محمد فرّاج يكتب : طوفان الأردن أم الأردن الخط الأحمر ؟
- Alsekeh Editor
- 3 أبريل، 2024
- المحطة الرئيسية, محطة المقالات
- 0 Comments
السكة – محطة المقالات – كتب محمد فراج
يعرف الأردنيون جيداً الترجمة العملية لهذه الوسوم ، ويعرفون أن الأول هو تعبير عن رغبة الأردنيين في الانخراط الأوسع في مواجهة كيان الاحتلال، وأن الثاني يركز الضوء على “استقرار الأردن”، مما يعني دعوة إلى ضبط حدود الانخراط والتدخل في أي مواجهة..
لو فكّرنا في الأمر أكثر، لوجدنا أن هذه الصيغة تعيد إنتاج نفسها، في كل تحرك شعبي أردني، سواء كان متعلقاً بشأن داخلي، اقتصادي معيشي سياسي، أو كان متعلقاً بشأن إقليمي أو بالقضية المركزية الفلسطينية؛ وسم يدعو للانخراط في دور إقليمي وقومي ، ووسم يدعو إلى الانكفاء على اعتبار أننا بذلك نكون في مأمن !
في كل الأحوال، هنا سوف أتحدث هنا حصراً عن التظاهرات المتعلقة بالقضية الفلسطينية فقط، ومنها ما يحدث خلال الأيام الماضية في الرابية ضد سفارة كيان الاحتلال !
1. العلاقة الأردنية الفلسطينية هي الأكثر تشابكاً في المنطقة، هي العلاقة المتداخلة عضوياً بما لا يشبه أي بلد آخر مع فلسطين، فقرار الوحدة بين الضفتين عام 1950م جعل من التداخل والتشابك العضويين، ما لا يمكن ردّه، ولو رسمنا المسار التاريخي لهذه العلاقة منذ ولادة كيان الاحتلال، لكانت كالتالي:
– بعد عام 1950م الأردن هو المسؤول عن الضفة الغربية، والعلم الأردني رفع على البلديات في نابلس والخليل وجنين والقدس، وأجريت التعديلات الدستورية اللازمة لتكون الضفة الغربية جزء من الأردن، ولذلك لا غرابة عندما اندلعت أحداث حي الشيخ جراح أن “القواشين” المتعلقة بالوحدات السكنية طُلبت من الحكومة الأردنية، لأنها كانت المسؤولة عن الضفة في ذلك الوقت، وهي المؤتمنة على أرشيف الوثائق المدنية. من المهم الإشارة هنا إلى أنني أورد هذا الأمر، ليس تشجيعاً لأي حلول كونفدرالية تسووية، ولكن للتأكيد على تداخل العلاقة العضوية، الذي يجعل الكفاح الأردني-الفلسطيني ضد الاحتلال له أساس تاريخي، يتجاوز حتى حدود الشحن العاطفي والوجداني، وإذا كان هذا دليل تاريخي قديم، فليس هنالك أدلّ على وحدة المواجهة ضد الاحتلال أكثر من رسم خريطة الأردن كجزء من “إسرائيل” ، أثناء خطاب وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش.
-بعد الوحدة عام 1950 جرت الانتخابات النيابية بتمثيل شمل الأردنيين والفلسطينيين في الضفة الغربية، وإلى اللحظة يفتخر الأردنيون أن يعقوب زيادين ابن الكرك كان نائباً عن القدس عام 1956م، تماماً كما يفتخرون بابن الجيش الأردني البار، مشهور حديثة في معركة الكرامة، ومواجهة جيش الاحتلال في الأغوار وهزيمته.
-في الضفة الغربية كانت الطوابع البريدية أردنية، والعملة هي الدينار الأردني، ولباس قوات الشرطة هو الشرطة الأردنية، والجنسية للناس أردنية !
-شكّلت الضفة الغربية أكثر من 40% من إنتاج الأردن الزراعي أثناء فترة الوحدة، كما أنها شكلت نسبة عالية من الناتج الإجمالي لاقتصاد الأردن، الذي تعتبر فترة الستينيات واحدة من الفترات الذهبية في تاريخه.
– نصّ قرار الوحدة على أن هذا الإجراء لن يتضارب مع التسوية النهائية التي تتطابق مع الأماني القومية في فلسطين.
– في عام 1967م، وقعت حرب حزيران، احتلت “إسرائيل” الضفة الغربية، احتلت أراضي الفلسطينيين وأراضي الأردنيين في الوقت نفسه. فما العمل؟ كيف يستعيد الأردن أراضيه المغتصبة؟ كيف يقاتل الشرطي الأردني المتواجد في الضفة الغربية لحظة الهجوم الاحتلال؟ وكيف يستمر ابن محافظة الخليل في المواجهة بعد نزوحه (وليس لجوئه) إلى عمّان؟ نعم ،إلى هذا الحد لا تسعف اللغة للتعبير عن التداخل العضوي في العلاقة التاريخية بين الأردنيين والفلسطينيين.
-استمر الأمر على هذه الصيغة إلى عام 1988م عندما أعلن قرار فك الارتباط بين الضفتين ، وما تبقى للدولة الأردنية هو الوصاية على المقدسّات.
– بهذه المحطات التاريخية المتداخلة والمتشابكة، نعجز نحن الأردنيون عن فك ارتباطنا بفلسطين، ونحرص نحن الفلسطينيون كل الحرص على الأردن (الحرص يتطلب مواجهة جادّة ضد الاحتلال طبعاً، واتخاذ الإجراءات الاستباقية قبل تعميم “خريطة سموتريتش ” أكثر وأكثر). مجدداً، هذه ليست صيغة مثالية، هذه صيغة تاريخية، تفسر تداخل الهويتين الأردنية والفلسطينية، التداخل غير القابل للفكّ، ولأنه غير قابل للفكّ، يسهل أحياناً إثارة الشحن داخله، ولكن الاستقطاب ، من أي طرف كان، لا يليق به.
2. عودة من التاريخ إلى لحظة “الرابية الآن”:
-التظاهر أمام سفارة كيان الاحتلال في الرابية أمر طبيعي، وإطباق الحصار عليه هو أمر طبيعي أكثر، والمطالبة بفسخ وتمزيق اتفاقية وادي عربة طبيعي أكثر وأكثر. في المنطقة عوامل الضغط على الاحتلال متعددة، اليمن أبدع في البحر الأحمر، المقاومة العراقية أدت واجبها ضد الدعم الأميركي وضد كيان الاحتلال مباشرة، جنوب لبنان الصامد فتح جبهة كاملة منذ الثامن من أكتوبر، ويقدم ح/ز/ب الله الشهيد تلو الشهيد دعماً لغزة، ضمن التوقيت الذي اختارته المقاومة الفلسطينية.
لدى الأردن، ومعها مصر، ورقة حاسمة، ورقة قوية، هي فسخ الاتفاقيات، ولو لوّح بها، بشكل جدي، ضمن إطار زمني محدد وجدّي (على الأقل: إن لم تقف الحرب ستفسخ المعاهدة خلال كذا ساعة)، لارتبكت الخطط الإسرائيلية بما لا يقل أهمية عن الصواريخ والمسيّرات !
– محاولات وصف المظاهرات بتحرك “الطبقة الوسطى الفلسطينية” أو “التحرك الأخواني” هي تعبيرات تضليلية، تعمل ضد التداخل التاريخي الذي تحدثنا عنه.. وفي الوقت نفسه، محاولات جهات أخرى، تحويله فعلاً إلى حراك أخواني، هي الوصفة القاتلة لهذا التحرك، ولا بد لهذه الجهات، إن كانت حريصة على التحرك الأردني وخصوصيته، أن توقف هذه المحاولات. التنظيمات السياسية في الأردن متنوعة أيديولوجياً، وهنالك عدد وافر من الشباب ذوي الخبرات التنظيمية القوية والفكر العميق تؤهلهم لإدارة أي تحرك.
– “مش هيك بكون التضامن مع غزة”: تعبير تضليلي آخر، والغريب أنه أحياناً يستخدم ضد المق|ومة في لبنان وفي اليمن، فإن لم يكن التضامن معها هكذا، فكيف يكون ؟!
– تحاول عدد من وسائل الإعلام ربط التحرك في الأردن بأجندة إيرانية، ولا أعرف كيف تستطيع وسائل الإعلام هذه نسج فنتازيا من هذا النوع، وكانت تعتبر المؤامرة على سوريا خيالاً .. ها أنتم تمتلكون خيالاً مطلقاً، يستطيع نسج الروايات المتخيلة، هل كان من الصعب تصديق رواية واقعية ؟
في كل الأحوال، ما تعرفه وسائل الإعلام هذه، ومن خلفها مموليها، أن طوفان الأقصى قرّب الشارع العربي من خط محور المق|ومة، وجعلها أكثر انسجاماً معه بعيداً عن التحريض المذهبي والطائفي، وهذه هي النتيجة التي تقلق منها هذه الجهات. إذا كان القلق يطوقكم إلى هذا الحد، تنافسوا مع محور المق|ومة في دعم غزة، ولو بأدواتكم المخففة!
شخصياً أنا مع الصورة “المثالية” لالتفاف الكوفية الحمراء مع السوداء، التفاف يعبر عن التداخل التاريخي بين “الهويتين”.. عندما أُسأل عن هويتي داخل الأردن وخارجها، أقول أنا أردني، وأتمنّع عن الإجابة عن السؤال الثاني، أردني أردني؟؟ هويتي ببساطة منسجمة مع عمّان، ومنسجمة مع العشائر الأصيلة، ومنسجمة مع أبناء المخيمات والحق الفلسطيني، أنا أردني اغتصبت أرضه عام 1967م، وفلسطيني قبل الولادة وقبل أن يغادر والدي محافظة الخليل نازحاً إلى عمّان بجواز سفره الأردني..
آن الأوان لوقف التلاعب بالهويات، وأي وقت أنسب من حمّام الدم الذي تشهده غزة اليوم ؟