يراود حلم الأمومة كل امرأة منذ لحظة الزواج، وتترقب اللحظة التي يمكن أن تحمل فيها طفلها بين ذراعيها. وللأسف، قد لا يكون الإنجاب بهذه السهولة دائماً، وثمة عوائق عدة يمكن أن تقف في وجهها وتحرمها من تحقيق هذا الحلم، إذ إن هناك أسباباً صحية وبيولوجية عديدة يمكن أن تمنع المرأة من أن تحمل بشكل طبيعي. وأحياناً ترفض الرضوخ لهذا الواقع، وتصر على إنجاب طفل منها، ومن زوجها، حتى ولو اضطرت إلى الاستعانة بـ” أم بديلة “، خصوصاً أن عدم القدرة على الإنجاب يمس المرأة في صميم أنوثتها. وأصبح تأجير الأرحام مقبولاً، وبات أكثر شيوعاً أخيراً في دول معينة وضعت قوانين لتنظيمه. أما في لبنان وفي دول عربية وأجنبية عدة أخرى، فتكثر التحديات الاجتماعية والقانونية والدينية. والكل يعلم أن هذه المسألة قد تتخذ في كثير من الأحيان بعداً تجارياً وتبتعد عن المنحى الإنساني، لكن إذا كان اللجوء إلى هذه الوسيلة للإنجاب غير مقبول في المجتمع ولا يسمح بها القانون ولا الدين، فهل يمنع ذلك البعض من اللجوء إليها بأي شكل من الأشكال، عندما يصرون على الإنجاب ولو باللجوء إلى رحم امرأة بديلة؟
ممنوع في دول ومسموح به في أخرى
عندما يواجه الزوجان مشكلات بيولوجية معينة تعوق الإنجاب تتوافر عادة اختيارات علاجية عديدة ووسائل تساعد على تعزيز الخصوبة، مع إمكان اللجوء إلى عملية طفل الأنبوب في حالات معينة. فمع التطور الطبي الملحوظ في هذا المجال، كثرت الوسائل المتوافرة لتحقق المرأة حلم الأمومة. وإذا تعذر الإنجاب على رغم توافر هذه التقنيات، كان التبني حلاً لكثيرين، لكن يرفض البعض الاستسلام أمام العوائق البيولوجية، ويبدو اللجوء إلى رحم أم بديلة حلاً أخيراً لا بد منه لتحقيق الحلم.
يظهر الواقع أن تأجير الأرحام يشهد انتشاراً واسعاً وإقبالاً وقبولاً في مجتمعات مثل الولايات المتحدة وكولومبيا وأوكرانيا وروسيا وبيلاروس، وتتوافر وكالات متخصصة في تأجير الأرحام فيها. ولعل وجود قوانين تنظم عملية تأجير الأرحام جعلها مقبولة في هذه المجتمعات، وهي ليست ممنوعة أيضاً في بريطانيا ونيوزيلندا والدنمارك والبرتغال وجمهورية تشيك، لكنها ممنوعة في معظم الدول الأوروبية، ويواجه من يخالف القانون في دول مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والنرويج وإستونيا والنمسا التي تمنع تأجير الأرحام، عقوبة شديدة. في المقابل، هناك دول لا يمنع فيها القانون تأجير الأرحام، ولا يسمح بذلك أيضاً، فلا يذكرها بكل بساطة ولا تتوافر قوانين تنظم هذه العملية، مثل اليونان وبلجيكا وإسبانيا وفنلندا، وينطبق هذا على لبنان أيضاً، فلا يتناول القانون موضوع تأجير الأرحام، لكنها ظاهرة غير مقبولة في المجتمع اللبناني ويتم التعاطي معها على أنها ممنوعة قانوناً، حيث تدخل في خانة الاتجار بالأعضاء.
تأجير الأرحام “تحت الطاولة”
كون تأجير الأرحام والإنجاب عبر اللجوء إلى أم بديلة ممنوعاً في لبنان، فهذا لا يعني أن ذلك لا يحصل “تحت الطاولة”، كما يبدو واضحاً. وتتعدد الحالات التي لجأت فيها سيدات إلى أمهات بديلات بهدف الإنجاب لقاء مبالغ بآلاف الدولارات، على رغم الإشكالية المطروحة هنا والجدل المثار حول هذه المسألة.
ليال سيدة قررت اللجوء إلى أم بديلة لتنجب طفلاً، على رغم التحديات في لبنان، فبعد زواجها بفترة قصيرة أصيبت بسرطان الثدي، ما منعها من الإنجاب خلال سنوات عدة من العلاجات. عاودها المرض في مرات عدة كما فشلت محاولات الحمل إثر اللجوء إلى عملية طفل الأنبوب. وبعد تعافيها من إصابتها الأخيرة بالسرطان، منعها الطبيب من أن تحمل لمدة عامين خشية أن يعاودها المرض. وأصرت على إنجاب طفل باللجوء إلى أم بديلة، وفق ما نصحها الطبيب الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد، مؤكداً أنه يمكن أن يتابع حالتها، وليس عليها إلا أن تؤمن الأم البديلة.
منذ عامين، تحاول ليال إيجاد أم بديلة آملة في أن تحقق حلمها بالإنجاب أخيراً، دون جدوى. وعلى رغم التحديات الكثيرة التي تواجهها في المجتمع، إضافة إلى الصعوبات القانونية والذهنية السائدة، لم تفقد الأمل يوماً، وإن كان الأمر لا يبدو سهلاً لها، خصوصاً أنها لا يمكن أن تتوقع مساعدة في هذا المجال من أي طرف. وعلماً أنها تفضل إجراء العملية في لبنان، حيث الكلفة أقل مقارنة بدول تنظم عملية تأجير الأرحام، وتقارب الـ10 آلاف دولار في لبنان فيما قد تتخطى أضعاف هذا المبلغ في دول أخرى.
وفي حين تجرى عمليات المتابعة للأم البديلة وتأجير الأرحام في لبنان بشكل خفي، تفضل نسبة كبيرة من الأطباء الاختصاصيين عدم التحدث بهذه المسألة، خشية أن تثير ردود فعل سلبية.
وأوضح الطبيب الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد بيار نخل، الذي يرفض إجراء عملية من هذا النوع، أن معدلات اللجوء إليها تراجعت في لبنان بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبحت عملية زرع الرحم ممكنة، “فالسبب الرئيس الذي قد يستدعي اللجوء إلى الأم البديلة، هو فقدان المرأة الرحم لسبب أو لآخر، كما في حال وجود تشوهات خلقية، أو إذا كانت تعاني تلفاً في الرحم أو مشكلة فيه غير قابلة للمعالجة. فبوجود عملية زرع الرحم منذ سنوات عدة في لبنان، لم تعد كثيرات يلجأن إلى الأم البديلة، بل يفضلن اللجوء إلى عملية زرع الرحم. أما اللاتي يلجأن إليها بسبب الإصابة بالسرطان فعددهن قليل أصلاً”. وأشار نخل إلى أن “الإنجاب عبر اللجوء إلى أم بديلة يتطلب عملية التخصيب نفسها التي في عملية طفل الأنبوب”. وشدد على أن “المسالة القانونية تبقى عائقاً أساسياً في لبنان، ولا يمكن تخطيها، بالتالي عند الضرورة، من الأفضل القيام بعملية مماثلة في بلاد وضعت قوانين تنظمها مثل الولايات المتحدة. ففي لبنان، طالما أنه ما من قوانين تنظم تلك العملية، يعد اللجوء إليها تحدياً كبيراً للزوجين. فمن الممكن مواجهة مشكلات عدة والقانون لن يكون إلى جانبهما لحماية حقوقهما في مثل هذه الحالة”.
عملية محرمة دينياً
وإضافة إلى أن الإنجاب عبر اللجوء إلى أم بديلة غير مقبول اجتماعياً ولا قانوناً، فإن من التحديات الكبرى في هذا المجال في لبنان، هي نظرة الدين الرافضة لمثل هذه التقنيات التي تعد محرمة في الشريعة الإسلامية. وقال رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى في لبنان، الشيخ وسيم مزوق إنه “ثمة وسيلة واحدة في التلقيح الاصطناعي مقبولة دينياً وتقضي بأخذ نطفة من الزوج وبويضة من الزوجة، ويجرى التلقيح في الأنبوب، ثم تنقل الأجنة إلى رحم الزوجة من دون إدخال طرف ثالث في العملية. أما أخذ نطفة من رجل آخر أو بويضة من امرأة أخرى فمرفوض ومحرم في الشريعة الإسلامية. ويعتبر وضع النطفة والبويضة في رحم امرأة أخرى، كما يحصل في حال اللجوء إلى الأم البديلة، مخالفاً للدين حكماً، سواء كان ذلك مقابل مال أو بهدف إنساني من دون مقابل. فكون الهدف إنساني لا يحلل هذا العمل المحرم شرعاً، كما أن اختلاط الأنساب حكم آخر يؤدي إلى تحريم عملية تأجير الأرحام”.
وأكد الشيخ مزوق “وجود شبهة الزنى هنا. وهو عمل محرم بما أن هذه العملية تقضي بوضع نطفة من رجل في رحم امرأة غير زوجته، وإن أقام عقد زواج معها، بما أن البويضة تكون قد أخذت من امرأة أخرى أيضاً. وقد تكون هناك مشكلة في الرحم تمنع المرأة من الحمل، كما يمكن أن يلجأ البعض إلى هذه التقنية من باب الترف حتى لا تعاني المرأة آلام الحمل والولادة أو لأسباب أخرى. في كل الحالات تأجير الأرحام محرم شرعاً. وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بتحريم هذا الأسلوب من التلقيح الاصطناعي من 42 عالماً في الدين الإسلامي، لكن للأسف، هذا الأسلوب منتشر في لبنان بطريقة خفية، على رغم أنه ممنوع قانوناً وديناً”.