“حسن نصر الله، معروف كشخصيّةٍ كاريزماتيّةٍ خارقةٍ، إذْ أنّه يُشدّد دائمًا على تلقّي المعلومات عمّا يجري في إسرائيل، ولهذا السبب فإنّه يعرف جيّدًا المُجتمع الإسرائيليّ، والحساسّيات التي تعتريه، بالإضافة إلى إلمامه بالخارطة السياسيّة الإسرائيليّة، ويستغّل هذه المعلومات من أجل تمرير الرسائل التي تحمل في طيّاتها تأثيرًا كبيرًا من الناحية النفسيّة… في خطابٍ ألقاه في بلدة بنت جبيل، بعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، شبّه المجتمع الإسرائيليّ لبيت العنكبوت، الذي يُمكِن بسهولةٍ بالغةٍ تدميره”، هذا بعض ممّا ورد في كتاب المدنيّات للطلاب اليهود في المدارس الرسميّة عن الأمين العّام لحزب الله، والذي أصدره المُرّبي الإسرائيليّ، يوني غراف، بمُصادقةٍ من وزارة المعارف الإسرائيليّة.
بناءً على ما تقدّم، بات السيّد حسن نصر الله، الأمين العّام لحزب الله اللبنانيّ، معروفًا جدًا من قبل المُستوطنين في الكيان الصهيونيّ، ووفق الأبحاث الإسرائيليّة فإنّ العديد من الجمل التي كان أطلقها ما زالت محفورةً عميقًا في الوعي الكلّي للصهاينة في فلسطين، منها على سبيل الذكر لا الحصر “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، و”ما بعد، بعد حيفا”، وهذه المقولات وأخرى تُثير الرعب والقلق لدى الإسرائيليين قادةً ومجتمعًا، لأنّ الكيان توصّل إلى قناعةٍ تامّةٍ بأنّ الحديث يدور عن أخطر وأقوى زعيمٍ في الشرق الأوسط”.
في المجال العسكريّ يقول الجنرال المتقاعِد يتسحاق بريك إنّ إسرائيل باتت محاطةً بأكثر من 250 ألف صاروخ من جميع الجبهات، لافتًا إلى أنّ اندلاع الحرب ستؤدّي إلى دمارٍ شاملٍ في الكيان، ناهيك عن أنّ أكثر من مليونيْ عربيّ-فلسطينيّ، يعيشون داخل ما يُسّمى بالخّط الأخضر، سينضّمون لحزب الله في مجهوده الحربيّ لهزيمة إسرائيل. ومن نوافل القول إنّ هذا التحذير من مسؤولٍ أمنيٍّ إسرائيليّ سابِقٍ يحمل في طيّاته الكثير من العنصريّة والفاشيّة، وهما ظاهرتان تتفشيّان كالنار في الهشيم منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو السادسة في كانون الأوّل من العام الماضي، وبوتيرةٍ أقّل قبل ذلك.
أمّا مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابِع لجامعة تل أبيب، فرأى في دراسةٍ جديدةٍ أنّ ميزان العلاقات بين حزب الله وإسرائيل يُعتبر عاملاً مركزيًا في رؤية حزب الله لتحديد نضاله ضدّ الكيان، مُشيرةً إلى أنّ حزب الله يعتبر نفسه متعرضًا للهجوم، ولذا فإنّه لا يدع بأيّ شكلٍ من الأشكال عمليةً إسرائيليّةً تمُرّ دون ردٍّ وذلك من أجل الحفاظ على ميزان الردع، الذي وضعه بعد أنْ وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها في آب (أغسطس) من العام 2006.
الدراسة الإسرائيليّة الجديدة تطرّقت إلى شخصية السيّد نصر وأكّدت أنّه يُتابِع وبشكلٍ يوميٍّ وعلى مدار الساعة ما يُنشَر بالإعلام العبريّ بهدف دراسة قوّة إسرائيل وضعفها، وفي خطاباته يُمكِن ملاحظة هذا الأمر عندما يتحدّث عن قوّة إسرائيل العسكريّة، وعن رؤيتها الإستراتيجيّة، ووضعها الاقتصاديّ، وعلاقاتها مع واشنطن ومع المجتمع الدوليّ، وبالإضافة إلى ذلك يُشدّد في خطاباته على عدم مناعة المجتمع الصهيونيّ، مؤكّدةً أنّ وصف إسرائيل من قبل السيّد نصر الله بأنها أوهن ن بت العنكبوت في خطاب بنت جبيل، في الـ 26 من أيّار (مايو) من العام 2000 ما زال محفورًا عميقًا في الوعيّ الكلّي للإسرائيليين، وأنّ نصر ساوى بين الكيان وبين العنكبوت وأكّد أنّ المجتمع الإسرائيليّ غيرُ قادرٍ على الحرب، ولذا فإنّ الكيان سيزول من تلقاء نفسه، كما أكّدت الدراسة.
بالإضافة إلى ما ذُكِر، أوضحت الدراسة أنّ تعقّب نصر الله حول ما يجري في إسرائيل يخدِم السيّد من ناحية المعركة على كيّ الوعيْ، ولكن الهدف السريّ لحزب الله هو مراقبة الأوضاع بدولة الاحتلال لمعرفة نقاط ضعفها وقوّتها، وفهم علاقات القوّة من أجل تحديد المخاطر التي تُشكِّلها إسرائيل على الحزب.
عُلاوةً على ما جاء أعلاه، شدّدّت الدراسة على أنّ فهم نصر الله للشرخ القائم بالمجتمع الصهيونيّ على خلفية الانقلاب القضائيّ الذي يقوده نتنياهو، دفعه إلى المزيد من الجرأة في استفزاز إسرائيل والتحرّش بها، مُضيفةً أنّ نصر الله توصّل إلى نتيجةٍ مفادها أنّ إسرائيل ضعيفةً، ولذا قام بتنفيذ عملية تقاطع مجيدو، بالقرب من جنين في آذار (مارس) الفائت.
ورأت الدراسة أيضًا أنّ تصرفات حزب الله في كلّ ما يتعلّق بإسرائيل ديناميكيّة وترُدّ فورًا على كلّ تصريحٍ أوْ عمليةٍ إسرائيليّةٍ، وبحسبها يُمكِن تقسيم ردّ فعل حزب الله إلى ثلاث بدائل: الأولى، الردّ فورًا على الكيان، ثانيًا، جباية الثمن من إسرائيل على أفعالها، والثالثة الوضوح، إذْ أنّ حزب الله يعمل بوضوحٍ تامٍّ ضدّ إسرائيل، وذلك بهدف التوصّل لاتفاقٍ يمنع اندلاع المُواجهة بين الطرفيْن.
وقالت الدراسة أيضًا إنّ حزب الله اعتمد منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان المُحتّل على تبنّي وتطوير نظريته القائلة إنّه القوّة العربية الوحيدة في المنطقة، التي أجبرت بقوّة السلاح الجيش الإسرائيليّ بالانسحاب من مناطق عربيّةٍ محتلّةٍ، لافتةً إلى أنّ هذا الطرح بدأ يتغلغل أيضًا في المجتمع الصهيونيّ بالكيان، طبقًا لأقوالها.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّ طريقة تصرّف حزب الله تنسحب على المجاليْن التكتيكيّ والإستراتيجيّ، ذلك لأنّ عملياتٍ غيرُ خاضعةٍ لهذا التوجّه تحمل في طيّاتها مخاطر كبيرةٍ جدًا للتصعيد واندلاع حرب لبنان الثالثة، على حدّ تعبيرها.