فريضة القسوة وفضيلة الصمت… الدليل الكامل على “الطاعة العمياء” حتى الموت

السكة – محطة المرأة – تحليلات 

في إحدى البيوت على كوكب الأرض، كانت الأم تخبر صغيرها بأن عليه أن يمتثل لقرارها بأن يخلد للنوم في تمام الثامنة مساءً. سأل الصغير عن السبب، فأجابت الأم بأن الصغار ينامون في الثامنة. فعاود الصغير السؤال بشكل آخر “ولماذا ينام كل الصغار في الثامنة وليس الثامنة إلا الربع أو والربع أو حتى والنصف؟”، فردت الأم بمزيد من الحزم والسلطة “لأن هذا هو الصح!”.

الإجابة المقتضبة غير المزودة بحجة أو منطق دفعت الصغير إلى البحث عن إجابة تشفي غليله لدى الأب الذي كشر عن أنيابه إظهاراً لمزيد من السلطة وتأكيداً لقدر أكبر من الهيمنة وقال “لأن الصغار الذين لا ينامون في الثامنة يمرضون”. رد الصغير بسرعة “لكن صديقي ينام في التاسعة ولم يمرض”. اشتد غضب الأب وقال بلهجة آمرة معلنة نهاية النقاش “لأن أنا وأمك قررنا أن تنام في الثامنة”. امتنع الصغير عن الاستطراد في الأسئلة، كما امتنعت الأم عن البحث عن إجابات لسد خانة الأسئلة. وامتنع الأب عن السماح لطفله بالسؤال لأن السؤال ينم عن عدم الطاعة والتسليم، وكلاهما دليل على المعصية.

المعاصي كثيرة

لكن المعاصي كثيرة. وتعريفاتها عديدة، ويناقض بعضها بعضاً. وما يبدو معصية عند بعض الناس هو تعقل وتدبر وتفكر عند آخرين. ويبقى تاريخ البشرية وحاضرها وعلى الأرجح مستقبلها وثيق الصلة بقدر من المعصية والطاعة، وفي أقوال أخرى التسليم أو الخضوع أو الامتثال أو الورع، وهذه المفردات المتناقضة المتنافرة لـ”الطاعة” هي ما وضعت كارثة كينيا المروعة تحت مجهر نقد الطاعة.

القس الكيني بول نثينغي ماكنزي، رجل دين مسيحي “اجتهد” ورأى في الجوع طريقاً مؤكداً للقاء المسيح. هكذا أوصلته أفكاره، وهي الأفكار التي ظل يتحدث عنها، ويقنع قاعدة أتباعه الآخذة في الاتساع عبر السنوات بها. خطب عاطفية وعظات تدغدغ مشاعر “المؤمنين”، وكلمات وعبارات عن الإيمان والطريق الوحيد للقاء “الحبيب” نبي الله عن طريق تجويع الذات. سنوات طويلة والقس الذي “يجتهد” من أجل تمكين أتباعه من لقاء المسيح يتحدث في كنيسته التي لم يجد لها اسماً أفضل أو أكثر تعبيراً من “غود نيوز إنترناشيونال”!

إنها الكنيسة التي قال القس في لقاءات إعلامية سابقة إنه أغلقها، وذلك في أعقاب اتهامات له وشكوك دارت حول “إجباره” أو “إيعازه” أو “إقناعه” لتابعيه أن يجوعوا أو يتركوا أطفالهم يبكون جوعاً حتى الموت ابتغاء رضا الرب. وهل هناك ما يتوق إليه الإنسان أكثر من وجبة أو حتى لقمة حين يشتد جوعه؟ يجوع ويتاح الأكل أمامه لكنه يمتنع ابتغاء مرضاة الرب. ليس هذا فقط، بل أخبر القس أتباعه الذين يصدقون كل ما يتفوه به أن جوعهم هذا يقربهم من لقاء المسيح.

طريق المسيح

“صوموا للقاء المسيح” قالها القس على مدى أشهر وربما سنوات بطرق مختلفة. أتباعه المتيمون بصوته الأجش وطريقته في دغدغة المشاعر يصدقون كل حرف ينطق به، فهو يتحدث باسم الله، ويعرف أقصر الطرق للقاء المسيح، وما عليهم سوى الطاعة.

جاع “المؤمنون” أقصى درجات الجوع، تضوروا جوعاً باختيارهم وذلك على سبيل الطاعة. وكانت النتيجة أن ما لا يقل عن 100 شخص ماتوا جوعاً على أمل لقاء المسيح، والعدد مرشح إلى زيادة، إذ ما زالت السلطات الكينية تكشف عن مزيد من الضحايا. الأدهى من ذلك أنه تم العثور على العشرات على قيد الحياة في مكان يملكه القس على الساحل الكيني وهم يتضورون جوعاً، ورفضوا فتح أفواههم للأكل، فالطاعة العمياء هي الاختبار الحقيقي للإيمان، هكذا أخبرهم القس.

القس بول ماكنزي أخضع أتباعه لعديد من اختبارات الطاعة. فالتعليم الرسمي شيطاني، وغير معترف به في “الكتاب المقدس”، لذلك فإن طاعة الرب تتطلب عدم إلحاق الأطفال به. وطلب الرعاية الصحية أثناء الحمل والولادة محرم، وعلى النساء الطاعة، فيلدن وحدهن بينما الآخرون يصلون لهن. وتلقيح المواليد مرفوض، فصانعو التلقيحات يتبعون إلهاً مختلفاً، وطاعة الرب تستوجب عدم تلقيح الصغار، وقائمة اختبارات الطاعة التي نجح فيها أتباعه أو من بقي من أتباعه على قيد الحياة قبل طاعة الجوع حتى الموت طويلة، لكنها ليست فريدة، فقط غريبة ومبالغاً فيها.

مكون الطاعة في الأديان

هذا المكون محوري ومركزي ومفصلي. ولا يوجد دين بغير طاعة، ولا توجد طاعة بمعناها الحقيقي من دون ارتباط بدين أو عقيدة ما، أو في الأقل منظومة رسمية صارمة تفرض الطاعة شرطاً للانتماء لها. قاموس علم النفس الأميركي يعرف “الطاعة” في السلوك البشري بأنها شكل من أشكال التأثير الاجتماعي الذي يخضع فيه الفرد لأوامر وتعليمات من شخصية أو كيان ذي سلطة. والطاعة فيها امتثال، وغالباً ترتبط بسلوك جماعي يجمع بين عدد من الأشخاص بشكل متطابق.

وأحياناً يكون الغرض من فرض الطاعة أو الترويج لها هو أن يكون سلوك الجميع، أو في الأقل الغالبية، مطابقاً وصورة طبق الأصل بعضه من بعض. لذلك ينظر علماء النفس، لا سيما في السياقات غير المرتبطة بالدين وبشكل أكبر في المجتمعات التي فصلت بين الدين والدولة، على أن الطاعة يمكن أن تكون ذات آثار عكسية مدمرة ناهيك بكونها مشكوكاً فيها أخلاقياً.

الطاعة الفضيلة الكبرى

لكن الطاعة في الأديان مختلفة، أو هكذا يتم التعامل مع مفهومها، حيث الغرض منها أخلاقي، ورؤيتها لا تخلو من قدسية، وإطارها العام في مجمله يكتسب أرقى وأعلى درجات الروحانية والسمو. وعلى رغم ذلك يختلف البشر في مواقفهم تجاهها. يعتبرها بعضهم أرقى الفضائل، باعتبارها الفضيلة الكبرى التي تؤهل الفرد لطاعة الله والتسليم له تسليماً كلياً وغير مشروط.

وينظر إليها البعض الآخر باعتبارها وسيلة ضغط على البشر – عبر رجال الدين – ليتقبلوا ويأتمروا ويسارعوا إلى تنفيذ كل التعليمات والوصايا من دون جدال أو فهم أو تبرير أو شرح. ويرى أنصار هذا الفريق أن المهمة الرئيسة لرجال الدين عادة تكون تربية الأفراد وتنشئتهم على مكون الطاعة، باعتباره حجر الزاوية الذي من دونه يفسد الدين وتهدم المجتمعات ويفقد الشخص صفته “كمتدين”.

ليس هذا فقط، بل يقول بعض رجال الدين إنه كلما زادت طاعة الفرد في قضايا تبدو غير منطقية أو ينقصها العدل ارتقى درجة في سلم الإيمان، والعكس صحيح. فكلما زادت أسئلة الفرد أو جعل الطاعة مشروطة بالمنطق هبط درجة على السلم نفسه.

الطاعة غير المشروطة

الغالبية المطلقة من رجال (وإن وجد نساء) الدين يدورون بشكل أو بآخر في عظاتهم وخطبهم لجموع المؤمنين والمؤمنات حول أهمية “الطاعة غير المشروطة”. وهو حديث يجمع كل الأديان من دون استثناء، لذلك ترتبط كلمة الطاعة في هذا السياق أحياناً بمنظومة التربية، حيث ينشأ الصغار منذ نعومة أظفارهم على اعتبار أن الطاعة شرط للحصول على الحلوى، ولنيل إجازة جميلة على الشاطئ، ولشراء سيارة عند الالتحاق بالجامعة، وكذلك نيل رضا السماء ونيل الجنة، وفي سياق كنيسة “الأخبار الطيبة” لقسها بول ماكنزي، لقاء المسيح.

الطاعة في اليهودية تكافأ بالحفاظ على النظام حتى يجد المجتمع وأفراده الكمال في حياتهم، في حين أن العصيان والتمرد على السيادة الإلهية والإذعان والتزام التعاليم المنصوص عليها يحطم هذا النظام ويعاقب عليه المجتمع بالإغراق في الكوارث والشدائد.

أما الطاعة في المسيحية فهي مفتاح الخلاص والبركة ونيل وعود الرب، وأن طاعة الله تمارس عملياً بحفظ وصاياه أي طاعة كل ما ورد في الإنجيل.

ثم في الإسلام أن يعبد المسلم الله كما يريد الله وليس كما يريد العبد. فمثلاً، يقول مفتي مصر السابق وعضو هيئة كبار العلماء على جمعة في سلسلة مقالات عن الطاعة إن البعض يحاول أن يلتف على حتمية أن يطيع العبد الله بالطريقة التي أرادها الله، وأن هذا الالتفاف هو الأصل في العصيان. يقول “إنه عصيان إبليس الذي قص الله علينا حاله. وأكد لنا النكير عليه وعلى ما فعله في كثير من آيات القرآن الكريم. فإبليس لم يعترض على عبادة الله في ذاتها، بل ولم يكفر بوجوده ولا أشرك به غيره، بل أراد أن يعبده سبحانه وحده وامتنع عن السجود لآدم، والذي منعه هو الكبر وليس الإنكار”.

الطاعة والكبر

ويمضي جمعة في التحذير والتخويف من “الكبر” – وهو ما يسميه آخرون السؤال عن الأسباب والاستفسار عن المقصود – معتبراً إياه أحد مكونات الهوى الرئيسة، والهوى يتحول إلى إله مطاع في النفس البشرية، على حد قوله.

ويضيف “هنا نصل إلى مرحلة الشرك بالله. وفى الطاعة ضل فريقان: فريق أراد الالتزام فزاد على أمر الله وحرف، وفريق أنكر وفرط وانحرف. الأول أراد أن يعبد الله كما يريد هو فاختزل المعاني وتشدد وأكمل من هواه ما يريد. والثاني أراد أن ينفلت وأن يسير بحسب هواه. وقال إن هذا هو المعقول عندي، في حين أنه يريد الشهوات. ويحدثنا ربنا عن كل من الفريقين وهما يحتجان بالعقل ولا ندرى أي عقل هذا وما هو العقل المرجوع إليه والحكم في شأنه؟! وهما معاً يؤمنان ببعض الكتاب ويكفران ببعض آخر”.

“ارتقاء” الانتقاء في الطاعة أو السؤال عن المنطق أو نقد تفسير علماء الدين بنوداً بعينها في قوائم الطاعة إلى درجة الكفر أو العصيان أو كليهما حجة يستخدمها رجال الدين منذ قرون.

الهندوسية التي يعتبرها كثيرون أسلوب حياة وليست مجرد ديانة قائمة على فروض الطاعة المطلقة للآلهة والتسبيح لها ليلاً ونهاراً. تقشف شديد في الصوم، تجرد ذاتي للسيطرة على الجسد ورغباته وجميعها على أمل “الاتحاد بالله” أو “براهما”.

كذلك ترى ديانة السيخ أن طاعة “المعلم” أو “الغورو” تجلب التحرر للفرد وتحقق له النعيم الأبدي والخلود. ولا تختلف عقيدة “هاري كريشنا” كثيراً حيث السبب الرئيس لكل الشرور في العالم هو عدم الطاعة، طاعة لورد كريشنا، وهلم جرا.

الطاعة سلوك إنساني

وإذا كانت الطاعة مكوناً رئيساً من مكونات الإيمان والانتماء لدين أو معتقد ما، فإنها أيضاً سلوك إنساني حيث يقرر أو يختار أو يضطر الشخص إلى الامتثال للأوامر التي تعطيها له سلطة ما. وفي ستينيات القرن الماضي أجرى عالم النفس الاجتماعي الأميركي ستانلي ميلغرام دراسة شهيرة عن الطاعة. وأظهرت نتائجها أن الناس لديهم ميل فطري قوي للامتثال لرموز السلطة، أي سلطة.

ووجد ستانلي أن الأشخاص الذين أبدوا قدراً أكبر من الطاعة في ظروف وأجواء بعينها مثل أن يصدر الأمر عن سلطة مباشرة وليس عن قرين أو زميل، أو وجود السلطة أو من ينوب عنها في المكان، أو عدم وجود أشخاص متمردين على السلطة أو ناقدين لها أو طارحين أسئلة حول أسبابها في البيئة المحيطة، أي حين تكون البيئة المحيطة بالفرد بيئة مطيعين، أو الخوف من الآثار السلبية الناجمة عن عدم الطاعة، أو الطمع في مميزات أو مكافآت على الطاعة.

كما ذهبت نتائج الدراسة إلى أن البعض يجنح إلى الطاعة المتشددة أو المبالغ فيها والتي قد تصل إلى حد إقبال الشخص “المطيع” على إلحاق الضرر بنفسه ومن يحب. وعادة يسبق التشدد في الطاعة مراحل عدة، تشارك في إعدادها السلطة أو من يمثلها.

ويشير ستانلي إلى مشاعر الراحة التي تعتري المطيع، إذ يسند مسؤولية نفسه إلى السلطة أو نائبها، وفي المقابل ينفذ ما تطلبه منه، بمعنى آخر تكون العلاقة مربحة للجانبين. وعادة تتحول سلوكيات الطاعة إلى روتين يومي، فينفذ الشخص الأوامر الصادرة له باعتبارها مكوناً عادياً من مكونات الحياة اليومية، لا مجال لنقدها أو نقضها. ويبدأ الشخص في تنفيذ الأوامر السهلة البسيطة الصادرة له من السلطة أو ممثلها، ثم تتدرج السلطة في تعظيم الأوامر وتعقيدها وجعلها أكثر صعوبة.

الاستدراج نحو الفخ

بعض علماء النفس الاجتماعي يفسرون هذا التدرج والانقياد بـ”الاستدراج نحو الفخ”، ويسميها علماء آخرون بـ”ظاهرة قدم داخل الباب” أي إن الشخص المطيع أطاع بالفعل في مراحل عدة، وبات واقفاً في مكان وسط، قدم في الداخل والأخرى في الخارج، وعليه أن يتخذ خطوة إضافية (في الطاعة) ليدخل عبر الباب.

من جهة أخرى، ينظر أحياناً إلى الطاعة العمياء، بما في ذلك للأوامر المنافية للمنطق تماماً أو التي تلحق الضرر الذي قد يصل إلى درجة الموت باعتبارها طريق خلاص يتبعه المطيع. وهنا، تتعاظم النظريات والتفسيرات التي تربط بين جنون الطاعة والمعاناة من مشكلات اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو كل ما سبق. هذه الفئة “الضعيفة” ترى في التضحية بالنفس والآخرين تنفيذاً لأوامر “السلطة”، لا سيما الدينية، طريقاً للخلاص.

تابعون ضعفاء وقادة أقوياء يشكلون مكونات المعادلة السرية للطاعة العمياء. قد يكون التابعون مواطنين عاديين والقادة حكاماً ديكتاتوريين. وقد يكون التابعون أعضاء حزب سياسي أو مفهوم أيديولوجي والقادة زعماء الحزب أو مبتكري المفاهيم. وربما يكون التابعون منتمين لدين أو عقيدة ما، والقادة رجال دين يقومون بمهام الوساطة بين المؤمنين وربهم.

أستاذ علم النفس في جامعة “لبانون فالي كولدج” في بنسلفانيا الأميركية لو مانزا أشار في مقال عنوانه “كيف يستغل قادة الطوائف مثل تشارلز مانسون حاجات البشر النفسية الأساسية؟” (2016) إلى ما سماه بـ”التوق البشري للراحة”، ومن ثم البحث عن أشخاص أو أشياء من شأنها أن تهدئ من مخاوفهم وقلقهم. وقال إن رغبة الناس في تهدئة زوابع القلق والخوف في داخلهم أمر طيب وإيجابي. هو تكيف فعال بشكل يسمح لهم بالتعامل مع الضغوط التي تنغص حياتهم. من جهتهم، يقدم زعماء الطوائف وبعض رجال الدين وعوداً لا يمكن تحقيقها فعلياً، لا من خلال الطائفة أو المعتقد، أو من خلال مؤسسات الدولة لأسباب عدة.

لذلك تدور الوعود عادة حول لقاء الأنبياء وأحياناً الله، والشعور بالراحة والرضا والامتنان على رغم الآلام. وتتحول الآلام نفسها والسعي إلى التسبب في مزيد منها إلى وسيلة للتقرب من السماء، ويتربى شعور لدى الشخص بأنه كلما زاد ألمه وتفاقمت معاناته ارتقى سلم الإيمان، ما دام سلم الثراء أو العدالة أو الرفاهية مستعصياً.

ويضيف مانزا أن استغلال الرغبة البشرية في تحقيق الراحة النفسية أو العاطفية لدى الناس من قبل بعض زعماء الطوائف لا يتسم دائماً بحسن النية أو سمو الغاية، بل أحياناً تشوبه رغبة الزعيم في تحقيق مصالح شخصية، سواء مادية أو معنوية تتعلق بالزعامة والسلطة والمكانة.

كما يشير إلى جوانب أخرى لفهم منظومة الطاعة تتعلق بالصحة العقلية للأتباع، وأحياناً للزعيم. وقد يلجأ بعض هؤلاء الزعماء إلى تقنيات تستخدم للتحكم في عقل وسلوك الأتباع وتقطع علاقتهم بالعالم الخارجي، من دون شرط الانفصال عنه جسدياً، فقد يستمر الشخص في أداء عمله، والعيش مع أسرته، لكنه يكون منفصلاً ذهنياً وروحانياً وتابعاً كلية للزعيم وأقرانه من “المؤمنين” في الطائفة.

يفترسون الفقراء

زعيم كنيسة “الأخبار الطيبة” الكينية القس بول مكنزي أقنع أتباعه بالتضور جوعاً للقاء المسيح طلباً للخلاص والراحة، وهم أطاعوا. أستاذ الدراسات الدينية في جامعة نيروبي ستيفن أكارانغا قال في تصريحات صحافية في أعقاب اكتشاف أمر من ماتوا جوعاً إن “أشخاصاً مثل ماكنزي يفترسون الفقراء الذين لا يعرفون شيئاً عن الدين. هم الأقل تعليماً والأكثر معاناة من الفقر. ويشكلون أرضاً خصبة للتجنيد من قبل أشخاص يدعون أنهم زعماء روحانيون ورجال دين، لكن هذا ليس ديناً لأن الدين لا ينص على ذلك”.

وبعيداً عما ينص عليه الدين، أي دين، وما لا ينص عليه، وبغض النظر عن عوامل مثل الفقر أو الجهل أو المعاناة والتي تجعل أشخاصاً أكثر عرضة من غيرهم لإطاعة “الزعيم” أو السلطة أو ممثلها من دون أدنى اعتبار أو تفكير لبديهيات المنطق، تظل منظومة الطاعة كسلوك بشري بالغة التعقيد والتشابك، وإحدى أكثر المفاهيم التي يعتبرها البعض، لا سيما حين يتعلق الأمر بالدين والمعتقد، غير قابلة أو خاضعة للنقاش، في حين يعتبرها البعض الآخر، لا سيما حين تكون غير مشروطة أو قابلة للتفنيد والتفسير، علامة من علامات السطوة غير المقبولة وأمارة من أمارات الخنوع غير المقبول.

أمينة خيري/صحفية 

اترك تعليقا

NEW