إبراهيم نصرالله في وصف غزة

. وفيها من العُشْبِ

ما يجعلُ السَّهلَ أخضرَ أخضرَ عشرَ سنينْ

و فيها من الحلمِ

ما يجعلُ الناس تختارها كعْبةَ الحالمينْ

وفيها من الوردِ

ما يجعلُ العاشقاتِ يجئن إليها

وينسَيْنَ كلَّ المواعيدِ والعاشقينْ

وفيها من النورِ

ما يجعلُ الليلَ يرحلُ خلف التلالِ البعيدةِ

يُحصي خطاياه والخاطئينْ

وفيها من الرّوحِ

ما يُرجِعُ النّائمينَ هنالكَ في موتهمْ

نحو أحبابهمْ

من جبالِ الجليلِ إلى أرضِ غزّةَ

حتى جِنينْ

وفيها من البحرِ

ما يجعلُ الناس يمضون للبحرِ كل مساءٍ

بأولادهمْ ومنازلهمْ

وعيونِ حبيباتهم

ليناموا جميعًا على موجهِ كالمدى آمنينْ

وفيها من الشِّعرِ

ما يجعلُ الشُّعراءَ يتامى بلا أيِّ بحرِ

بلا أيِّ نَـهرٍ

بلا أيِّ وادٍ

بلا أيِّ ساقيةٍ

.. خاسرينْ

وفيها لغاتٌ تقولُ كلامًا

وأخرى سلامًا

وأخرى بكاءً

وأخرى حَنينًا

وأخرى أنينْ

وفيها من الشّوقِ شوقٌ

لتُبْصِرَنا حين نكبرُ تحت الدّوالي

وبين البيوتِ شيوخًا يلوكونَ خيباتِهِم

منذ قامتْ وعاشوا هنا صامتينْ

وفيها وضوحُ الكلامِ الذي

ليس يحتاجُ قلبٌ ليفهمَهُ

عشرةً من قواميسِ ستِّ اللغاتِ

التي تتعرّى لغامضِ أمرٍ

ولكنها في الخفاء تراودُ ساداتِها السُّذجَ الشَّارحينْ!

وفيها سلامٌ ويكفي الخلائقَ

لكنها لم تكنْ، قبلُ، تعرفُ أن التّتارِ هنا

وبأثواب ربِّ الجنود يشقُّونَ دربَ خرافاتِهم

كي يعودوا إلى دمِها فاتحينْ

وفيها نوافذُ تكفي سماءً بعشرينَ شمسًا

وشعبًا يحبُّ الطريق نظيفًا أمامَ تلاميذهِ

وجنازاتِـهِ.. وبساطـةِ أعراسهِ.. وشقاواتِ فتيانـهِ

إذ يعودون منتصفَ الليل فوقَ سحابٍ من الياسمينْ

وفيها حياةٌ وتكفي

لنعرفَ من بعد عُمْرٍ طويلٍ!

مصادفةً كيف عشنا

وكنا هنا دائما ميِّتينْ!

وفيها من الضوءِ

ما سوفَ يجعلُ كلَّ ملائكةِ اللهِ في الأرضِ

أو في السماءِ

وإبليسَ أولهمْ

أن يخرّوا لها ساجدينْ

وفيها من الحزنِ

ما يجعلُ النّاي يبكي

– وإن غَيَّـرَ اللهُ حَالًا-

عليها، إلى أَبدِ الآبدينْ!

.

 

اترك تعليقا

NEW