خالد جمعه يكتب إلى زكريا محمد : الآن يداك في النهر الكبير
- Alsekeh Editor
- 3 أغسطس، 2023
- المحطة الثقافية
- 0 Comments
السكة – المحطة الثقافية – خالد جمعه يكتب إلى زكريا محمد
أحيانا، كنت أرى عصبيتك تسيل من قدميك فيما تقطع المسافة من بيتك إلى المقهى، أقف إلى جوارك بالسيارة، وأسألك وأنا أعرف الجواب مسبقاً: هل تحب أن أوصلك إلى مكان ما؟ فترد: لا… أحب أن أمشي، وكنت دائماً تمشي.
كنت تبحث عن النهر الكبير، مصدر بقية الأنهار بما فيها نهر الشعر، والآن، يداك في النهر الكبير، تعبث به كالأطفال، كحال الشعراء حين يغيرون مواقعهم، تجلس كعادتك دائماً تضحك للأسماك وللغزلان الطليقة، وفي يدك كتاب، هل يقرأ الناس جوار النهر الكبير أيضاً؟
أذكر أنك كنت واقفاً إلى جواري في مراسم مواراة الشاعر علي الخليلي الثرى، وارتباك ملوّن يعلو وجهك، وقلت: كان علي يستحق أكثر… لا يجب أن يموت الشعراء كما يموت الميتون، وها أنت لا تموت كما يموت الميتون، نحن الذين خسرنا ركنا كنا نناقشه لا لنناقضه، بل لكي نعرف أكثر.
قبّرتان تقفان الآن على طاولة المقهى، تبحثان عن الحَبّ الذي كان يتناثر من صمتك ونظرتك الموحية، والمستوحاة من أساطير قديمة كنت تفنّدها كما تغربل نصوصك قبل نشرها، أراهما تائهتان، ولا أبالغ إن قلت أنهما الآن بريشٍ أقل، ومناقير أقصر.
سيفتقدك الرعاة، وزهرات الجبل وأشجاره، حين كنت تسميها عِرقاً عِرقاً، وكانت تبتسم لأن أحداً تذكرها، وما زال “فيديو” إرضاع القطة الصغيرة حاضراً في ذاكرتي، كم كنت شغوفاً بالأحياء يا صديقي.
يداك الآن في النهر الكبير، مغسولتان تماماً من الخطايا، فلا ماء كماء النهر الكبير، وربما يسعد محبيك أنك وجدته أخيراً، وأراك تستحمُّ كإوزّةٍ بيضاء فيه، ويغادرك الندمُ نقطةً نقطة، وبعد قليل، بل أقل من القليل، ستصل إلى البياض الذي عشت عمرك كاملاً في سبيله.