اندبندنت: تركيا تتلاعب بالرباعية وتتمسك باحتلال أراضي سورية والكلمة للانتخابات

السكة – المحطة الدولية – وكالات

مع كل الحراك الدبلوماسي وإنهاء القطيعة على المستوى الإقليمي وتقارب تشهده دول المنطقة في الآونة الأخيرة، يظل التطبيع بين أنقرة ودمشق أمراً يشوبه كثير من الحذر كونه يأتي في توقيت يحاول طرفا الانتخابات التركية الظفر بالحكم والفوز في تصويت كلمة السر به هي (اللاجئين)، التي شق عبرها كل حزب سياسي دربه سعياً إلى المجد والسلطة من خلال التلويح بورقة عودة طالبي اللجوء إلى ديارهم من دون طريق إياب واضح المعالم حتى اللحظة.

بلا أدنى شك يحاول الكرملين، عراب اللقاءات الرباعية (سوريا وتركيا وإيران وروسيا)، الدفع سريعاً إلى إنهاء قطيعة دمشق وجارتها أنقرة سعياً منه إلى تهيئة أجواء ومناخ ملائمين في منطقة يحاول جاهداً لكسبها، خصوصاً أنه يعيش حرباً تتسع دوائرها على الأراضي الأوكرانية، كمن يلقي حجراً في ماء راكدة، لكنه في الوقت نفسه لم يستطع رغم إصراره على إجراء تسوية سياسية سوى النجاح بتمهيد مصافحة بين وزيري خارجية سوريا وتركيا، إذ لا تزال وقائع التفاهمات على الورق يخشى أن تمزقها المواقف الثابتة وعدم تقديم التنازلات.

من جهتها لم تحد دمشق عن مطلبها بانسحاب الجيش التركي من الشمال السوري كشرط أساسي للتفاوض، بينما تبدو أنقرة أكثر إصراراً على البقاء، لكن اللافت للنظر أنه منذ انعقاد أول لقاء من نوعه منذ 2011 بين وزيري الخارجية مولود تشاويش أوغلو وفيصل المقداد، لم تحدث أي تطورات على أرض الواقع، خصوصاً تنفيذ طلب موسكو رسم خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين الجارتين بل شهدت الأيام السابقة سخونة بتصريحات متبادلة فيها تمسك بالمواقف.

تعثر المفاوضات

حين أدار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ظهره لمطلب الجانب السوري معلناً أن بلاده لن تسحب جنودها بعد مواصلة ما وصفه “بالتهديدات الإرهابية”، أعطى ذلك مؤشراً عن تأرجح المسار التفاوضي، الذي يشي بكثير من التعثرات، لا سيما تصريح أردوغان لقناة “سي أن أن  إنترناشيونال” الذي بدا فيه مصمماً على السير نحو هدف إعادة اللاجئين من خلال إنشاء مدن سكنية على أراض سورية تقع شمالاً، وتتبع لنفوذ المعارضة المدعومة من أنقرة، وهي طريقة لا تستهوي دمشق ويصفها متخصصون سياسيون شكلاً من أشكال “التغيير الديموغرافي”.

وقال أردوغان آنذاك “لقد أعددنا مشاريع لبناء مساكن في سوريا بهدف إعادة قرابة مليون لاجئ، وسنضمن عودة اللاجئين إلى أوطانهم”.

بدوره، يرجح المتخصص الأكاديمي في شؤون السياسية التركية جمال نور الدين، وجود حالة فتور تعتري التقارب، لافتاً الانتباه إلى أن الشرط السوري يكاد يشكل مأزقاً يصعب على أنقرة المجازفة بالتخلي عنه بعد كل ما وصلت إليه.

وفي حديثه إلى “اندبندنت عربية”، يجزم نور الدين بأن التوجهات التركية نحو سوريا متعلقة بالانتخابات، فالمعارضة والحكومة على حد سواء مهتمتان بالتطبيع مع دمشق لكسب الشارع لكن أردوغان لن يخاطر بإعادة جيشه بعد كل ما بذله من دماء في ثلاث عمليات عسكرية بين عامي 2016 و2019، كما أن قرار الانسحاب يكاد يكون شبه مستحيل وعبثي، مرجعاً ذلك إلى التخوف من سقوط البلدات والمناطق بيد القوات الكردية الحليفة للولايات المتحدة.

وقال “أمامنا في خريطة طريق التطبيع بين دمشق وأنقرة عدة سيناريوهات إما أن تخضع تركيا وتنسحب أو أن ترفض الطلب السوري، وتحاول كسب الوقت حتى إعلان فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات، وتكمل مشوارها ببناء وحدات سكنية على امتداد الشريط الحدودي، كدرع بشرية خالية تماماً من المكون الكردي وهو ما تسعى إليه لضمان أمنها”.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد عبر عن تفاؤله بإيجاد خريطة طريق بالتوازي مع ضمان سيطرة سوريا على كل أراضيها، حيث قال في كلمة متلفزة في الـ10 من مايو (أيار) الجاري على هامش اجتماع وزراء خارجية الرباعية “من المقرر رفع خريطة الطريق إلى رؤساء الدول وتتضمن مواقيت زمنية لتنفيذ المبادئ المتفق عليها، ولا بد من احترام سيادة سوريا وضمان أمن حدودها”.

وتوقع رضوخ الجانب السوري إلى التفاوض من دون شروط لاستكمال مسار فك العزلة عن دمشق، خصوصاً في ظل ميل تركيا إلى السياسة الروسية أكثر من الأميركية، بعد إمدادها بالمنظومة العسكرية “أس 300″ و”أس 400” مع دعم سياسي مطلق، علاوة على حاجة سوريا إلى حليف إضافي، لكن في حال فشل الرباعية سيتحول الشمال السوري إلى بؤرة توتر من جديد.

الحل المنشود

 في غضون ذلك تتجه الأنظار إلى جولات إضافية للرباعية، التي تحتاج إلى مزيد من العناية من قبل موسكو وإلى كثير من التنازل، يطمح فريق المعارضة إلى فشلها لأنها تعطي للحكومة السورية مزيداً من الانفتاح على الجوار.

أما الشارع السياسي في سوريا فلا يتمسك بالرباعية بالقدر الكافي قبل انتهاء جولة الإعادة من الانتخابات، في حين يعتبر الناطق باسم المصالحة الوطنية عمر رحمون عودة اللاجئين من تركيا أولوية لدى أنقرة، وخروج قوات أردوغان من الأراضي السورية أولوية دمشق.

رحمون قال في تغريدة له على “تويتر” “لن يعود اللاجئون السوريون إلى سوريا حتى يخرج الجيش التركي من الشمال السوري، انسحبوا من أرضنا ليعود أبناؤنا إلى سوريا”.

وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد حذر في كلمته أمام القمة العربية في جدة من السياسة التركية والفكر التوسعي، الذي وصفه بأنه “مستمد من العهد العثماني المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”.

كل هذا الاشتباك السياسي يأتي وسط معركة الصناديق التي علت أصواتها على أزيز الرصاص من خنادق خطوط التماس في الشمال السوري بين الأكراد والأتراك، وكل الأطراف المتنازعة ستبقى تشخص أنظارها نحو نتائج التصويت لمعرفة من الفائز بها، الذي سيقرر كيف ستبدو خريطة الطريق إما إلى السلام أو الحرب.

اترك تعليقا

NEW