عفيف الأسمر ابن ترمسعيا جيفارا العمل الاجتماعي في دالاس ونيوجيرسي

السكة – فارس الجالية  – كتب عبدالناصر الحوراني

حفيد شهيدٍ وشقيق شهيد ، مسقط رأسه القدس الشريف ، ابن قرية ترمسعيا ، ابنُ أكثر من هجرة وألفِ اغتراب . لكن قلبه كان مسكونا دومًا بفلسطين ، ومنذ نعومة أظفاره كان على تماس مع قضايا الوطن ، فجده لوالده كان مختار القرية حيث شارك في عدة مؤتمرات وطنيه تاسيسيه  إبان الانتداب البريطاني ، وكان ديوان جده مركزا للمقاومه ضد الاحتلال البريطاني ، إلى أن دفع المختار عبدالله الأسمر حياته ثمنا لحمايته ثوارَ القرية ، فسقط مضرجًا بدمه فداءً للوطن وكان من أوائل شهداء ترمسعيا .

بعد وفاة جده قامت جدته باصطحاب والده إلى مدينة القدس ، تحديدا إلى حي باب الزاهرة ، وأرسلت والد عفيف الأسمر إلى مدرسة المطران سانجورج العريقه، وبعدها توجه الى مصر وتخرج من المعهد العالي للبريد في القاهره ليعين في البريد تحت الانتداب البريطاني.
وبعد أربع سنوات تم جلاء القوات البريطانية ، واستلمت الاردن الولاية على الضفة الغربية والقدس ، وبقي والده يعمل في مصلحة البريد الأردني كرئيس لديوان موظفين محافظة القدس وبعدها عين مديرا للبريد لعدة عقود .

وعن ارتباطه بالقدس يقول عفيف الاسمر للسكة بأنها كانت ولا زالت عشقه الأول والأخير ، وبأنه لازال يذكر أول إسكان أقامته الحكومة الأردنية في ضاحية البريد ، هذا الإسكان أقيم في العام ١٩٥٤ ، وانتهى إنشاؤه في العام ١٩٥٨ ، وكان مكون من ٤٤ بيت حيث ترعرع هو وإخوته فيهوالتحق عفيف في كلية الأمة في مدينة القدس واخوته في مدرسة الراشيديه العريقه .

وبعد هزيمة حزيران كانت الهجرات تتوالى بين الفلسطينين ، فهاجر  إخوته إلى بورتوريكو مع عدد كبير من الفلسطينين .
في تلك المرحلة كانت الوجهة إلى هذا البلد هي الوجهة المفضلة لسهولة الحصول على الإقامة فيه ، 

هذا الأمر جعل الجالية الفلسطينية في بورتوريكو تعد من أقوى الجاليات ، وكانت جالية نشطة في العمل الجماهيري ، وكانت تعتبر نفسها امتدادا للثورة الفلسطينية الحديثة التي انطلقت في العام ١٩٦٥ .

وعندما انهى عفيف مرحلة الدراسة الإعدادية ألتحق بأشقائه إلى بورتوريكو لإكمال دراسته فيها ، وكان عفيف ومجموعة من الشبان الفلسطينيين غيرَ منسجمين مع الرعيل الأول من المهاجرين الذين ذابوا في المجتمع البورتوريكي ، حيث باتوا جزءاًً من المجتمع الغربي ، الأمر الذي دفع الشاب عفيف الأسمر ومجموعة من الشبان المتحمسينوكان تعدادهم ٢٦ شابا – للعودة إلى الوطن بعد أن حصلوا على شهاداتهم الجامعية .

ولكن العودة لم تكن سهلة ، فقد كان هؤلاء الشبان أول أفواج الحركة الطلابية الفلسطينية حيث كان اخوته وليد وفريد وسمير من اللذين  اسسو اول نادي ثقافي عربي في الجزيره لخدمة الجاليه.  وقام عفيف وزملاؤه في تاسيس اول فرع لاتحاد طلبة فلسطين على الساحه الامريكيه.

 

الهجرة إلى الولايات المتحدة الامريكية

في العام ١٩٧٠ شد عفيف الأسمر الرحال إلى ولاية نيوجرسي في الولايات المتحدة الامريكية ، ويقول الأسمر عن هذه الفترة : لم يكن عدد أبناء الجالية الفلسطينية وقتها ذاك العدد الكبير ، ولم يكن ثمة مكان يجتمع فيه أبناء الجالية إلا مقهى فلسطين ، إذ يجتمع فيه شباب الجالية ويمضون وقتهم في لعب الورق وتدخين النرجيلة .

قام عفيف وزملاؤه بتاسيس اول نادي ثقافي عربي في باترسون نيوجرزي وانتخب رئيسا له ، وقامو بشراء طاولة بلياردو وطاولة تنس وطاولة شطرنج لاستقطاب شباب الجالية ، ونَشَطْو في تثقيف أبناء الجالية العربية لإطلاعهم على القضية المركزية .

وكان عفيف الأسمر رئيسا للنادي العربي في تلك الفترة ، حيث يتابع قائلا بأن أعضاء النادي العربي كانوا يقومون بزيارات ثقافية للتجمعات الاخرى  في  جيرزي سيتي وبروكلين نيويورك  حيث كانت سينما أكاديبي ميوزيك تعرض الافلام العربيه اسبوعيا .

وعن تركيبة الجالية العربية في نيوجرسي يقول الأسمر بأن أقدم المهاجرين العرب فيها كانوا السوريين الذين تمركزوا في مدينة باترسون ، وكان أغلبهم من قدامى المقاتلين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية .

وفي هذه الفترة توسعت نشاطات أبناء الجالية ، وتم تأسيس فرق رياضية ، وشارك أبناء الجالية بالعديد من المظاهرات المتضامنة مع أشقائنا في فلسطين ، وكانت أكبر تلك المظاهرات التي خرجت ضد الصهيوني مائير كاهنا.

وشجعتنا هذه الفترة للخوض في السياسة الداخلية للولاية ، واتفقنا في الجالية الفلسطينية بشكل خاص والعربية بشكل عام على ترشيح أول عربي للمنافسة على رئاسة بلدية باترسون ، وكان مرشحنا آنذاك الأخ عوني أبو هدبة ، وقد استطعنا في تلك الفترة جمع تبرعات دعما (لأبو هدبة) ، وكان مبلغا متواضعا , وحشدنا أصوات الجالية ، ولكن مرشحنا لم يحصل سوى على ثلاثمائة صوت .

    

وعند إعلان النتائج أُصِبنا بإحباط شديد ، وأعلن أغلبنا بأننا هزمنا ولن نستطيع أن نشارك مرة اخرى ولكن احد ابناء الجاليه يدعى كريموكان احد اعضاء الحزب الديمقراطي – زارنا في النادي العربي وقال لنا انتم الآن اصبحتم جزءا من اللعبة الانتخابية ، وهذه اولى الخطوات على الطريق الصحيح.

وتم دعوتنا للمشاركة في مجلس المدينة الذي كان يضم طليانا وسودا واسبانيول ، وبعد خروجي الى تكساس استلم العمل مجموعه من شبابنا ومنهم ذياب مصطفى وصالح ربيع ونيه ابو هدبه  ومجموعه كبيره من الشباب بقيادة وارشاد عوني ابو هدبه والدكتور جميل السمنه ومجموعه من الرعيل الاول  حملو الرايه واسسو مركز للجاليه ونجحو في احتواء معظم ابناء الجاليه وحققو انجازات كبيره ومتتاليه على جميع الاصعده وفي الجولة الانتخابية الثانية تم ترشيح لاتيني لرئاسة البلدية وطلب دعم المركز في حملته ، وكان شرطهم ان يكون نائب الرئيس احد ابناء الجالية بالاضافة لاثنين إداريين ، وفتح أبواب الوظائف للجالية ورفع العلم الفلسطيني كباقي أعلام الدول على مبنى البلديهوبالفعل تم تعيين عوني أبو هدبة نائبا للرئيس ، وكان ذلك في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي .

المرحلة المتقدمة

في هذه المرحلة قام ابناء الجالية من خلال احد ابنائهاوكان بروفيسور كيمياء – بالضغط على المؤسسات الحكومية لتعطيل المؤسسات في الاعياد الاسلامية كباقي الديانات الاخرى . وتم تخصيص اكبر مدرسة في باترسون في عطلة الاسبوع لتدريس اللغة العربية لابناء الجالية بلا مقابلوتوفي الدكتور هاني عوض الله وشيدت مدينة باترسون مدرسه ثانويه تحمل اسمه تكريما له.

وتمضي الايام والجالية العربيه في باترسون تحقق المكسب تلو الاخر حيث اصبح لديها قاضٍي  في المحكمة العليا في نيوجيرسي هو سهيل محمد هندي مسلم وقاضيه سوريه محجبه  وقاضٍي القضاه من دير دبوان ورئيس البلديه الحالي اندريه صايغ  عربيا وقاضي القضاة أيضا ، ورئيس الشرطة  مسلما تركيا .، ويتم انارة فانوس رمضان ورفع العلم الفلسطيني في باترسون كما تم اعلان توأمة بين باترسون ومدينة رام الله ، وتم اطلاق اسم شارع فلسطين على أهم شارع في باترسون.

 .

نشاطات عفيف الاسمر الانسانية

في العام ١٩٨٦ ارسل عفيف الاسمر أبناءه الى ترمسعيا ليتعلموا اللغة العربية ويتعرفوا على عادات اهل البلد.

صادف اقتحام قوات الاحتلال للبلد عيد ميلاد ابن عفيف السابع ، حيث قاموا بإطلاق النار باتجاه احد اصدقاء ابنه واصيب في ساقه ، وقمنا باسعافه لمستشفى المقاصد ، وعجز الاطباء لتواضع الاجهزه عن انقاذ الطفل فقرر والده ان يقوم بارساله لاميركا للعلاج ، حيث تعرف مصادفة على شاب صحفي اميركي متزوج من فلسطينية كان يقوم بارسال اطفال فلسطين المصابين برصاص الاحتلال للعلاج على نفقته الى الولايات المتحدة هو وزوجته هدى المصري ، وكان اول طفل تم احضاره من الخليل بُتِرت ساقاه حيث احضره الطبيب الأمريكي ستيف وتم تركيب اعضاءً صناعيةً له ،  وكان ثاني الحالات المرضية صديق ابن عفيف الأسمر .

  وفي العام ١٩٩١ التقى الأسمر بالصحفي ستيف وكان لايزال يُحضر الاطفال المصابين ، واسس جمعية صندوق  انقاذ اطفال فلسطين PCRF، واحتضنت عائلة الاسمر ستيف ودعمت جهوده الانسانيه لتوفير العلاج للاطفال   وكان  لا يحتاج سوى تذاكر سفر للاطفال الذين يصطحبهم للعلاج، وبالفعل قمنا وعدد من ابناء الجالية بجمع ثمن تذاكر السفر .

وعن مؤسسة انقاذ أطفال فلسطين يقول الاسمر : “ هذا الشاب الامريكي فلسطينيٌّ بالخَيار ونحن فلسطينيون بالمولد ، فقد استطاع اصطحاب اكثر من خمسين فريقا طبيا الى فلسطين سنويا مدة اسبوعين لعلاج الاطفال “.

وبلغ عدد الاطفال الذين عالجتهم مؤسسة PCRF اكثر من ثلاثين الف طفل على مر ثلاثين عامواستطاعت المؤسسة توظيف عشرة من المصابين الذين أصيبوا باعاقات دائمة .

وبعد وفاة هدى المصري زوجه ستيف أصيب باكتئاب ، وقرر الاعتزال لكن عفيف وشقيقه فريد استطاعا مواساته و اعادته لنشاطه حيث تم ابلاغه بان اطفال فلسطين بحاجة إليه .

 بعد ثلاثة شهور فكر ببناء مركز للسرطان في بيت جالا ، حيث توجه ستيف وتسلق لقمة جبل واستطاع جمع اربع ملايين دولار، وجمع مبلغا اخر من اوروبا حيث قام بتأسيس مركز هدى المصري لسرطان الاطفاللاحياء ذكرى زوجته وكان يحضر  العديد  من اطفال غزة للعلاج في بيت جالا .

وقرر تاسيس اول مركز  لسرطان الاطفال في غزه ليخفف عليهم مشقة السفر والمعاناه على الحواجز العسكريه.

يقول عفيف الاسمر للسكة: لقد تاثرت بمراكز السرطان وكانت في نظري هي درة التاج من جميع الانجازات التي حققتها الجمعيه ولهاذا  السبب  وهبت نفسي ووقتي وجهدي لجمع التبرعات لدعم مراكز سرطان الاطفال . في فترة كورونا قمت بحملتين  تبرعات واحده لكل مركز حتى لا ينقص اي دواء في المراكز..

 أصر ستيف قبل سنتين ان استلم قيادة  الجمعية في دالاس وتعهدت بتوسيع مركز بيت جالا   و افتتاح عيادات خارجية للاطفال بجانب مركز السرطان   وكان المطلوب جمع مبلغ ٦٥٠ الف دولار ، وبفضل الله واهلنا واصدقاؤنا من اهل الخير استطعنا وخلال خمسة اسابيع من اقامة حفل لجمع التبرعات في ارقى فنادق دالاس ، وتجاوز عدد الحضور ثلاثمائة شخص ، وتم جمع مبلغ يزيد عن نصف مليون  الف دولار.

هذا غيض من فيضِ نشاطات فارسنا عفيف الاسمر المناضل لاجل الوطن منذ نعومة اظفاره ، وها هو الان يضع مركبه امام ابنائه الذين نشطوا في محال الطباعة التي اسسها والدهم ، فهو مؤسس مطبعة اي تو زي A2Z Printing التي تعد اول مطبعة عربية في دالاس وضواحيها. وهو الان متطوع لدعم وسد احتياجات مراكز سرطان الاطفال في فلسطين.

         

اترك تعليقا

NEW