فداء زياد تكتب من غزة : فصول الدهشة ومحاولات النجاة
- Alsekeh Editor
- 23 أغسطس، 2024
- محطة المقالات
- 0 Comments
السكة – محطة المقالات – كتبت فداء زياد
لفرط الحنين تمنحني البيوت التي نزحت إليها فسحة النظر إلى الحياة ليلاً لا أعرف كيف يمشي بي القدر منذ عشرة شهور أنا فقط أحمل حقيبتي وأمامي أبي مرتين فقط مسكنا يدي بعضنا ليلة بغزة خرجنا نحو مركز إيواء قريب بعد مجزرة
منذ البدء والمجزرة تحدث. المرعب أنها صارت مكررة منذ عشرة شهور.
ليلتها جلسنا بساحة مركز الإيواء حملت شالاً من حقيبتي وغطيت كتفيه وجلست بجانبه أنظر معه إلى السماء بقي معنا من بقى من إخوتي وأسرهم ومنهم من صار نازحاً نحو الجنوب.
باردة يد أبي كانت مسكتها فابتسم.
المرة الثانية كانت ليلة الهروب من خانيونس عند منتصف الليل افترقنا هو بسيارة وأنا بأخرى سلم علي باليد وابتسم وقال: بنلتقي هناك!
الليلة منحنا بيت النزوح الآخر فسحة أمامه الهواء بارد من الغرب تأتي رائحة البحر الذي لا تغيب عن ذاكرتنا.
النجوم تلمع أقوى من ضوء ممن يحتل السماء الآن
يلوح الهواء بالنخل أمامنا تذكرت صديقتي في درسها الأول للعود استعرضت موهبتها وكانت تحاول وعلينا أن ننجح في معرفة الأغنية التي تعزفها وغالباً كانت تفشل هي لم تعرف بعد من العود سوى أوتاره قالت في سهرة مرة: اعتبروها فوق النخل!
اخذت من أبي حب الأغاني كانت عادته يجلس في مثل هذا الوقت بغرفته يعتزلنا فجأة ومن هناك يظهر مقطع لأغنية لسيد مكاوي “على شط جميل وفي ظل نخيل والجو جميل ونسيمه عليل وأنا قلبي عليل وإنت الدوا” سمعتها مرة بالصدفة من بعيد حفظت اللحن فبحثت مرات لكن لذة أن تسمعها من بعيد من غرفة بالبيت أجمل.
الأصوات التي تأتي من بعيد تجبرك على اختبار اللحظة لأنها تسحبك نحوها
أظن أن لفظ الذكرى حين ابتدعته الحياة كانت قد سمعت صوتاً من بعيد!
إنها قبل العاشرة بقليل الآن أجلس برفقة أبي بساحة بيت تحت سماء تلمع فيه ضوء نجوم ونار الحرب ولا صوت يأتي من غرفة البيت سوى الأخبار لكن فجأة في غفلة صمتي وأبي أعرف صمته هو انشغال بشتات إخوتي وعائلاتهم تقول الخبرة
إن الآباء يخفون شوقهم!
من خيمة قريبة كل أرض فارغة صارت مخيماً بالأمس وصلنا كانت الأرض المقابلة للبيت بها عشرة خيام فقط اليوم صارت أكثر.
بالأمس كان صوت الصغار أقل اليوم صار صوت الصغار أكثر.
الحرب تقتل الفارق بين اللحظة واللحظة
لا وقت فعلاً لأن تستمع بلحظتك.
من خيمة قريبة سمعنا خرخشة راديو ثبت من يحرك المؤشر على صوت:
“أقول لروحي أنا ذنبي ايه”
من بعيد
اختفى الصوت وعادت خرخشة الصوت
أكمل أبي
“يقولي قلبي حملك عليه”
قطع الصمت ونظر إلى السماء بذات النظرة التي عرفتها ليلة الهروب نحو مركز الإيواء.
مسكت يد أبي قلت له: عليل النسيم زي ما قال سيد مكاوي!
زاد صمته
سألته: مشتاق للبيت؟!
فأجاب: إنتو البيت!
ونظرنا إلى السماء معاً.
مضى وقت طويل على احساس البيت هذا!
حين يسألني أحد كيف يقضي الخائف وقته ليلاً
ها نحن نسحب من الذكرى صوتاً حتى لو من بعيد كي يهرب الخوف ويقل الخراب!
الأغنيات لا تنهي الحرب
لكنها
حيلة المنتظر!
ليل آخر في أغسطس.