لبيك اللهم لبيك
- سمير قطيشات
- 9 يونيو، 2024
- المحطة الرئيسية, محطة المقالات
- 1تعليق
السكة – المقالات – عبدالله شقير رئيس التحرير
يتوافد العرب والمسلمون من كافة أصقاع الأرض ملبين دعوة الله لحج بيت الله امتثالا لقول الله تعالى : ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ” .. فنحن المسلمين سريعو التلبية إذا ما رب البيت نادانا لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام ، إذ يقول الله تعالى : ” ولله على الناس حِج البيت من استطاع إليه سبيلا ” ، فالمسلمون يهرعون لمكة من كل حدب وصوب من استطاع منهم ومن لم يستطع .. منهم من يقترض مالا لأداء هذه الفريضة ، ومنهم من يتسلل إلى مكة بدعوى العمرة ويتخفّى في أرجائها حتى موعد الحج ، ولكن هل يُقال فينا أننا نِعمَ المجيبون لهذا النداء ؟
مليونا حاج كل عام في موسم الحج يلبون نداء الله قائلين لبيك اللهم لبيك ، ومليونا ونصف غزّي يستصرخون العرب ويستصرخون المسلمين والعالم والبشرية والضمير الإنساني منذ ثمانية شهور فلم يجدوا لهم من دون الله نصيرا ولا معينا ولا مجيبا لنداءاتهم ولا لصرخاتهم واستغاثاتهم .
لقد لبس الغزيون أكفانهم البيضاء وهم يتوافدون على الله شهداء كل يوم وكل حين ، ولبس الحجيج أثوابهم البيضاء ليطوفوا حول البيت في الوقت الذي يطوف العالم الغربي كله حول غزة لقتلهم وتطهير عرقهم المؤمن ، واستئصالهم من أرضهم بإبادة جماعية لا زالت مستمرة مع هتاف الحجيج اليومَ لبيك اللهم لبيك ، ولا لبيك لغزة ولا لأهلها ولا لأطفالها الذين يموتون جوعا وعطشا ، لم نلبِّ صرخاتهم ونحن مأمورون بالنصرة ، ولكنا نلبي ما نشاء ونترك من نشاء ، وإيماننا الهش لن يقودنا إلى النجاة ، وإنا أمام الله لموقوفون .
سينحر الحجيج أُضحياتهم وغزة لا زالت إلى اليوم تفتقر إلى اللحم والخبز والماء والدواء ، وتفتقر إلى كل ما يحفظ أهلها في هذه الدنيا أحياء ، وها هم قد دأبوا يرحلون إلى الله في كل يوم ببطون خاوية وأفواهٍ تيبّست من العطش بعيون دامعة ذلا وقهرا وخذلانا .
سيؤمّن سلمان وابن للحجيج رشاشات الماء التي تبرد عليهم الحر في الطرقات ، وجلود الغزيين تصطلي بنار الحر في الخيام وتحت (الزينكوهات) بلا كهرباء ولا ماء .
صورتان متضادتان للمسلمين يحار العقل في التوفيق بينهما ، ولست – مستعيذا بالله ربي – أن أكون مُنتقصا لقدر قوم هبوا لأداء تلك الفريضة ، ولكن الصورتان في جوهر الإسلام لا تتوافقان ، فرُب ملبٍّ لم يكترث يوما ولازال لا يأبه بما يحدث من مجازر في غزة ، فكيف سيكون حجُّه وقد أغفل قلبُه مليوني مسلم يُقتَـلون ليل نهار ؛ نساءً وشيوخا وأطفالا .. يموتون قتلا وضعفا وانكسارا.
وطائفة أخرى من بني جنسنا يلبون نداءً آخر لا يستحون من أنفسهم ولا من الله يتهافتون إلى الحفلات الغنائية بلا خجل ولا مواربة ، فتذاكر عمرو ذياب نفدت بعد طرحها بساعة في حفلٍ له في لبنان ، وجباه أكثر جمهوره لا تسجد لله وإن سجدت غفلت عن الدعاء لغزة إلا من رحم ربي منهم .
الحمد لله أن حكوماتنا العربية وهيئاتها المختلفة لم تقصر في تهيئة أجواء الفرح والمرح للشعب العربي من غناء ورقص ومهرجانات ؛ فالرياض من موسم إلى موسم ، ومصر من مهرجان إلى مهرجان ، ولبنان من حفل إلى حفل ، وشعب المغرب يستشيطون غضبا إذ لم يجدوا مقاعدَ لهم في حفل أحد المطربين وقد قاموا بشراء التذاكر ولم يجدوا مكانا لهم ، وها هي الأردن تستعد لانطلاق مهرجان جرش الذي سيمتلئ بالمطربين والراقصين وربما الراقصات .
لقد انسلخ العرب من جلودهم وانسلخوا من إيمانهم وماتت ضمائرهم بعد أن ضاع الوازع الذي يبقي ضمائرهم حية في صدورهم ، وركنوا إلى الدنيا وتغافلوا عن غزة وأخبارها حتى بدأت أخبار غزة وأهلها والموت المستمكن فيها يمر على مسامعنا فلا تشرئب له قلوبنا ، ولن يتغير حالنا إلا إلى الأسوأ ، فلا أمل يلوح في الأفق يقول أننا أمة مسلمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، فإلى الله المشتكى في أمة حاضرةٍ بجسدها ، غائبةٍ بإيمانها وضميرها قد غدت لا تستحق إلا صلاةً بتكبيراتٍ أربع .
ماهر منصور
الله المستعان