مجددا .. منظمة التحرير .. بين الفدائي والخائن من يمثل شرعية الحق الفلسطيني

السكة – المحطة الفلسطينية – كتب محمد أبو رحمة

ما بين الممثل الشرعي والوحيد وما بين الخائن الأكير لقضية الشعب الفلسطيني ، وحقوقه، وتضحياته، ما تزال منظمة التحرير الفلسطينية تشكل محور الصراع الفلسطيني الفلسطيني، والفلسطيني العربي، والفلسطيني الدولي على صعيد مآلات الصراع وأحواله وتحولاته .

المنظمة التي أسسها وقادها القائد “الذي اغتيل ولما يزل بعد على قيد الحياة أحمد الشقيري” ، ودعمها بلا تحفظ القائد الخالد جمال عبد الناصر ، وحاول بمناقب بعيدة النظر أن يبقيها على قيد الحياة القائد جورج حبش ابن تجربة القوميين العرب ومستلهم تجربة الجهاد المقدس، ومنحها إكسير الحياة أحمد جبريل، وسطت عليها ثم عبثت ببوصلتها حركة فتح ، وقزمتها الى مستوى سلطة وظيفية ذات صبغة فلسطينية اسمها  “سلطة الحكم الذاتي الوظيفي والتوظيفي المحدود” في صيغة تشبه الى حد التوأمة “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” .. (المنظمة الأممية الوحيدة في العالم التي عملت على تشغيل اللاجئين بدلا من إعادتهم الى بلادهم) ..

كل من عرف حركة فتح، ومن قرأ أدبياتها، ومن كان مطلعا على اتجاهها العام سيلاحظ قائمة من الحقائق التالية:

أولا : عملت على تكريس منظومة وعي تقوم على شيطنة كل ما هو عربي أكثر مما تكرس فكرة العداء للمشروع الإستعماري الغربي ممثلا بالحركة الصهيونية ذات الصبغة اليهودية.

وبتعبير آحر .. اشتغلت حركة فتح على إزاحة ثم تحويل غضب الشعب الفلسطيني وطاقته الثورية، الكامنة أو المتفجرة، ضد العرب لا ضد الإحتلال .

ثانيا: قامت حركة فتح باستغلال العامل العاطفي /النفسي لترويج ذاتها كحركة تمثل آلام ومأساة الشعب الفلسطيني في بعدها الإجتماعي الإنساني الثقافي ، عبر دعمها لشعراء مبدعين، وكتاب قصة، وروائيين ورسامي كاريكاتور، وفنانين تشكيليين، وممثلين مسرحيين، ومغنين فلسطينيين ، وعربا، وصحافيين، وفي هذا السياق قامت بدعم فرقة العاشقين وإعادة إنتاج أغاني الفرقة المركزية، زمن الجهاد المقدس ، والحاصل أنها “سرقت وسطت واستولت ثم وظفت”  الفضاء الثقافي لقضية الشعب الفلسطيني وكيانه وكينونته . من أجل تحويله الى شعب عبد لنظام أداتي وظيفي عربي آخر ، يعمل على وأد روح الثورة ونزعة التحدي الفدائية في الشعب العربي الفلسطيني.

ثالثا: تحالفت حركة فتح ” وقناعها منظمة التحرير” مع الحركات الظلامية ذات الصبغة الإسلامية ، ضد الأنظمة الرافضة للسيطرة الأجنبية ، فدعمت ودربت عصابات الإخوان المسلمين ضد سورية في الأعوام بين 1078 “بالتزامن مع توقيع مصر لاتفاقية الإستسلام في كامب ديفيد” وبين العام 1981 عندما انفجرت أحداث حماة، ثم تبين لاحقا أن عددا غير قليل من مجرمي الإخوان تدربوا في معسكرات فتح في لبنان !. 

ويضاف الى هذا السياق تواطؤ منظمة التحرير لصاحبها حركة فتح تسليم قادة معارضين لأنظمة بلادهم الرجعية “من أجل حفنة دولارات أو ريالات أو دارهم معدودة بثمن بخس” 

رابعا: مارست منظمة التحرير “في زمن سيطرة حركة فتح ” عملية احتيال استعراضية ذات صبغة ثورية فدائية ” وظفت خلالها، بشكل غبي وعشوائي وقصير النظر،  وسائل الإعلام الغربية والعربية .. من شاكلة ” مونتي كارلو” وراديو لندن لتغطية عمليات من شاكلة  “عملية ميونبخ” ومن شاكلة عملية دلال المغربي” ومن شاكلة “خطف الطائرات” .. ولم يكن مسموحا لأحد داخل مثل هذه التركيبة الشوهاء أن يسأل : لماذا جاءت دلال المغربي من لبنان ولم تأت من الرملة أو اللد أو الناصرة أو عكا؟ لماذا تقاتل الثورة من الخارج ولم تنشيء جناخا عسكريا في الداخل المحتل؟ .. 

خامسا : اعلنت حركة فتح عن انطلاقتها عام 1965 ثم سيطرت على منظمة التحرير الفلسطينية غام 1969 أي بعد أربعة أعوام فقط ؟ وهذا رقم فلكي بكل المقاييس، ثم ماذا فعلت بتلك السيطرة .. علملت على سحب ودفع وجر بقية التنظيمات بعد خمس سنوات فقط عام 1974 الى إقرار البرنامج المرحلي ” إقامة دول على أي جزء يتم تحريره” وهذا يعني الإعتراف بحق الإحتلال في الوجود داخل حدود آمنة على بقية الأجزاء؟ 

احتلّت قضيّةُ تمثيل الشّعب الفلسطينيّ سلّمَ أولويّات مُنظمة التحرير منذ تأسيسها عام 1964. وفي قمة الرباط عام 1974، تمكّنت المنظمة من تثبيت شرعيّتها مع اعتراف الدول العربيّة بها مُمثلاً شرعيّاً ووحيداً للشعب الفلسطينيّ. لاحقاً، ومع حضور السّلطة الفلسطينيّة وأجهزتها القويّ، تراجع دورُ المنظمة وحضورها، فتحوّلت وما تُمثِّله إلى ورقةِ شرعنةٍ تُستدعى وقتَ الحاجة. 

كان أول من استدعى هذه الشّرعية الرئيسُ ياسر عرفات. أبرز الأمثلة على ذلك، عقدُ جلسةٍ خاصّة للمجلس الوطنيّ من أجل تمرير تعديلاتٍ على الميثاق الفلسطينيّ عام 1998، والتي تضمّنت التصويتَ على إزالة المواد الداعية لزوال “إسرائيل” والموافقة على استمرار عملية السّلام، من خلال رفع الجمهور أياديهم والوقوف والتصفيق بصورةٍ احتفاليّة، غابت عنها أدنى مظاهر الجديّة التي تناسب ضخامة الحدث وأهمية القرارات المتخذة فيه. 

أمّا محمود عبّاس، فقد ساعدته شرعيّةُ المنظمّة، ومنصِبُهُ كرئيسٍ للجنة التنفيذيّة فيها عام 2004، في تثبيت أركان حكمه ومواجهة خصومه داخل الحركة أو خارجها. مثلاً، استخدم عبّاس تلك “الشرعيّة” كأداةٍ لمواجهة وعزل حركة “حماس”، ففي المراحل الأولى لجولات المصالحة عام 2008، أصرّت حركة “فتح” على أنّ الإشكال ليس بين “فتح” و”حماس”، بل بين فصائل العمل الوطنيّ (منظمة التحرير) و”حماس”. كما استخدمت “فتح” شرعيةَ التمثيلِ كفزّاعةٍ لمعارضةِ أيِّ نشاطٍ أو كيان يهدف إلى تجميع الفلسطينيّين خارج إطارها، مثلما جرى مع المؤتمر الشعبيّ لفلسطينيي الخارج الذي تعرّض لهجوم واسع، واتُهِمَ بمحاولة الالتفاف على تمثيليّة المُنظمة وإضعافها.

أما التوظيفُ الأخطر، فكانَ في اللجوء إلى شرعية المنظمة كبديلٍ عن الشرعية الانتخابيّة. في عام 2008، وعند اقتراب انتهاء ولايته من رئاسة السُّلطة الفلسطينيّة، استدعى عبّاس -المُنتخب عام 2005- شرعيّةَ المنظمة من بوابة المجلس المركزيّ1 لينتخبه رئيساً لدولة فلسطين، وذلك تجنباً لتنظيم انتخابات رئاسيّة أو شغور المنصب. لاحقاً، استكمل عبّاس مسارَ ترميم شرعيته بعقد جلسةٍ طارئةٍ للمجلس الوطنيّ، شهدت توافقاً على تشكيلٍ جديدٍ لأعضاء اللجنة التنفيذيّة بعد شغور 6 مقاعد فيها، وهكذا ثبّت عبّاس سيطرته وتحكمه في ثلاث رئاسات: اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، ودولة فلسطين، وحركة “فتح”.

جلسة المجلس الوطني التي عقدت عام 1998 في غزّة من أجل التصويت على إجراء تعديلات في الميثاق الوطني الفلسطيني، وذلك بحضور الرئيس الأميركي بيل كلنتون

المال سياطٌ على من يفتح فمه

مع تولّيه رئاسة اللجنة التنفيذيّة لمُنظّمة التحرير عام 1969، خلفاً لأحمد الشقيري، حرصَ ياسر عرفات على فرض سيطرته على مالية المنظمة المُتمثّلة بالصندوق القوميّ الفلسطيني، وذلك بوضعه كوادر من “فتح” على رأس مكاتب المنظمة.2 وفي ظلّ هذه السيطرة، حُوّلت مُعظم أموال المنظمة إلى ماليّة “فتح” بدلاً من الصندوق القوميّ. وهي أموالٌ كانت تأتي من مصادر متنوعة، أهمها: مساعدات الدول العربيّة والصديقة،3 والتبرعات التي كانت تجمعها المنظمة من الفلسطينيين حول العالم تحت مسمى “ضريبة التحرير”.4

تعرّض الصندوق القومي إلى تهميشٍ وإضعافٍ في دوره الرقابيّ والإداريّ، فوفقاً لخيري أبو الجبين، الذي شغل منصب أمين سرّ مجلس إدارة الصندوق لمدّة 15 عاماً، فإنّ نسبة إشراف الصندوق على ماليّة المُنظمة لم تتعدَ 22%. أما المُتبقّي من ذلك، فـ 20% من الميزانية كانت مُخصَّصةً لمؤسسة أسر الشُّهداء، و15% كانت مُخصّصةً للهلال الأحمر الفلسطيني، وهما مؤسستان لم يكن للصندوق إشراف عليهما. فيما ذهبت النسبة الأكبر من الميزانيّة، وهي 40%، إلى الدائرة العسكريّة التي خضعت لهيمنة عرفات5، تلك الدائرة هي جسم آخر تحكّم عرفات به وبمخصصاته، وهي دائرة تُشرف على قوات وكوادر المنظمة من العسكريين، الذين شكّلوا الجزء الأكبر من بيروقراطية المنظمة. ساعده في ذلك أنّه صاحب منصب القائد العام لقوّات الثورة الفلسطينية، فعزّز نفوذه على العسكريّين، مستخدماً حصتهم في المجلسين الوطنيّ والمركزيّ والهيئات القيادية الأخرى لموازنة خصومه في المنظمة. 

خيري أبو الجبين، يجلس على يمين ياسر عرفات، والذي شغل منصب أمين سرّ مجلس إدارة الصندوق القومي لمدّة 15 عاماً .

ومع تأسيس السّلطة الفلسطينيّة، تحوّلت أغلب المصادر التقليديّة للصندوق كالمساعدات والمنح إلى خزينة وزارة الماليّة، التي اعتمد عليها الصندوقُ بصورةٍ متزايدةٍ لتمويل مصاريف ورواتب وميزانيات مؤسسات وفصائل المنظمة.6

لم تختلفْ سياسة عبّاس الماليّة عن سياسة سابقه، سواءً في غياب الشفافية الماليّة أو في التحكّم بمالية المنظمة. إذ عيّن رمزي الخوري مديراً للصندوق، وتمكّن عبره من التحكم في المسائل الماليّة للمنظمة، مُستغلّاً ضعف حضور رئيس مجلس إدارة الصّندوق وعضو اللجنة التنفيذيّة محمد زهدي النشاشيبي. وعلى الرغم من انعقاد المجلس الوطنيّ عام 2018 وإعادة تشكيل اللجنة التنفيذيّة، إلا أنّ عباس كان حريصاً على إبقاء رئاسة مجلس إدارة الصّندوق شاغرة دون أن يتولى أيٌّ من أعضاء اللجنة التنفيذية إدارتها حتّى الآن.

مكّنت هذه الوضعية عبّاس من استخدام المال المُخصّص للفصائل الفلسطينيّة كأداةٍ للثواب والعقاب مع فصائل المنظمة.7 خلال الفترة ما بين 2010-2018 استخدم أبو مازن ورقة قطع المخصصات الشهريّة عن فصائل في المنظمة في ثماني مناسبات، تتعلّق جميعها بانتقادات على سياسة السُّلطة الفلسطينيّة. عام 2010 مثلاً، أوقف محمود عبّاس مخصّصات الجبهة الشعبية من الصندوق على إثر تعليق مشاركتها في منظمة التحرير احتجاجاً على عودة السُّلطة إلى المفاوضات المباشرة مع “إسرائيل”. تكرّر المشهد عام 2012 بعد انتقادها لسياسات حكومة سلام فياض الاقتصاديّة، وكذلك في أعوام 2014-2016-2017-2018 على إثر انتقادات وجهتها الشعبيّةُ لسياسات الرئيس عبّاس وطريقة إدارته لمنظمة التحرير وعدم التزامه بقرارات الهيئات القياديّة الصادرة عنها. ولم تقتصر هذه العقوبات على الجبهة الشعبية وحدها، بل امتدت لفصائل أخرى على رأسها الجبهة الديمقراطية. 

أمّا مؤخراً وخلال فترة تجهيز القوائم الانتخابيّة، وظّف أبو مازن مُقدّرات الصندوق في صراعه الداخلي في حركة “فتح”، إذ أوقف المُخصّصات المُقدّمة لمؤسسة ياسر عرفات التي يرأس مجلسَ إدارتها ناصر القدوة، وذلك إثر تشكيله قائمة مُستقلّة عن قائمة “فتح” الرسميّة للمنافسة في الانتخابات التشريعية التي كان من المنوي عقدها في مايو/ أيار الجاري.8

التلويحُ بالمقعد

سهّلت هيمنةُ عرفات على مالية المنظمة مَهمة التحكّم في مؤسساتها، والتي شهدت في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي توسعاً كبيراً في عمليات التوظيف، مدفوعةً بتزايد التدفقات النقديّة العربيّة وتحديداً الخليجيّة. لم يكن يُنفّذ إجراءٌ في المُنظّمة، من الابتعاث في دوراتٍ تدريبيّةٍ إلى الحصول على الإجازات المرضيّة والدراسيّة، إلّا ويمرّ على مكتب عرفات. كما احتكرَ عرفات أداةَ توزيع الوظائف والمنافع المرتبطة بها.

ساهم هذا في سعي الكوادر والقيادات الوسطى نحو علاقةٍ مباشرةٍ مع مكتب القائد العامّ، مُتجاوزين القيادات العليا التي يتبعون لها، ذلك لأنّهم أدركوا أن مصالحهم الشخصيّة مرهونةٌ بموافقةِ مكتب عرفات. مكّن هذا الأمرُ عرفاتَ من السّيطرة على مؤسسات المُنظّمة عن طريق ضمان ولاءِ كوادرها، ومنعِ خصومِهِ فيها من تشكيلِ أي مراكز قوى قد تهدّدُ نفوذَهُ فيها، وبالتالي ضمان سيطرته على المنظمة.9

لاحقاً، ومع تأسيس السّلطة الفلسطينيّة، لجأت بعض فصائل المُنظمة التي كانت عاجزةً عن تكوين قاعدة جماهيريّة لها، إلى تعاقدٍ جديد مع حركة “فتح”. بموجب هذا التعاقد حافظت قيادات تلك الفصائل على حضورها “الرمزيّ” في الحياة السياسيّة الفلسطينيّة (من خلال مشاركتها في اجتماعات “القيادة الفلسطينيّة”، التي ضمّت أعضاء اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، وأعضاء اللجنة المركزيّة لحركة “فتح”، وقيادات في أجهزة السلطة)، وبمقابل ذلك التزمت بالخط السياسيّ لحركة “فتح” وعملت على تغطيته سياسيّاً.

استخدم عبّاس هذه الصيغة مع فصائل المنظمة في مُناسبات عدّة. فمثلاً، شهد تشكيلُ حكومة محمد اشتيّة مُقاطعة أغلب الفصائل الفلسطينيّة، فيما شارك حزب الشّعب، وجبهة النضال الشعبيّ، وحزب فدا، مقابل مقاعد وزاريّة.10 تكرّر المشهد ذاته في اجتماع المجلس الوطنيّ عام 2018، والذي شهد مقاطعةً من عددٍ من الفصائل الفلسطينيّة والشخصيات السياسيّة. إلا أن عبّاس ضمِنَ مشاركة آخرين من خلال وعدهم بالاحتفاظ بمقاعدهم في اللجنة التنفيذيّة للمنظمة، مثل: جبهة النضال الشعبيّ، وجبهة التحرير الفلسطيني، وجبهة التحرير العربية، وحزب فدا، والمبادرة الوطنيّة، والجبهة الديمقراطية.11 أمّا الأخيرة فشاركت في المجلس طمعاً بالحفاظ على رئاستها لدائرة شؤون المغتربين التي تسيطر عليها لسنوات طويلة، إلا أنّ عباس تنكَّر لها ومنح “فتح” رئاسة تلك الدائرة. تكرر مثلَ هذا السيناريو مع المبادرة الوطنية، التي طمحت من وراء مشاركتها في المجلس تولّي أمينها العام مصطفى البرغوثي عضوية اللجنة التنفيذية، لكنها لم تحصل على ذلك.

كذلك، امتدّت لعبة حركة “فتح” في السّيطرة على اللجنة التنفيذيّة إلى مقاعد المُستقلين، إذ استخدمتها من خلال تعيين شخصيات فتحاويّة غير مستقلة فيها أو شخصيات مقرّبةٍ من “فتح”. في التشكيل الأخير للجنة التنفيذية (2018)، اعتبر كلٌّ من الآتية أسماؤهم “مستقلين”: أحمد أبو هولي النائب سابقاً عن حركة “فتح”، وأحمد بيوض التميمي عضو المجلس الثوريّ سابقاً، وعلي أبو زهري وزياد أبو عمرو الوزرين السابقين والمقرّبين من “فتح”.

إنّ الدعوات و”المحاولات” لإصلاح منظمة التَّحرير ليست جديدة. فمنذ تأسيسها والنقاشُ حول ضرورة إصلاحها حاضرٌ لدى الفصائل الفلسطينيّة، وتحديداً الجبهة الشعبيّة التي ركّزت معارضتَها على سياسة حركة “فتح” من عملية التسوية وشكل إدارتها للمنظمة.12 ومع اندلاع الانتفاضة الأولى، تصدّت حركة “حماس” لمهمة معارضة القيادة المتنفذة في المنظمة، ورفضت الانخراط في إطارها أو الاعتراف بها ممثلاً شرعيّاً للشعب الفلسطينيّ دون إجراء إصلاحاتٍ تنظيميّة وسياسيّة تكسر هيمنة “فتح” على المنظمة، وتشمل مراجعة الموقف من عملية التسوية والعلاقة مع الاحتلال.13

مع نهاية الانتفاضة الثانيّة، وقّعت الفصائلُ الفلسطينيّة وعلى رأسها حركتا “حماس” و”فتح” اتفاق القاهرة 2005 الذي تضمّن اعترافَ “حماس” بالمنظمة ممثلاً شرعيّاً للشعب الفلسطيني، وتمَّ تشكيل الإطار القياديّ المؤقت للمنظمة على أساس.14 وعلى الرغم من أنَّ بند إصلاح المنظمة احتفظ بموقعٍ أساسيٍّ في كافة جولات الحوار واتفاقيات المصالحة ما بين الفصائل الفلسطينيّة، إلا إنه، وبفعل مماطلة “فتح”، لم يُبحث شكلُ هذا الإصلاح وكيفية إتمامه، فلم تلتقِ الفصائل خلال السنوات الماضية إلا لقاءً يتيماً في بيروت 2017 لبحث انتخابات المجلس الوطنيّ والتي أصبحت العنوانَ الأوّلَ لإصلاح منظمة التحرير.

أمّا في الإعلان الأخير للانتخابات العامة، فقد راهنت “حماس” والجهاد الإسلاميّ على انتخابات المجلس الوطنيّ باعتبارها مدخلاً لإصلاح المنظمة من العطب الذي أصابها نتيجة ابتلاع حركة “فتح” والسّلطة الفلسطينيّة لها. من خلال ضخّ دماء ووجوه جديدة في المنظّمة، رأت تلك الفصائل فرصةً لوضع حدٍّ لهيمنة “فتح” وبالتالي تفعيل الدور الرقابيّ والسياسيّ لها، وإعادة الاعتبار إلى دور اللاجئين الفلسطينيين في عملية صنع القرار.

غير أنّ هذا المنطق، وعلى أهميته، تشوبه العديد من الفراغات، فليس ثمّة تفاصيل لكيف من المُمكن أن يتمّ الإصلاح من داخل المُنظمة التي انخفضَ سقفها مع السنين العجاف. ليست هناك قدرة “تقنيّة” ولا سياسيّة لإشراك اللاجئين، وليست هناك إجابات واضحة للإشكالية المتعلقة بإصلاح وتفعيل الشقّ التنفيذيّ من المنظمة، والمكوّن من مجموعة من الدوائر والمؤسسات والمنظمات الشعبية المنتشرة في مختلف بلدان العالم، والمهيمن عليها بشكل عام من كوادر “فتح”.

أما الدليل الأخير على تلك الهيمنة الكاملة، فهو تفرّد هذه النخبة السياسيّة بقرار الانتخابات التي أجّلها (أو ألغاها بالأحرى) أبو مازن، فقطع أيَّ “أمل” كان معروضاً على تلك الفصائل. يصطدم منطق إصلاح المُنظمة بهذا الواقع بالأساس، والذي يُشير أيضاً إلى أنّ حزب السلطة لن يتردّد -في حال دخول “حماس” والجهاد المنظمة- في تفصيل المجلس الوطني على مقاسه بما يضمنُ سيطرته، وبالتالي تثبيت الوضع القائم والحيلولة دون إحداث تغييراتٍ جذريّة على بنية المنظمة. 

 

اترك تعليقا

NEW