“بابلو إسكوبار الاسكندنافي” حوّل السويد لدولة مافيا وعنصرية وإرهاب

السكة. – محطة الجاليات العربية

نشرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية تقريراً يروي تفاصيل عن تحول السويد لساحة حرب غير مسبوقة بين العصابات المسلحة ومافيات المخدرات، التي باتت تنفذ عمليات قتل باردة واغتيالات بحق بعضها البعض، رغم أن السويد لطالما عُرفت بأنها بلد أوروبي هادئ ومسالم. فما الحكاية؟

قنابل واغتيالات.. السويد تتحول إلى نقطةٍ ساخنة لجرائم القتل بالأسلحة

تقول  الصحيفة إنه في إحدى الليالي مطلع مارس/آذار 2023، طلبت الشرطة السويدية من نسخة برنامج “America’s Most Wanted” في البلاد نشر صور رجلين مطلوبين بتهمة إطلاق النار على عصابة مخدرات منافسة في أوبسالا، شمال ستوكهولم. وبعدها بثلاث ساعات، طرق مسلحون مجهولون باب منزل سردار ساريهان ذي الأصول الكردية، والد أحد المطلوبين، ثم أطلقوا النار عليه بينما كانت زوجته مع أطفاله في الطابق العلوي.

وتعتقد السلطات السويدية أن جريمة إطلاق النار كانت انتقامية وفتحت الباب أمام فصلٍ جديد من الوحشية في موجة عنف العصابات، التي حوّلت السويد إلى نقطةٍ ساخنة لجرائم القتل بالأسلحة، بعد أن كانت معروفةً بكونها دولة رفاهٍ مُسالمة داخل أوروبا.

إذ تأتي حروب العصابات للسيطرة على تجارة المخدرات مدفوعةً بتدفق الأسلحة، ورغبة الثأر الشخصي، واستغلال الأعداد الكبيرة من الشباب المتاحين -الذين ينحدر كثير منهم من مجتمعات المهاجرين المهمشة، كما تقول الصحيفة. وأسفرت تلك الحروب عن معدل جرائم قتل بالأسلحة أعلى من المتوسط الأوروبي بضعفين ونصف، وفقاً للمجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة.

وأصبح معدل جرائم القتل الإجمالي في السويد يساوي نحو سُدس المعدل الأمريكي، بعد مقتل 62 شخصاً في جرائم إطلاق النار العام الماضي، بزيادةٍ عن الرقم المسجل في 2021 عند 45 شخصاً فقط. لكن هذا المعدل يُعتبر استثنائياً داخل أوروبا؛ حيث إن معدل جرائم القتل بالأسلحة لكل فرد في استوكهولم أعلى من المعدل نفسه في لندن بـ30 ضعفاً.

وصار الجناة أصغر سناً، كما يتجهون إلى تكتيكات أكثر عنفاً؛ مثل إلقاء القنابل اليدوية وزرع القنابل، ليُصيبوا بذلك أعداداً متزايدة من المارة وحتى الأطفال.

يُعَدُّ روا مجيد -المعروف بلقب “الثعلب الكردي”- أشهر زعماء العصابات الذين يروّجون للعنف بحسب الشرطة السويدية، والكاتب السويدي ديامانت ساليهو، الذي ألّف كتابين عن عصابات الجريمة المنظمة السويدية.

وقال ساليهو للصحيفة الأمريكية: “يُعتبر روا مجيد زعيم عصابةٍ رائداً ولديه طموحات لأن يصبح بابلو إسكوبار الاسكندنافي”. بينما تقول الشرطة السويدية إنها على قناعةٍ بأن رجال مجيد هم الذين نفذوا جريمة قتل ساريهان.

وبحسب الصحيفة، يدير مجيد تجارته في المخدرات من مكان خارج السويد ليكون بعيداً عن قبضة المدعين؛ إذ وصل مجيد إلى السويد كطفل حديث الولادة عام 1986 بعد فرار والديه من كردستان العراق، حيث حاربت أمه ضد حكم صدام حسين ضمن صفوف ميليشيات البيشمركة الكردية اليسارية. وحصل على الجنسية السويدية في وقتٍ لاحق.

وفي شبابه، قضى مجيد الكثير من وقته مع أبناء عمومته الذين سلكوا مسار الجريمة. وتلقى أول حكم بالسجن لمدة ثلاثة أشهر في عام 2006، عندما كان يبلغ من العمر 20 عاماً. وحصل بعدها على حكمين آخرين كان آخرهما في عام 2015، بعد أن عثرت الشرطة على أكوامٍ من الكحول والمخدرات والمجوهرات المسروقة داخل منزله.

وعند إطلاق سراحه في عام 2018، كان مجيد قد اشتهر بلقب “الثعلب الكردي” بين أفراد جماعته. 

تنامي عالم الجريمة في استوكهولم

ولا شك أن مدى العنف الذي رافق حرب العصابات المتنامية قد أثار صدمة العديد من السويديين؛ إذ تعرضت زوجة أحد أفراد العصابات للقتل بالرصاص في الشارع وهي تحمل رضيعها بين ذراعيها. وفي يناير/كانون الثاني، تعرض مطعم في أحد الأحياء العصرية بقلب استوكهولم لانفجار قنبلة.

بينما يقول سكان استوكهولم إنهم يشعرون بالقلق حيال احتمالية انجذاب أطفالهم إلى عالم الجريمة. وأوضحت إحدى سكان ضاحية ألبي جنوب العاصمة قائلةً: “لقد ترعرعت هنا. ولطالما كنت أشعر بالأمان. لكنني أخشى الخروج من المنزل بعد الثامنة مساءً الآن”.

وبدا كأن الحظ قد حالف السلطات السويدية في عام 2020 بعد أن نجح تحقيق أوروبي النطاق في اختراق شبكة هاتف مشفرة تدعى EncroChat، وكانت تستخدمها العصابات الإجرامية. وأسفر ذلك التحقيق عن مئات عمليات الاعتقال، لكن الأمر تسبب كذلك في إطلاق عنان حربٍ للسيطرة على المناطق التي خلت إثر سجن زعماء العصابات.

واستغل مجيد الموقف لتوسيع شبكته التهريبية داخل السويد وخارجها، وحصل على مساعدة جزئية من مخبريه في قوات الشرطة بحسب ما كشفته وثائق EncroChat، ثم فرّ من السويد عندما تم القبض على أحد مهربيه إلى كردستان العراق، مسقط رأس عائلته، وهناك معلومات أنه حاول الحصول على الجنسية التركية من خلال الاستثمار.

ومن هناك، كشفت الرسائل المشفرة التي حصلت عليها السلطات السويدية بأن مجيد ناقش مع شركائه في السويد كيفية قتل عضو في العصابة المنافسة. واقترحوا عليه استخدام المسدسات، وبنادق كلاشينكوف الآلية، وقاذفات القنابل صاروخية الدفع. بينما استغل الموالون له في السويد اسمه من أجل بث الرعب في قلوب الخصوم.

ويواصل مجيد “نشاطه الكبير” في إصدار أوامر تنفيذ أعمال العنف وإدارة تجارة المخدرات الخاصة به داخل السويد بحسب جيكوب فان روجي، رئيس فرقة مهام شرطة استوكهولم المكلفة بالتحقيق في أنشطته منذ ثلاث سنوات.

يُذكر أن تركيا دخلت في خلافٍ مع السويد منذ منعت أنقرة انضمام استوكهولم إلى حلف الناتو، عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا. حيث اتهمت تركيا السويد بإيواء مسلحين أكراد متطرفين، الذين يحاربون الدولة التركية منذ عقود.

جرائم العصابات تؤجج صعود الشعبوية اليمينية في السويد

وأدت عمليات إطلاق النار إلى تأجيج صعود الشعبوية اليمينية؛ نظراً لأن غالبية جرائم إطلاق النار في السويد تقع بين المنحدرين من أصول مهاجرة، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ووعدت حكومة يمين الوسط الجديدة بتشديد سياسات الهجرة، ومضاعفة عقوبات الجرائم المرتكبة في “بيئات العصابات”، وتوسيع استخدام المراقبة الإلكترونية، وطرد المزيد من المجرمين الذين لا يحملون الجنسية السويدية.

إذ قال دانيال بيرغستروم، مستشار وزير العدل السويدي: “لدينا قانون جنائي أكثر تساهلاً مقارنةً ببقية دول العالم. وقد فقدنا سيطرتنا على الموقف”.

لكن الخبراء يقولون إن العنف ليس له تفسير بسيط. حيث أوضح نيكوي دياني، فرد العصابات السابق الذي تحول إلى خبير في علم الإجرام، أن السلطات فشلت في مساعدة كثير من اللاجئين على الاندماج داخل المجتمع. كما قال إن السلطات فصلت أولئك اللاجئين عن بقية المجتمع داخل مجمعات سكنية، دون توفير الكثير من فرص العمل أو العلاج لحالات مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية.

وأردف دياني: “يتحمل الجناة المسؤولية بالطبع، لكنهم يظلون من ضحايا ظروف حياتهم في الوقت ذاته”، حسب تعبيره.

بينما قال ماني غيريل، الأستاذ المساعد بجامعة مالمو، إن سبب المشكلة يرجع إلى سوء الإدماج الاجتماعي. وأوضح أن المشكلة تفاقمت نتيجة سنوات من ضعف الاستجابة من جانب السلطات والشرطة والساسة.

“هذا إرهاب”

فيما قال ساليهو إن ما يتراوح بين 75% و80% من جرائم إطلاق النار المميتة ما تزال دون حل، ولا شك أن انخفاض مخاطر الوقوع في قبضة الشرطة قد دفع بأعداد متزايدة من الشباب إلى القتل -من أجل الحصول على المكافآت التي يدفعها زعماء العصابات.

وفي مارس/آذار من العام الجاري، قالت الشرطة إن رجال مجيد توجهوا إلى منزل سردار ساريهان بعد تورط ابنه آدم مع عصابة منافسة، وإثر كشف هويته في برنامج الجريمة التلفزيوني. وتعرض ساريهان لإطلاق النار في ردهة منزله، حيث أصابته رصاصة في البطن وأخرى في الظهر.

بينما قال المهندس المدني عمر، جد آدم الذي انتقل من تركيا إلى السويد عام 1979، إنه يعتقد أن ابنه قد قُتِلَ من أجل بث الرعب في قلب آدم وعصابته.

وأردف عمر: “لقد عملنا هنا طيلة حياتنا. وكانت حياة ابني جيدةً هنا. وما يحدث في السويد الآن ليس مجرد صراعٍ بين العصابات. هذا إرهاب”.

 

اترك تعليقا

NEW