمضان المبارك، لفتت الأنظار عبارة كُتِبَت على قميص الفتاة تقول: “الحاخام كاهانا كان على حق”.
لقد كان ذلك تذكيرا فجا بالحاخام “مائير كاهانا” الذي أسس حركة “كاخ” وزرع بذور اليمين اليهودي المتطرف قبل عقود خَلَت. وطوال مسيرته، حمل كاهانا عداء وكراهية للعرب فاقت كل الحدود، إلى درجة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها منعته من دخول البرلمان، فيما أدرجت الولايات المتحدة حزبه على قائمة الجماعات الإرهابية، وقد وصفه “إيهود سبرينزاك”، الأستاذ بالجامعة العبرية، في مقال له نُشر بصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” قائلا: “لا يوجد إسرائيلي واحد أعرفه قدَّم مساهمة أكبر لوحشية الشعب (الإسرائيلي) وروحه العامة مما فعله كاهانا”.
وُلِد مائير كاهانا عام 1932، وهو أميركي إسرائيلي ترعرع على القصص التي مجَّدت التطرف اليهودي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وهي الفترة نفسها التي نفَّذت فيها الجماعات الصهيونية المسلحة مثل “الإرغون” و”شتيرن” التفجيرات والمجازر ضد الفلسطينيين والمسؤولين البريطانيين في فلسطين تحت سلطة الانتداب من أجل خدمة مشروع الدولة الصهيونية الوليد حينئذ، وقد وصف العرب آنذاك قائلا: “العربي سرطان في وسطنا، ونحن لا نتعايش مع السرطان”، كما قال للجمهور قبل سنوات قليلة من وفاته: “السرطان إما أن تقطعه وتتخلص منه وإما أن تموت به”، و”من الأفضل أن تكون هناك دولة يهودية مكروهة من العالم على أن يكون هناك معسكر لإبادة اليهود (أوشفيتز) يحظى بحب العالم”، حسب زعمه.
على مر السنين، ظهر ورثة فِكر كاهانا في الحياة الإسرائيلية نتاجا طبيعيا لنظام الفصل العنصري المتزايد، وتُرجم ذلك على الأرض بطرق دموية. وتقوم الأيديولوجية الكاهانية على أربعة أسس هي العنصرية، والتطرف القومي، ومعاداة الديمقراطية، وتبرير استعمال العنف، وهي أسس تقوم عليها إسرائيل نفسها بدرجة ما وتترسخ فيها أكثر فأكثر، لا سيما في العقود الأخيرة. ومن أشهر تلاميذ كاهانا الحاخام “باروخ غولدشتاين”، المستوطن الأميركي الإسرائيلي المتطرف الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994، الذي قال عنه أثناء جنازته الحاخام المتطرف “يعقوب بيرين” إن “مليون عربي لا يُكافئون ظفرَ يهودي”.
بفعل هذا الخطاب المُتطرف، نمت الكراهية والعنصرية الفجة ضد العرب والفلسطينيين على نطاق واسع في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأخذت تنمو بين جماعات مختلفة من الشباب والمراهقين من أنصار اليمين المتطرف وغيرهم، وبالأخص بعد انتصار جيش الاحتلال في حرب عام 1967. والعديد من هؤلاء المتطرفين لديهم خبرة عسكرية من خدمتهم في جيش الاحتلال، كما أن بعضهم مسلح، والأهم من ذلك أنهم يدركون أن الهجمات على الفلسطينيين عادة ما يكون مصيرها قانونا الإفلات من العقاب. وبذلك، يسهل نشر التحريض والشوفينية والإقصاء بين هؤلاء الذين امتصوا الكراهية للعرب من بيئتهم بداية من المدارس والجامعات وصولا إلى الروابط والمؤسسات السياسية.
لا غرابة إذن أن نرى في القدس مجموعة من الفتية اليهود يتسكعون وسط المدينة المحتلة، ثم يقومون بالاعتداء الوحشي على أحد السكان الفلسطينيين، وهي ظاهرة باتت معتادة ومتكررة. هؤلاء الفتية غالبا ما يكونون قد قضوا طفولتهم في صفوف الطائفة الحريدية المتزمتة ثم سئموا الالتزام الديني وخلعوا البذلة والقلنسوة السوداء، لكن دون أن ينفكوا عن عالم الفكر السياسي المتطرف والعنف وتبجيل الحاخامات أمثال “عوفاديا يوسيف” و”شالوم آروش” و”مُردخاي إلياهو”، ممن أطلقوا العنان لكراهية العرب واحتقارهم، ليؤسسوا إثر ذلك جماعات متطرفة عنيفة تستهدف الفلسطينيين بلا هوادة مثل جماعة “المخربون العرب إلى الخارج”، وجماعة “يجب طرد العرب”، وجماعة “الحفاظ على قلب القدس” (بدون وجود العرب).
الموت للعرب.. من القدس إلى الملاعب
في 29 من مايو/أيار عام 2022، سار الآلاف من اليهود، وغالبيتهم من الأرثوذكس، في مسيرة بمناسبة ما يسمى “يوم القدس” الذي يصادف ذكرى احتلال المدينة المقدسة خلال حرب عام 1967، وقد مرَّ هؤلاء من قلب حي السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة مُلوِّحين بالأعلام، وهاتفين وهم في طريقهم إلى الحائط الغربي (البراق) على الجانب الآخر من البلدة: “الأمة اليهودية حية”، و”الموت للعرب”.
قبل عام من التاريخ المذكور، تسبَّبت هذه المسيرة المعتادة بجولة قتال امتدت 11 يوما بين دولة الاحتلال وحركة المقاومة الإسلامية حماس التي أطلقت وابلا من الصواريخ تجاه المدينة المحتلة بينما كان الموكب على وشك البدء، فلطالما شكَّل الحدث مظهرا خطيرا للعداء الإسرائيلي الثابت تجاه الفلسطينيين والعرب، حيث اعتاد رواده أن يهتفوا بالشعارات العنصرية، كما أن بعضهم يكون مُسلَّحا بسبب عمله السابق في الجيش، بخلاف كونهم محميين فعليا من شرطة الاحتلال التي لا تضع في طريقهم نقطة تفتيش واحدة.
ربما يخطر ببال المرء أن يتخيل ماذا يمكن أن يحدث لو انعكست مجريات الأحداث، وهتف مواطنون عرب من الداخل المحتل بهتافات ضد اليهود أو بشعار قومي عربي مثل: “من النهر إلى البحر.. فلسطين ستكون حرة”. من البديهي أن يكون مصيرهم الاعتقال بتهمة التحريض، أو الضرب بالغاز المسيل أو إطلاق الرصاص، وسيتعرضون بشكل منهجي للإهانة والتشويه باعتبارهم “معادين للسامية”. حدث ذلك على سبيل المثال مع الشاعرة “دارين طاطور” التي حُكِم عليها بالسجن خمسة أشهر بسبب قصيدة نشرتها على موقع فيسبوك عام 2015 بعنوان “قاوم يا شعبي قاومهم”، بالإضافة إلى منشورات منفصلة تناولت المقاومة الفلسطينية.
ليس غريبا إذن أن الفلسطينيين الذين تحكمهم (إسرائيل) بقوانينها التعسفية قد تلقوا العدد الأكبر من عرائض الاتهام والأحكام بالتحريض على العنف مقارنة باليهود. ويظهر ذلك في دراسة أعدَّها مركز العمل الديني الإسرائيلي (IRAC) عن الفترة بين عامي 2014-2021، وأظهرت أن 77% من جميع عرائض الاتهام بالتحريض على العنف والعنصرية كانت مرفوعة ضد مواطنين فلسطينيين في دولة الاحتلال (عرب 48)، رُغم أنهم يُشكِّلون 20% فقط من إجمالي المواطنين، وفيما تلقى نحو 99% من المواطنين الفلسطينيين أحكاما بالسجن، لم يُحكم على 54% من المُدانين اليهود في قضايا مماثلة.
إذ ما انتقلنا إلى الرياضة، فسنجد ملاعبها ومدرجاتها ساحة لتلك التناقضات ومسرحا للعنصرية الإسرائيلية الفجة أيضا. إن أحد أكثر الأندية شعبية في دولة الاحتلال هو فريق “بيتار القدس” لكرة القدم الذي تأسس عام 1936، وهو أحد أكثر الأندية يمينية وتطرفا، إذ يُطلق مشجعوه في كل مباراة هتافات على شاكلة: “ليت قريتكم تحترق”، و”العرب أبناء عاهرات”، وعادة ما يبرز في الخلفية صوت الشعار الأكثر تداولا بين جماهير الفريق وهو “الموت للعرب”. ويرتبط النادي بالحركة الصهيونية “بيتار” التي تأسست عام 1923، قبل تأسيس دولة الاحتلال نفسها بنحو رُبع قرن، وتُمثِّلها أحزاب مثل حزب الليكود اليميني الذي يرأسه اليوم نتنياهو نفسه.
مع بداية صعود اليمين الصهيوني إلى سُدّة الحكم ممثلا في حزب الليكود بقيادة “مناحيم بيغِن” عام 1976، برز هذا الفريق الذي حقق انتصارات ذهبية على مستوى البطولات المحلية، وتزامن مع صعوده بروز الخطاب العنصري والعِرقي لمشجعيه الذين لم يتوانوا عن إطلاق العنان للصهيونية الشوفينية والعنصرية تجاه العرب. ويمكن القول إن ثمَّة بُعدا مهما يجعل من العرب موضوعا رئيسيا لمشجعي الفريق وكراهيتهم، وهو أن هؤلاء المشجعين تعود أصولهم إلى يهود الشرق الذين نشأوا في الدول العربية في مطلع القرن العشرين، وهُم يمتلكون قناعة أنهم أُخرِجوا من بلدانهم العربية مُضطهدين ولجأوا إلى دولة الاحتلال، ومن ثم فإن تلك الدولة يجب أن تكون لليهود حصرا.
إذكاء التطرف مهمة الحكومة
هذه العنصرية التي تتزايد يوما بعد اليوم في الشوارع والمؤسسات الإسرائيلية من المؤكد أنها لم تكن لتزدهر دون بيئة سياسية تغذيها، لذا لا عجب أن المتطرفين هم من يحكمون إسرائيل اليوم حقيقة لا مجازا. ففي مارس/آذار 2021، وصل إلى قبة البرلمان الإسرائيلي أحد تلاميذ الحاخام الراحل مائير كاهانا، وهو رئيس حزب “العظمة اليهودية” المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي “إيتمار بن غفير”، الذي وضع لسنوات صورة باروخ غولدشتاين في منزله مُتبرِّكا بجريمته في الحرم الإبراهيمي عام 1994.
لقد صار بن غفير رمزا لتحوُّل إسرائيل نحو اليمين أكثر من ذي قبل بعد توليه منصب وزير الأمن في حكومة نتنياهو التي أمسكت بزمام الحكم في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولا يتردد بن غفير أبدا في إعلان إيمانه الصريح بأن العنف هو أساس مشروع الدفاع عن “الأرض والأمة” (اليهوديَّتين بالطبع). ولا ننسى أن انتصار نتنياهو الانتخابي الأخير يعود جزئيا إلى حالة الخوف من العرب التي نجح عبرها رئيس الوزراء الحالي في حشد اليمين خلفه ودفع الإسرائيليين للتصويت له في الانتخابات أكثر من مرة.
يحظى هؤلاء المتطرفون اليمينيون، في الحكومة الإسرائيلية وخارجها، بدعم مالي وسياسي غير مسبوق، وتكرس منظمات يهودية أميركية كبرى إمكانياتها من أجل دعمهم، حتى إنهم استخدموا قوانين مكافحة الإرهاب الأميركية لمقاضاة نشطاء فلسطينيين. وقد حدث ذلك في يناير/كانون الثاني الماضي عندما لجأ الصندوق القومي اليهودي، إحدى أقدم المنظمات الصهيونية في العالم وصاحب العلاقات الوثيقة مع الحكومة الإسرائيلية، إلى قوانين مكافحة الإرهاب الأميركية كي يقاضي جماعة حقوقية فلسطينية كبرى في الولايات المتحدة بسبب دعمها لحركة المقاطعة الدولية لدولة الاحتلال، وهذه الدعاوى القضائية جزء من إستراتيجية أوسع تقودها إسرائيل للتضييق على المنظمات التي تنتقد اضطهاد الفلسطينيين.
يحدث ذلك بينما تستمر الحكومة الإسرائيلية في تغذية التحريض ضد العرب أكثر من أي وقت مضى، وتتراجع حتى عن جهودها للحفاظ على الإطار الديمقراطي الذي استخدمته لحفظ ماء وجهها أمام المجتمع الدولي. ففي ظل قيادة نتنياهو مع أمثال بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ظهرت جهود علنية لتمكين وتشجيع الكراهية والعنصرية، التي يعيش مناصروها عصرهم الذهبي في ظل مشروع جديد ينادي بتأمين التفوق اليهودي صراحة.
اليوم تُصاغ القوانين في دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل المشروع اليميني، وتُوجَّه المحاكم ويُشكَّل التفكير الديني والعسكري كي يصبح إقصاء العرب بالكامل أمرا طبيعيا. ورغم ما يثيره هذا التوجه من استغراب في الغرب، يبدو من زاوية عربية أن تلك الانعطافة اليمينية الفجة كانت حتمية بالنظر إلى طبيعة دولة الاحتلال وجذورها الاستيطانية القائمة، منذ اللحظة الأولى، على الطرد العنيف والتجريد العنصري للسكان العرب في فلسطين.