عندما ألقت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان خطاباً مدته نصف ساعة انتقدت فيه “سياسات الهوية” [نهج سياسي يعكس قيام مجموعة أشخاص يجمعهم رابط أو توجه أو هوية اجتماعية ما بتطوير أجندات سياسية تستند إلى هذه الهويات] والعقيدة الجندرية المتطرفة” [العقيدة الجندرية أو النوع الاجتماعي يشير إلى المواقف المتعلقة بالأدوار المناسبة وحقوق ومسؤوليات الرجال والنساء في المجتمع] يوم الإثنين، كانت تلك المرة الأولى التي يسمع فيها معظم الأشخاص عن “المؤتمر الوطني للقيم المحافظة” National Conservatism Conference.
ولكن على مدار ثلاثة أيام، اكتظت به قاعة كبيرة في وستمنستر على الجهة المقابلة لوزارة الداخلية وجذب مجموعة من الوزراء والنواب المحافظين فضلاً عن شخصيات سياسية رفيعة المستوى.
وقادت المؤتمر مجموعة أميركية تعلن أنها تشعر بالقلق بشأن “الحضارات الغربية” في مواجهة الأعداء المفترضين والمزعومين بمن فيهم “بالأشكال المتطرفة من التسامح الجنسي [موقف اليمين الأميركي الشاجب للانفتاح على مجتمع الميم] sexual licence وفقدان “العائلة التقليدية” إذ يجب أن تكون العلاقات بين الرجال والنساء حصراً.
ويعتبر هذا المؤتمر هو مشروع تابع لمركز الأبحاث “مؤسسة ادموند بورك” Edmund Burke Foundation التي تعلن هدفها المتمثل في “تعزيز مبادئ مفهوم القيم المحافظة القومية في دول الغرب”. كما أنها مرتبطة بمؤسسة أبحاث صهيونية مقرها إسرائيل.
يشير موقع المؤسسة على الإنترنت إلى أنها تأسست عام 2019 ولكنها سجلت كشركة خاصة محدودة المسؤولية في المملكة المتحدة من خلال هيئة “كومبانيز هاوس” Companies House المولجة تسجيل الشركات في مارس (آذار) على يد بروفسور اللاهوت في جامعة كامبردج الدكتور جايمس أور.
ترأس الدكتور أور المؤتمر الذي عقد هذا الأسبوع وأعلن قيم “الإيمان والعائلة والمبادئ” faith, family, flag للجمهور معلناً بأن “مذهب العابرين جنسياً [الأشخاص الذين لا تتوافق هويتهم الجنسية أو ميولهم الجنسية مع جنسهم عند الولادة] يتسبب بعدوى اجتماعية تلحق ضرراً لا عودة عنه لدى جيل الشباب والمجموعات المستضعفة”.
وفي سلسلة من الخطابات الأخرى التي ألقيت هذا الأسبوع، تحدث وزير المجتمعات مايكل غوف بإسهاب عن “الواقع البيولوجي” فيما أعلنت النائبة المحافظة ميريام كايتس بأن معدلات الولادة “تشكل تهديداً شاملاً للمجتمع الغربي بأسره” وأشاد النائب عن حزب المحافظين داني كروغر “بالعائلة التقليدية” بينما قوطعت كلمة جاكوب ريس-موغ من متظاهر حذر من “بوادر الفاشية”.
وأسدل نائب رئيس حزب المحافظين لي اندرسون الستار على المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام بعد ظهر الأربعاء غير عابئ بالغضب الذي أحدثه متحدث سابق في المؤتمر وصف محرقة اليهود “الهولوكوست” بأنها عمل أفسده الألمان” [أي أنهم فشلوا في إتمامه بالكامل].
وقال جو مولهال، مدير الأبحاث في المجموعة المناهضة للتطرف “هوب نات هايت” (الأمل وليس الكراهية) Hope Not Hate إن المواضيع التي نوقشت في المؤتمر “كانت زاخرة بنظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة والشعبوية”.
وصرح لـ”اندبندنت” بأن “حزب المحافظين امتلك دائماً هامشاً تودد من خلاله إلى سياسات اليمين المتطرف ولكن الأمر المقلق والمفاجئ هنا هو أنه في عام 2023، في وقت أصبحت فيه غالبية المجتمع متحررة اجتماعياً بشكل أكبر، يصدر هذا الخطاب عن شخصيات مرموقة”.
وأضاف قائلاً: “ذهب بعض المتحدثبن أبعد من الوطنية واعتنقوا القومية عند حديثهم عن التغيير الديموغرافي والخطاب المناهض للهجرة والنقاش حول عدم توافق المهاجرين مع المجتمع البريطاني ومفهوم تدهور ’الحضارة الغربية‘ وتراجعها ورفض الأشكال العائلية غير النموذجية والإشارة إلى نظرية مؤامرة ’الماركسية الثقافية‘ [نظرية مؤامرة يمينية متطرفة معادية للسامية تدعي أن الماركسية الغربية هي أساس الجهود الأكاديمية والفكرية المستمرة لتخريب الثقافة الغربية] ورهاب التحول الجنسي بشكل صريح كلها أفكار مرتبطة بالتطرف (الراديكالية) المعاصر واليمين المتشدد”.
وفي غضون ذلك، أكدت “داونينغ ستريت” بأن الوزراء حضروا “المؤتمر الوطني للقيم المحافظة” بصفتهم التمثيلية للحكومة موضحاً بأن رئيس الوزراء لا يدعم قيم المنظمين أو محتوى كل الخطابات التي ألقيت.
شكل ذلك رأياً مغايراً بشكل كبير عن الرد الرسمي الذي صدر عندما حضر النائب المحافظ دانيال كاوكزينسكي مؤتمراً مماثلاً في وقت سابق عقد في روما عام 2020.
وعقب مطالبات بفصله من حزبه لحضوره ذلك الحدث الذي حضره أيضاً رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان، أجبر على الاعتذار.
وفي بيان صدر في ذلك الوقت، قال متحدث باسم حزب المحافظين: “جرى تحذير داينال كاوكزينسكي بشكل رسمي بأن حضوره ذلك الحدث لم يكن مقبولاً خصوصاً في ضوء آراء بعض الحاضرين فيه التي نندد بها ونشجبها بشدة وبأنه يتوجب على النائب المسؤول أن يعكس معايير أعلى”.
بعد مرور ثلاث سنوات وتعاقب رئيسي حكومة، لم يطبق منع مماثل على الوزراء الذين رأوا أن مشاركتهم أمر لائق ومناسب في وقت لم تتغير فيه المواضيع التي أثيرت في المؤتمر الوطني للقيم المحافظة.
وفي هذا السياق، يعلن الموقع الرسمي للمجموعة على الإنترنت: “نحن مواطنو البلدان الغربية الذين شاهدوا بقلق بالغ المعتقدات التقليدية والمؤسسات والحريات التي ترتكز عليها الحياة في البلدان التي نحب تتقوّض ويطاح بها”.
ودعت المجموعة إلى إعادة إصلاح “توجه عام حقيقي نحو الوطنية والشجاعة والشرف والولاء والدين والحكمة والرابطة والعائلة والرجل والمرأة” مع نبذ ما يسمى “بالمعتقدات الكونية” universalist ideaologies.
ويركز “بيان المبادئ” الخاص بالمجموعة “الوطنية للقيم المحافظة” بشكل كبير على الدين المسيحي إلى جانب أفكار الهوية والإرث “الغربيين و”العائلة التقليدية”.
وجاء في أحد المقاطع في البيان بأن “العائلة التقليدية التي تقوم على رابط يمتد طوال الحياة بين الرجل والمرأة وعلى علاقة لمدى الحياة بين الأهل والأبناء هي أساس كل الإنجازات الأخرى في حضارتنا. إن تفكك الأسرة بما في ذلك التراجع الملحوظ في الزواج والولادات يهدد بشكل خطر صحة الدول الديمقراطية واستمرارها. ومن بين الأسباب المرتبطة بذلك، نجد الفردانية المتفلتة التي تعتبر الأطفال عبئاً فيما تشجع أشكالاً متطرفة أكثر من الميول الجنسية السلبية كبديل عن مسؤوليات الحياة الأسرية والمجتمعية”.
وإذ أشاد البيان بالإنجيل “على أنه الدليل الأكيد والمضمون للتقاليد السياسية للوطن”، دعا إلى أن تكون الحياة العامة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة “متجذرة بالمسيحية”.
وحمل البيان توقيع أعضاء بارزين في المجموعة “الوطنية للقيم المحافظة”، وأشار إلى أن “الهجرة غير المندمجة” هي “مصدر ضعف وعدم استقرار” وطالب بقيود قد تصل إلى “تجميد الهجرة” بشكل غير محدد.
ولكن البيان أصر على أن القومية بوسعها “أن تقدم “أساساً صحيحاً للمصالحة والوحدة” بين الأشخاص من مختلف الأعراق، وتحترم “الحاجات الفريدة لمجتمعات أقليات معينة”.
وعلمت “اندبندنت” بأنه لم يدفع أي مبلغ مالي للنواب في مقابل إطلالتهم في المؤتمر على رغم أن عديداً من المتحدثين لم يجيبوا عن أسئلة متعلقة بكيفية دعوة النواب المعنيين إلى إلقاء كلمات أو عن سبب موافقتهم القيام بذلك.
ولدى سؤال أحد المتحدثين باسم الحزب في مقر تابع للحزب عن سبب تغير موقف حزب المحافظين حيال المؤتمر منذ انتقاد مشاركة كاوكزينسكي عام 2020، اكتفى المتحدث بالإشارة إلى التعليقات السابقة الصادرة عن “داونينغ ستريت”.
وخلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء، قال المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء ريشي سوناك للمراسلين إنه على رغم محتوى خطابات النواب ورأي منظمي المؤتمر بشأن زواج المثليين، لم يحدث “أي تغيير في سياسة الحكومة”.
وقال إن رئيس الحكومة لم يتفق مع بيان كروغر القائل إن “العائلة النموذجية” من أم وأب هي الأساس الوحيد لاستمرار المجتمع وحسن سيره وبأنه لم يدعم شخصياً ذلك التجمع.
© The Independent