عن يوسف زيدان .. كتب نارام سرجون

السكة – محطة المقالات

هناك سؤال طالما يلح علي عندما أستمع الى اي شخص .. وهو: ماهي رسالته من كلامه؟ فلكل كلام رسالة وغاية .. ومهما كان مستوى الفكر والتعليم متدنيا فان غريزة الكلام وأدوات المحادثة تقودها رغبة في نقل رسالة من أي نوع .. وهذه هي ميزة الكلام الذي ليس مجرد صوت بل نحت في جدار الصوت ليكتب رسالة ..
المفكرون يحاولون اشعال الشموع كي ترى الجموع الممرات الآمنة الى الحقيقة والمعرفة بدل الضياع في السراديب المظلمة للجهل .. ولكن من لايعرف اضاءة الشموع قد يتسبب في اشعال الحرائق في حقول القمح والأشجار والكروم .. ولذلك فإن كل تنويري او مدع للتنوير يجب ان يحاكم عندما تكون محاولاته سببا في اندلاع الحرائق في مواسم القمح التي يأكل منها الناس والحرائق في بيوت الامة .. فيضيء الظلام بالنار والجحيم ويتسبب بحريق كبير واحتراق البشر وضياع معالم الطريق ..
فكما يقول الامام الحسين (الكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور) ..
فعملية التنوير تحتاج معالجة حصيفة ..
لأن حمل القلم والكتب لايجعل الانسان مفكرا ..
كما ان تقلد السيوف والخناجر والرماح واعتلاء ظهور الخيول لايعني ان من يفعل هذا صار فارسا ومن أصحاب الفروسية ، فالفروسية موقف وأخلاق وقيم .. تجعل السيف سيفا للحق ..
ولذلك فانني أخضعت مايقوله الكاتب المصري يوسف زيدان (الذي يكرره منذ أيام) عن القدس وعن صلاح الدين وعن المسجد الاقصى وعبد الناصر أمام هذه البدهية ..
وكلما وضعتها في أنابيب الاختبار يقفز السؤال أمامي .. ماهي الرسالة المقدسة التي ينقلها لنا .. ولماذا اختار قضايا بعينها كي يجادل بها رغم ان مجال الجدل مليء بالكثير من القضايا الفكرية الأهم .. ولماذا؟
هل يعتبر نفسه فيلسوفا تنويريا؟
هل يقود حركة اصلاحية ثورية في الفكر العربي والبحث التاريخي؟
هل قضيته تشبه الدفاع عن كروية الارض في وقت يصر فيه الاخرون على انها منبسطة؟
لأن كل من يستمع اليه وهو يطرح مقولاته بثقة واندفاع يظن انه يقوم بعملية تصويب لنظرية في فيزياء وكيمياء التاريخ؟
طيب تعالوا نضيء على أنواره الفلسفية ..
فليس كل من ادعى التنوير كان تنويريا ..
وليس كل من خلط الاخلاط صار سيميائا او خيميائيا ..
اذا حاولت اختصار الكلام فان رسالة يوسف زيدان هي التالية: القدس ليست لكم فلماذا تقاتلون الاسرائيليين؟ انكم تطالبون بمدينة ليست لكم ولايحق لكم ان تطالبوا بها لأن ذلك اعتداء على الاخرين ..
ثم لماذا انتم متعلقون بالمسجد الاقصى وقبة الصخرة .. فهما وهم واختراع وضعهما لكم الامويون بديلا عن مكة في صراعهم مع بقية المسلمين لابعادهم عن الكعبة والحج .. وانهم خدعوكم مئات السنين .. وقد عشتم مخدوعين لأن المسجد الاقصى في مكان آخر ..
انكم كمن يبحث عن قطعة ذهب مدفونة في مكان مظلم ولكنكم تبحثون عنها في مكان مضيء .. فالمسجد الاقصى ليس في المكان الذي يقتحمه الاسرائيليون والمستوطنون وتتقاتلون معهم على اللاشيء ..
وكذلك فان صلاح الدين الايوبي الذي تقدسون سيرته وتعتبرونه بطلا هو أحقر مجرم عرفه التاريخ وهو جبان وخائن ومهزوم .. لأنه أخذ القدس ولكنه اعطى الصليبيين كل ساحل بلاد الشام .. وهزم في معرمة الرملة .. وفوزه في حطين هو اليتيم وهو دخل القدس من غير معركة ولا قتال ..
ولذلك يحبه الصليبيون لانه كان رقيقا معهم ولكنه عنيف مع المسلمين الذين قتل منهم 200 ألف (وفي رواية اخرى لزيدان يتغير الرقم الى مليون ونصف) .. واستولى على الحكم الفاطمي بطريقة خسيسة ..
وأخيرا ان بطلكم الذي تحترمونه المسمى جمال عبد الناصر هو رجل فاشل ومهزوم ولايستحق التقدير وجركم الى الهزائم تلو الهزائم ..

وهنا نقف أمام يوسف زيدان ونفصله عن كلامه ونفرق بينهما ..
ونضع هذا الكلام مجردا من اسم يوسف زيدان في ماء العقل لنجد انه يذكرنا بقانون أرخميدس عندما ميز الذهب الصافي عن المغشوش بأخلاط النحاس بوضعه في الماء .. فبعد فصل اسم يوسف زيدان عن الكلام المشبوه .. نجد انه لايناسب احدا الا الاسرائيليين ..
ولايصدر الا عن اسرائيليين..
وكأن يوسف زيدان حاخام يهودي يلقن الحريديم درسا في حق اليهود في القدس والمسجد الاقصى وفي الامعان في احتقار العرب الذين يحبون المجرمين ويقدسونهم ..
هم مجرمون وقادتهم مجرمون من صلاح الدين الى عبد الناصر .. ويجب قتلهم .. ونكتشف ان الكلام اليهودي كان مخلوطا باسم لامع وبراق وعربي ومسلم ومصري ومذهّب بالجوائز وبالالقاب التي صنعها الاعلام .. من أجل ترويجه بيننا ..
وهو لم يعد مجرد كلام عادي لكاتب مغامر متمرد .. بل انه كلام يهودي صاف 100% ..

المؤسف ان يوسف زيدان أقنعه الاعلام الصهيوني انه مفكر ومؤلف وأقنع الناس بذلك أيضا ..
ولكن الحقيقة هي انه لايتمتع بمزية المفكرين ولا بعقلية الباحث ..
ولا بالبحث المقارن في التاريخ ..
كما ان توثيقه مرتبك وملتبس ومرتبك (فمرة يقول ان صلاح الدين قتل 200 الف مسلم وفي مرة اخرى يتغير الرقم الى مليون ونصف دون تفسير) .. فالباحث في التاريخ يكون دقيقا جدا .. ومحايدا جدا .. ويبتعد الى حد بعيد عن وضع مشاعره عند توصيف حدث تارخي او شخصية تاريخية .. والا سقطت أبحاثه كلها وصارت مجرد انحياز لفريق دون آخر مما ينقص قيمته البحثية الى حد بعيد .
فالبحث العلمي التاريخي ليس من مهماته الصاق التحقير بأي اسم او قضية مدروسة .. فهو من حقه ان يطلق صفات القسوة والفشل او العنف .. ولكنه لايطلق أحكام التحقير .. والا كان من حقنا أن نوجه التحقير الى كل شخصيات التاريخ .. ولايستثنى منها أحد .. بمن فيهم أنبياء بني اسرائيل الذين كانوا وفق الكلام المقدس يوصون بقتل كل المدنيين من سكان المدن التي يقتحمونها .. ونابوليون بونابرت .. وكل أباطرة الصين واليابان وبني عثمان .. وكل حلفاء المسلمين دون استثناء الذين شهدوا حروبا داخلية وخارجية .. وكل رؤساء اميريكا وكل ملوك اوروبة الذين خاضوا صراعات اهلية وحروبا خارجية ودعموا الرقيق وتجارة البشر ..
ولكن زيدان لم ينظر الى التاريخ نظرة موضوعية محايدة انما تحول الى مدع عام في قضية واحدة .. وهي الادعاء على كل من يحارب اسرائيل او حارب المشروع الاوربي قديمه في المملكة الصليبية او حديثه في المملكة اليهودية المسماة اسرائيل .. فقد تحول الى ناطق رسمي باسم فريق دون آخر .. وهذا يجرده من صفة الباحث والمفكر .. فقد تجد في شخصيات التاريخ أهوالا وأعمالا دنيئة ولكنك عندما تدعي انك باحث في التاريخ لاتطلق انفعالاتك على أي شخصية وتقرر انك قاض وتقرر ادانتها دون مقارنتها بغيرها .. ولاتصفها بما تراه انت بل تنقل ماقيل عنه تاريخيا من مريديه وأنصاره وتحلل كل المواقف والظروف التي أحاطت بالحدث والشخصية وسير الاحداث ان كانت تتفق مع اي ادعاء .. وتسرد الوقائع التاريخية دون تزوير .. فمثلا ان ذكر معركة الرملة واعتبارها ضربة موجعة لبطولة صلاح الدين وانجازه ليس براعة في التحليل .. فجميع أبطال وشخصيات التاريخ هزمت مرارا .. نابوليون هزم .. والأميرال نيلسون هزم .. ورومل هزم .. وستالين هزم مرارا .. والنبي محمد هزم في أحد .. والسيد المسيح هزم وصلب .. وخسر المواجهة الدنيوية مع الشر .. ولكن لاأحد يقول ان نابوليون لم يكن قائدا عسكريا فذا .. أو أن عمر المختار هزم وأن أحمد عرابي هزم .. ولاتوجد أمة تقول عن شخصياتها التاريخية انها جبانة ومهزومة وحقيرة فقط بسبب سلوك او موقف .. بل تقدمها لنا بطريقة حيادية وتترك الناس تقرر رايها فيه او تراجع موقفها منه .. اما حمل الناس عنوة لاعتناق أفكارك فانها طريقة ابو بكر البغدادي .. وطريقة الحاخامات اليهود فقط وابطال التلمود .. ويوسف زيدان طبعا ..

اما عن تعظيم ملوك اوروبة لصلاح الدين فيراه انه مكافآة له على خيانته ورقته معهم !! .. يعني حيرنا النبي يوسف زيدان .. فهل كان يتمنى من هذا “المجرم الحقير الجبان صلاح الدين” ان يبيد الصليبيين مثلا وأن يقطع رؤوسهم عندما دخل القدس؟؟ يعني هل النبي فعلها في فتح مكة ام غفر وسامح وعفا ولم يبدأ دولته بمجزرة؟؟ اليست براعة سياسية من صلاح الدين انه تفاوض مع اوروبة كلها وأعطاها شيئا مقابل التوقف عن الحرب في القدس وهو يعلم ان اي ارض مجردة من المقدس لايتمسك بها الانسان طالما انه مهاجر اليها من غير قيمة روحية او انسانية ومن غير جذور .. وقد أثبت التاريخ ان صلاح الدين وليس يوسف زيدان كان على صواب .. فأين هم الصليبيون في الساحل الشامي الذي أعطاهم اياه؟ بعضهم دخل الاسلام ..وبعضهم بقي على دينه وتحول الى مواطن شرقي ولاؤه لدولته الجديدة .. العربية المسلمة .. وهذا مايفسر انتشار الصفات الجسمية الشكلية للاوروبيين على طول الساحل الشامي .. فهناك ملامح أوروبية في مدن على الشريط الساحلي لبلاد الشام وعيونهم الزرقاء وبشرتهم شقراء .. ولكنهم صاروا عربا بالثقافة .. والتحموا بالارض والمجتمع وانصهروا فيهما .. وهذا هو ديدن التاريخ .. في كل الارض .. فالاسكندر المكدوني انتشر رجاله في كمل الممالك والامصار وتزوجوا من السكان الاصليين ولذلك تجد حتى في أفغانستان ملامح اوروبية من آثار تلك الفترة ..

السؤال الكاشف للنوايا:

لكن أهم سؤال يواجه يوسف زيدان هو انه عاب على صلاح الدين تخليه عن ساحل بلاد الشام .. ولكن تخلي السادات عن كل فلسطين لايعنيه .. لأنه هنا ينسجم مع فكرة التخلي عن الارض لليهود أصحاب الارض التي يمهد لها زيدان .. فمجمل انتقاد زيدان للسادات يتلخص في أنه كان يتمنى لو انه اسمزج رأي المثقفين والناس لاخراج السلام (والتخلي عن فلسطين) بطريقة مقبولة وليست بقرار من رجل واحد .. أما فكرة السلام مع اسرائيل فهي لاتنال اي هجوم ولا يقترب منها الا بحيادية .. وربما غمز من قناة عبد الناصر بأنه تسبب في موت الكثير من المصريين في كناية على أن السلام والتخلي عن الارض هو الذي أنقذهم ..
وكي تكتمل الدائرة التي يرسمها يوسف حول فلسطين فانه اغلقها تماما بالهجوم على شخصية واحدة هي رمز لقضية فلسطين .. طبعا شخصية جمال عبد الناصر .. المقابلة لصلاح الدين .. فالرجلان مهزومان في نظره … وهما الرجلان اللذان تخشاهما العقلية الغربية والاسرائيلية كنموذج ملهم … ومن غير عبد الناصر سيتسبب بالخوف لاسرائيل بعد سيرة صلاح الدين والمسجد الاقصى؟ عبد الناصر الذي جمع أشتات العرب والقبائل (العربية) كما فعل نبي من غير نبوة .. هو عدو يوسف زيدان الأوحد ولايوجد عدو له مثل عبد الناصر .. والتهم جاهزة طبعا وهي تنهمر مثل متوالية عددية ومكررة مثل مقرر المواد الدراسية التي تفرض على الطلاب كي يحفظوها يرددها يوسف زيدان أو اي من المشاهير الملمعين .. وكأنهم يقرؤون في كتاب واحد .. فعبد الناصر مهزوم ومتورط في اليمن وتخلى عن السودان وتسبب في انهيار الاقتصاد .. وهذه الكليشيه والمنحوتة ستجدها موحدة مثل مقرر ومنهاج دراسة .. وكأنها مكتوبة بماء الذهب ولايغيرها شيء وكل حليف لمشروع اسرائيل والسادات يكرر نفس المقولات كما يسرد حكواتيو الهولوكوست الارقام واسماء المعسكرات النازية للابادة .. اما تفسير حركة التاريخ والاحداث والقوى الدولية حول مشروع عبد الناصر فتغيب تماما .. ويبدو عبد الناصر مثل مراهق يحرق بلده ويخوض مغامرات فاشلة ..

في الدفاع المستميت عن عدم حقنا في القدس والمسجد الاقصى وعن ابتعادنا عن قضية عبد الناصر يحيرني سؤال هو : ماالذي سيجنيه يوسف من هذا الاصرار على تنفير الناس من قضية القدس والمسجد الاقصى سوى انه يريد ان يعطيه لليهود والاسرائيليين في لحظة تاريخية يريد فيها الاسرائيليون ان يجدوا اي كلمة تقول لهم ان هذا الارض بلا شعب ولايملكها أحد؟؟ .. وهاهو يوسف زيدان يثبت ادعاءهم بأن فلسطين أرض لاشعب لها .. لأن القدس ليست مقدسة وهي تقديس اسلامي مزور وباطل .. بل ان المطالبة باستعادتها باطلة لأنها قائمة على خديعة ووهم تاريخي .. وبالتالي فان من عليها من العرب لايملكون القدس .. ولايملكون المسجد الاقصى لانه ليس هناك مسجد أقصى بل خرافة .. وبالطبع فان هذا التفكيك والفصل بين المكان وقدسيته يعني اسقاط القيمة الروحية للمكان وبتر التعلق الروحي بالمكان وتضاؤل الاهتمام به .. فكل ارتباط العالم الاسلامي والعربي بقضية فلسطين العادلة ليس بسبب انها قضية انسانية وقضية حق ومظلومين فقط .. بل هناك ارتباط مقدس بالقدس والمسجد الاقصى .. وانتزاع هذا الشعور من الناس يجعل العربي والمسلم والمسيحي العربي يقف مع فلسطين كما يقف كورت فالدهايم مع الفلسطينيين او كما يقف رئيس جنوب افريقيا مع فلسطين .. يبعث لها بتحياته الحارة .. ولكنه لن يقاتل من أجلها .. وهذا مايريد ان يقوله يوسف زيدان .. اي ياأيها العرب وياايها المسلمون لا يوجد شيء مقدس تموتون من أجله او تأتون لحمايته .. قصة المسجد الاقصى حماقة وفبركة وخدعة انطلت عليكم .. فدعوه لليهود .. ولاتنشغلوا بهذه الخرافات ..
وطبعا ماتحت هذا الكلام هو ان كل فلسطين خدعة ولاداعي للتفكير بها والحرب من أجلها اضاعة للوقت والدم والأفضل النأي بالنفس .. والفلسطينيون لايحق لهم ان يطالبوا بأي شبر منها .. فهم بلا قدس وبلا أقصى وبلا شرعية على الارض .. فدعوها لليهود .. وتحت هذا الكلام ان الارض تتكلم (عبري) وليس (عربي) ..

وخطورة هذا النوع من المثقفين الذي يتبنى دعوة عدوه .. انه سيوجه دعوة لمزوري التاريخ الذين يقولون بأن الاهرامات بناها اليهود الاسرى لدى فراعنة مصر .. لأن منطق يوسف زيدان سيوصل الناس الى نفس النتيجة .. فتزوير سيرة القدس وملكيتها سيعني ان تزوير سيرة الاهرامات ونسبها الى مهندسين وبنائين يهود سيكون مقبولا وسيتبناه مثقفون مسبقو الصنع على شاكلة زيدان ..
للأسف هناك من يفتح الفضاء والمقابلات لهذا النوع من المثقفين المسبقي الصنع لنشر هذه الدعوة للاستهتار باسرائيل بحجة الابداع .. رغم ان الابداع البحثي يجب ان يتناول كل التراث وكل التاريخ دون وجل او تردد .. ولكن عندما يلتقي البحث التاريخي مع البحث التاريخي لخصم بعينه ويوافقه ويسلمه كل مايريد فانه يجب ان يثير الشك والشبهات والريبة الشديدة في نوايا البحث ..

مثقفو الجوائز:

أمثال يوسف زيدان هم ظاهرة تتوسع وهم المثقفون المتعطشون للشهرة والجوائز واثارة الجدل .. وهم يعرفون انهم مجندون في الخدمة الالزامية مع الغرب وفق تفاهم غير مكتوب .. فهو يدرك ان هجومه على شخصيات بعينها سيزيد من دائرة الاهتمام به .. في وقت يجب ان يحال فيه الى الاهمال والتجاهل كمثقف مسبق الصنع .. وهذا التبني الاعلامي لمقولاته ليس بريئا .. فليس المهم تفنيدها بقدر انه بذر الفكرة .. فهناك عملية غسيل مخ جماعي يتعرض لها العرب منذ كامب ديفيد .. وهي عملية طويلة المدى لأن التغييرات الهائلة التي طالت العقل العربي منذ مطلع القرن العشرين ليست قليلة .. فالعربي الأفضل هو العربي الذي فكر بالنهضة والاستقلال .. والعربي الضعيف هو الذي تحرر ولكنه لم يعد لديه مايقاتل من أجله .. لاوطنية ولاقومية ولا رسالة .. يحارب في أفغانستان وسورية ولكنه ينسى فلسطين .. يموت من أجل خلافة تركيا العثمانية ولايفكر ان يعيد الخلافة الى مكة او المدينة .. همه المذهبي أهم بكثير من همّه القومي وهمّه الانساني وهمّه الاقتصادي وهمّه للاستقلال الوطني .. يحارب من أجل التحرر تحت راية الناتو وتحت قيادة برنار هنري ليفي .. ويتقلص عقله الواسع ليؤمن أن المصريين فراعنه وان السوريين فينيقيون وان العراقيين بابليون .. وليس هناك عرب الا عرب النفط .. وان فلسطين قضية فلسطينية ولادخل له بها فهي ليست عربية وهناك قرار فلسطيني مستقل .. وأن الدكتاتوريات تقتل الشعوب العربية اكثر من اسرائيل .. ولذلك يقبل فكرة ان اسرائيل أقرب للشعوب العربية من الديكتاتوريات القاتلة الظالمة ..

هناك عملية تحطيم نخب حقيقية ومخلصة .. وصناعة نخب مسبقة الصنع .. خطف ابصارها بريق الجوائز وبريق الضوء الاعلامي والعبارات التفخيمية مثل يوسف زيدان .. الذي كلما استمعت اليه وهو يزداد غرورا تحت وابل الترحيب والصفات الابداعية أتذكر انور السادات وهو يتلقى المديح من المثقفين والاعلامييين الغربيين ال1ين كانوا يقولون له ب\انه يحرك تاريخ الدنيا بكتفه .. وهو يبتسم وينتشي .. فهناك من يملك طموحات كاتب ولكنه يعلم ان قول بعض العبارات ستزيد من حظوظه في النجاح .. مثل الطامعين بجائزة نوبل .. فانهم يمررون عبارات الثناء على اسرائيل أو يمررون النأي بالنفس والاعتراف المبطن بها أو يتولون مهمة أخرى غير القومية والعروبة مثل توكل كرمان التي قايضت كل شيء وأوكل اليها النشاط الاسلامي الاخواني تحديدا ولاوجود لفلسطين في نشاطها .. ولذلك فانها تنشط جدا في الدعاية للاخوان ولحزب العدالة والتنمية ولايسمع لها حس عن فلسطين .. وهذا ليس مجرد صدفة او سهوة .. بل امر مدبر ومتفق عليه .. ومدفوع الثمن ..

انا الاأتهم يوسف زيدان بالزندقة .. ولا أنه كافر .. ولكني أتهمه انه لايقول هذ الكلام في هذا التوقيت عبثا ولافرق بينه وبين المشبوه سلمان رشدي الذي تحميه اوروبة والعالم الغربي الذي لايسامح من ينظر بعين الشك والتحقيق الى الهولوكوست .. اما حرق رموز الامم فانه محمي ومحترم ومقدس .. لأن أقلام زيدان وغيره ليست غايتها تنويرية .. كما يحاول ايهامنا .. فتوقيت الاتهام والتشكيك بالحق في هذا الظرف الحساس ليس بريئا او انه صادر عن شخص مغفل لايعرف خطورة مايقول .. هذه أقلام مثل المعاول التي تحفر قبور الامم .. انها أقلام خسيسة مصنوعة من معدن خسيس .. حبرها خسيس .. وأفكارها خسيسة .. وتحاول ان تجعل الثقافة خسيسة والحرية خسيسة والبطولة خسيسة .. وتجعل الجمهور خسيسا بلا قيمة ولا فكر ..
نارام سرجون

اترك تعليقا