الأزمة المعيشية تتفاقم وتهدد نصف سكان السودان

السكة – المحطة العربية – وكالات 

بعد مُضِي ما يزيد على شهرين من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” تفاقمت الأوضاع المعيشية والإنسانية وانحدرت نحو الكارثة، ما سبب ضغوطاً ومعاناة بدرجة لا توصف لمعظم سكان الخرطوم الذين يقارب عددهم أربعة ملايين نسمة بعد نزوح مليون شخص إلى داخل البلاد وخارجها.

وأدى حرق وتدمير وإغلاق المصانع ومستودعات الغاز والوقود بجانب عمليات النهب والسلب للمحال التجارية والأسواق إلى نقص في المواد الغذائية والسلع الاستراتيجية وارتفاع الأسعار بنسبة وصلت إلى 300 في المئة بالعاصمة ومدن سودانية عدة، ولم يعد بمقدور المواطنين توفير حاجاتهم اليومية من الغذاء لعدم توافر المال اللازم، بخاصة أن كثيرين يعتمدون على الأعمال اليومية التي توقفت بدورها تماماً بسبب المعارك الحربية، فضلاً عن فئة الموظفين والعمال الذين لم يتقاضوا حتى الآن رواتب ثلاثة أشهر.

عوائق الإغاثة

على رغم وصول كميات كبيرة من مواد الإغاثة إلى مدينة بورتسودان، لم تحدث أي انفراجة تذكر حتى اللحظة في ظل بطء وعدم انسياب وصولها إلى المحتاجين والفارين من ويلات الحرب، في وقت قالت وكالات إغاثة إنها لا تزال تواجه عراقيل بسبب القتال والقيود البيروقراطية وعمليات السلب والنهب.

وسبق أن أعلنت هدن عدة منذ اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، معظمها برعاية سعودية وأميركية، لكن لم يتم التزامها كلياً على الأرض، بالتالي تصل المساعدات الإنسانية بصعوبة وبكميات قليلة.

في غضون ذلك، يحتاج 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان وعددهم نحو 45 مليوناً، إلى المساعدة في بلد كان يعد من أكثر دول العالم فقراً حتى قبل اندلاع النزاع وفقاً لتقديرات للأمم المتحدة، وحذر مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان إدي راو من أن “الحاجات الإنسانية بلغت مستويات قياسية في وقت لا تبدو أي مؤشرات إلى نهاية للنزاع”.

يقول المواطن فتح الرحمن طه إن “الوضع الإنساني كارثي للغاية، فالمواد الغذائية نفدت من الأسواق تماماً، كما أن المصانع والمخابز توقفت عن العمل، والأمر المؤسف تصاعد أسعار السلع لأعلى معدل في استغلال واضح للمواطنين على رغم انعدام النقود لدى غالبية سكان الخرطوم الذين يعتصرهم الجوع نتيجة الحصار القصري في المنازل وعدم انخراطهم في العمل منذ شهرين بسبب القصف المتواصل الذي يعيق حركة الناس حتى داخل الأحياء”.

ويضيف طه أن “وصول الإغاثة إلى مدينة بورتسودان نسمع به في وسائل الإعلام من الأسبوع الثالث لبداية الحرب، ولا نراها على أرض الواقع، وحتى الآن لم يستفد منها أي شخص متضرر، ونخشي أن يطاول الجوع فئات عدة خصوصاً إذا استمر القتال ولم تؤمن طرق إيصال المساعدات”، مشيراً إلى أن “هناك سلعاً أساسية انعدمت في الأسواق مثل الرز والدقيق والعدس والزيوت والمياه الغازية، كما ارتفعت أسعار الصابون بأنواعه المختلفة”.

مخاوف وهواجس

وسادت مخاوف من تسرب المواد الإغاثية إلى أيادٍ غير أمينة وإهدار الدعم الخارجي مع بدء تدفقه إلى مدينة بورتسودان خلال الفترة الأخيرة.

اعتبر أحد المواطنين بمنطقة الثورات في أم درمان ويدعى حامد علي جابر أن “تكفل المنظمات الإنسانية بتوزيع المواد الغذائية والأدوية وغيرها على المتضررين مباشرة يسهم في حل الأزمات بصورة عاجلة، بخاصة إذا سمح طرفا الصراع بإيصال المساعدات عبر ممرات آمنة”.

وقال جابر إن “دول العالم تسابقت في التفاعل مع الأحداث وتقديم العون، لكن هواجس الماضي ظلت تلاحق المنظمات التي تدعم السودان خلال الكوارث الطبيعية، لأن التجارب السابقة جُلها إن لم نقل كلها كانت مليئة بالتلاعب في مواد الإغاثة”، مشيراً إلى أن “ذاكرة الشعب السوداني والدول الداعمة تحتفظ بتجارب كثيرة لتبرعات جاءت خصيصاً لمتأثرين وفقراء ولكن ضلت طريقها إلى الأسواق عبر سماسرة الإغاثات، وتفشت هذه الظاهرة لدرجة جعلت بعض الجهات تتكفل بنفسها بتوزيع كل المواد للمحتاجين بشكل مباشر”.

دعم دولي

واستهدف مؤتمر الاستجابة الإنسانية لجمع التبرعات في جنيف الإثنين الماضي برعاية السعودية ومشاركة قطر ومصر وألمانيا والأمم المتحدة، ممثلة بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، والاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حشد تعهدات لدعم جهود الإغاثة التي أعاقتها انتهاكات وقف إطلاق النار والنهب والتعقيدات البيروقراطية.

وقال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة مارتن غريفيث إن المانحين تعهدوا بنحو 1.5 مليار دولار، ولم يتضح بعد إذا كانت كل الأموال جديدة أو متى ستصرف، ويشمل ذلك 200 مليون يورو (218 مليون دولار) من ألمانيا حتى عام 2024، و171 مليون دولار قدمتهم الولايات المتحدة و190 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي (206.5 مليون دولار)، إضافة إلى مبلغ 50 مليون دولار من قطر.

ووجهت الأمم المتحدة نداءين لمعالجة الأزمة عبر الاستجابة الإنسانية داخل السودان ولحاجات اللاجئين في الدول المجاورة، معلنة حاجتها إلى نحو 3 مليارات دولار هذا العام لم تحصل سوى على أقل من 17 في المئة منها.

جريمة إنسانية

ويرى المحلل الاقتصادي أبو بكر الهادي نقد أن “استمرار الحرب وانتشار فوضي السلب والنهب يسهم في منع دخول الأغذية والسلع من مناطق الإنتاج إلى مدن عدة، خصوصاً أن العاصمة الخرطوم لم يعد بها أي نشاط اقتصادي سواء زراعي أو صناعي أو تجاري، علاوة على توقف أعمال الموظفين في القطاع العام والخاص، كما أن البضائع اختفت من الأسواق ونفد مخزونها، وأثر ذلك على الولايات التي تشهد موجة نزوح كثيفة”.

ونبه نقد إلى أن “تكدس المواد الإغاثية في بورتسودان في ظل حاجة الناس إليها يعد جريمة إنسانية ضد المواطن الذي يعاني الأمرين بسبب القصف المدفعي والجوي وانعدام الأمن وتفشي السرقة بالإكراه وتحت تهديد السلاح”.

ونوه المحلل الاقتصادي إلى أن “غالبية المواطنين يعتمدون على معاشهم يوماً بيوم، واستمرار الحرب يؤثر في أرزاقهم وتدبير حاجاتهم، بخاصة بعد أن خلفت الاشتباكات المسلحة أضراراً في مختلف الأنشطة الإنتاجية والخدمية، لا سيما المرتبطة بتوفير السلع للأسواق”.

(الإندبندنت)

اترك تعليقا

NEW