غير المُقال في زيارة الوزير الإيراني أكثر أهمية تبعاً لتقاطع معلومات لدى أكثر من عاصمة، منها بيروت. غير المُقال هذا لم يُثَر في اللقاءات الرسمية، بل في الاجتماع الذي أُعلِن أن حسين أمير عبد اللهيان عقده أول من أمس مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. فحوى الاهتمام بتوقيت الزيارة، المعلومات التي وصلت الى مسؤولين رسميين لبنانيين من عاصمة أوروبية، نقلاً عن «مسؤول سعودي»، بأن المملكة فتحت حواراً مع مَن عادتهم، بدءاً بإيران مروراً بسوريا ونظام الرئيس بشار الأسد و«قريباً» مع حزب الله.
معلومات غير رسمية في بيروت مُكمّلة لتلك، تحدثت متكتّمة عن التفاصيل عن أن «خط الحوار فُتح أو أوشك من خلال طرف ثالث». حصول هذا الحوار يعيد التذكير بالتواصل الأول واليتيم بين الطرفين، في لحظة إقليمية استثنائية، عندما استقبل الملك عبد الله في 4 كانون الثاني 2007 نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم ونائب الحزب محمد فنيش خلال زيارتهما المملكة. بعد ذاك انقطع التواصل ودخلا في حرب إعلامية طويلة الأمد، بلغت ذروتها بعد تدخّل حزب الله في الحرب السورية.
سواء نجح المسعى أو أخفق، إلا أنه يعكس المرحلة الجديدة التي تعيد فيها الرياض ترتيب علاقاتها الإقليمية على طريق تأكيد زعامتها العربية، غير المسبوقة بزخم كهذا وحجم التحدّيات والمواجهات المعلنة وغير المعلنة التي تقودها، بدءاً من اليمن وصولاً الى لبنان ذهاباً الى الأميركيين، سوى خلال ولاية الملك فيصل بين عامَي 1963 و1975. أعلاها نبرة وثمناً باهظاً استخدامه سلاح النفط إبان الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973.
مع أن الزائر الإيراني لم يشأ الخوض في انتخابات الرئاسة اللبنانية مع مستقبليه، بمَن فيهم مَن فاتحوه فيها وطلبوا مساعدة حكومته، إلا أنه أعاد تأكيد أنها لا تتدخّل في الشؤون اللبنانية. الشقّ الآخر الذي لم يُفصح عنه علناً غير أنه سُمِع مراراً وتكراراً في طهران كما في دمشق، وهو أن كلتا العاصمتين المعنيتين بطريقة أو أخرى بالشأن اللبناني أكدتا أكثر من مرة أن ملف لبنان – بما فيه استحقاقه الرئاسي – بين يدَي حزب الله وأمينه العام بالذات كمرجعية وحيدة. لم تكن قد مرت أيام على سماع النائب السابق سليمان فرنجية، مرشح الثنائي الشيعي، الكلام نفسه من الأسد حاضّاً إياه على التنسيق مع نصر الله. في ما مضى، سمع العبارة نفسها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في 21 أيلول المنصرم لدى لقائه في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مطالباً إياه بالمساعدة على إنجاز الاستحقاق الوشيك آنذاك. مع أن ولاية الرئيس ميشال عون لم تكن قد انتهت ولا وقع الشغور، إلا أن رئيسي أخطر ميقاتي أن حكومته لا تتدخل في الشأن اللبناني.
تلك إشارة ضمنية تدلّ على المكان الصائب في حسبان الإيرانيين للتفاوض معه في انتخاب الرئيس، وهو حزب الله. في ايران كما في سوريا موقف مشترك متفق عليه: راجعوا حزب الله
على أن الإشارات الإيجابية الدائرة في المنطقة لا تشي بالضرورة أن لبنان على طاولة التفاوض، أو في أحسن الأحوال يُنظر الى ملفّه على قدم المساواة مع الملفات الرئيسية المفتوحة مذ أعلن اتفاق بكين بين السعودية وإيران، كاليمن وسوريا قبل انفجار السودان كأول تعبير سلبي يجبه التحولات الأخيرة ويعيد السخونة الى المنطقة برمتها.
بذلك مأزق الرئاسة مستمر الى أمد غير معروف لأسباب شتى:
1 – رغم رسائل التطمين التي أرسلها فرنجية هذا الأسبوع الى المملكة ومناهضيه المسيحيين، محتمياً بقوة صلبة تقف الى جانبه هي الثنائي الشيعي، إلا أن القوة المقابلة له ليست أقل صلابة، سواء في عدم اتخاذ الرياض موقفاً إيجابياً من انتخابه، فيما الفرنسيون يتخبّطون بين الأوهام والأحلام. ليست الكتل المسيحية المناوئة لانتخاب فرنجية أقل تأثيراً من الثنائي في منع انتخابه. لا تراجع لكتلتَي النائب جبران باسيل وسمير جعجع عن رفض القبول بفرنجية. بينما قطع الأول المسافة الصعبة في الخلاف وربما القطيعة مع حزب الله في الإصرار على هذا الرفض، لا يجد الثاني صعوبة في الذهاب الى أكثر من تباين في الرأي مع المملكة إذا بَانَ أنها قد تحطّ في نهاية المطاف عند الزعيم الزغرتاوي.
الى الآن على الأقل، ليست متأهّبة لقلب موازين القوى في الداخل رأساً على عقب، ولا تبدو أنها تميل الى خيار كهذا في الظاهر. أن لا تقول الرياض إنها ضد فرنجية لا يفضي الى استنتاج صائب سليم أنها معه أو ستصبح معه قريباً.
2 – لم تُضف تطمينات فرنجية الى الوقائع الحالية ما يعزّز حظوظه، المتقدمة في أي حال سواه دونما تمكينه من الوصول الى المنصب. لا يملك أقوى المرشحين من خلال الثنائي الشيعي وحلفائه الأكثرية المطلقة ولا الثلثين لفرض الانتخاب، ولا يملك كذلك خصومه أيّاً منهما. للرياض نصف المقاعد السنّية وهو سبب كافٍ كي لا تكون عاملاً مقرراً لانعقاد جلسة الانتخاب بالثلثين. أضعف الأفرقاء المهتمّين بالاستحقاق باريس. لا تملك مقعداً واحداً في البرلمان، ولا مَلَكَة المَوْنة على كتلة ما. مع أنها توحي بالظهور أنها قائدة حملة إخراج لبنان من شغوره، بيد أنها الطرف الأعزل العالق في غابة وحوش. وحده انضمام الأميركيين الى المعادلة الداخلية، بتفاهم أو غض طرف مع الثنائي الشيعي، يأتي بـ 86 نائباً على الأقل الى القاعة.
3 – إذا صحّ أن السعودية وإيران تتعاملان مع ملفات المنطقة، كل على حدة، منفصل بعضها عن بعض، إلا أن الإشكالية اللبنانية الحالية بشقّيْها السياسي والطائفي تحتّم مقاربة ما بدأ في اليمن، مع ما يفترض أن يجري في لبنان: ما لم يسَع إيران أن تفعله وهو أن لا تعطي السعودية اليمن بلا الحوثيين، لا تملك أن تأخذ في لبنان في معزل عن المسيحيين. ليست المعادلة هذه إلا تأكيداً على الاعتراف المتبادل بالأحجام الواقعية الملزمة: أن يكون الحوثيون معترفاً بهم ومفاوِضين ومفاوَضين مع المملكة على أنهم شركاء في بناء نظام جديد للبلاد تلك، وأن يكون المسيحيون اللبنانيون هم الشركاء الفعليين في النظام اللبناني، وخصوصاً موقعهم ودورهم وخياراتهم في رئاسة الدولة.
لأن استقرار اليمن يتطلب شراكة حقيقية للحوثيين، المسار نفسه لاستقرار لبنان بالاعتراف بشراكة حقيقية للمسيحيين فيه.
المصدر:اا الأخبار اللبنانية+ وكالات