سنان شقديح يكتب : بيت “الديمقراطيين” المحترق و”قوادي” الحزبين
- Alsekeh Editor
- 4 نوفمبر، 2024
- المحطة الرئيسية, محطة المقالات
- 0 Comments
السكة – محطة المقالات – من : سنان شقديح
قرأت مقالا مؤخرا نقل شكوك مارتن لوثر كينج الابن حول التحالف مع التيار الليبرالي الاميركي حين قال، “أخشى أننا ندخل منزلا محترقا”. معبرا عن حالة شك في فائدة التحالف مع الليبراليين لمواجهة الجرائم المناهضة للسود انذاك التي كان البيض العنصريين يقترفونها.
ورغم مخاوفه مضى كينج في هذا التحالف الذي لن يقدم حلا لمشكلة السود بقدر ما وضع مساحيق تجميل على حقوقهم التي ما زالت مغيبة والدليل على ذلك زيارة واحدة لإحياء الفقر والجريمة التي تقطنها النسبة الأكبر من الأفارقة الاميركيين ذات الواقع القريب بسوءه من واقع المخيمات الفلسطينية.
بل إن ثمن البيت الواحد الكبير في احياءهم لا يزيد عن خمسين ألف دولار بينما في حي البيض يبعد عنهم بضعة أميال يزيد عن النصف مليون دولار.
طبعا مارتن لوثر قال ذلك أيام الليبرالية وقبل أن تتطور إلى الليبرالية الجديدة المتوحشة القاتلة.
ونحن على بعد يومين من الانتخابات تصدر اصوات الليبراليين الجدد مطالبة الاقليات وبينهم المسلمين والعرب بالتصويت لصالح جزاريهم تحت ستار تجنيب المسلمين والاقليات والمهمشين خطورة دونالد ترامب فأن هذا النداء الصادر عن الليبراليين الجدد ويسوقه كمبرادورهم -القوادين- بين الاقليات يتجاهل العديد من الأزمات التي تعاني منها مجتمعات الاقليات التي بات ينطبق عليهم مفهوم “المهمشين” تحت القيادة الديمقراطية.
وعلى مسافة أيام من إعلان النتائج التي يبدو أنها لن تكون لصالح الليبراليين الجدد فأن من سيسقط الديمقراطيين أن سقطوا لم يكن المسلمين بل تحالف المهمشين من ابناء الأقليات وبينهم الاقلية الافرو-اميركية فالعام الماضي 2023 مثلا كان أحد أكثر الأعوام دموية فيما يتعلق بعنف الشرطة ضد الاقليات بينما وصلت ارقام المقيمين بالشوارع والتشرد الى نسب قياسية، وواصلت إدارة بايدن الإرث الديمقراطي الرئاسي الأمريكي المتمثل بحصار وتجويع وقصف وزعزعة استقرار واقتصاد العديد من البلدان بما في ذلك فلسطين ولبنان واوكرانيا وروسيا واليمن والعراق وسوريا وإيران وفنزويلا وكولومبيا …الخ. وهذه السياسات مُتأصلة في يوميات حكم الديمقراطية الليبرالية، وتتعايش معها قيادة الحزب الديمقراطي الليبرالية مقابل ضمان قدرتها على الوصول للحكم واستغلال موارد “دولة مطبعة الدولارات” وتحظى بذلك عبر علاقتها العضوية وتمثيلها للشركات المالية الكبرى ولوبيات تصنيع السلاح والادوية.
بعيدا عن الدور الأميركي المشارك في التطهير العرقي والابادة الجماعية للفلسطينيين واللبنانيين والجرائم ضد الايرانيين والعراقيين والسوريين واليمنيين والاوكرانيين والروس فأن كلف هذه الحروب كانت على حساب حقوق الطبقة العاملة الاميركية التي بدأت تنزح من دعم الديمقراطيين للجمهوريين منذ نحو عقد بعد ان باتت الظواهر الثقافية والاقتصادية والسياسية الناجمة عن السياسات الديمقراطية دورية ثابتة وليس نتيجة ظروف محددة بل نتائج حتمية لنظام الليبرالية الجديدة المهيمن والمتحالف مع الشركات. وهذه الظواهر ومن بينها الداخلية على شاكلة إطلاق النار للقتل الجماعي في المدارس بسبب قانونية الحصول على اسلحة الية للمواطنين وفقا لاشتراطات لوبيات الاسلحة، وعمليات القتل والعنف من الشرطة، وعدم الاستعداد للكوارث الطبيعية، وارقام البطالة المرتفعة في صفوف السود والاقليات والتخلي المنظم عن التأمينات الاجتماعية، وقرب إفلاس صندوق الضمان أو الامن الاجتماعي والموت المبكر بسبب عدم وجود تأمين طبي مجاني حكومي للجميع ، والحروب الدائمة، كلها نتائج منهجية لسياسات وهي أحداث متواصلة دورية وليست منقطعة. ورغم ادعاء الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين فأن حملة الدعايات الانتخابية تكشف أن النخب الحاكمة سواء الجمهوريين أو الديمقراطيين لا نية لديهم لتقديم حلول للعديد من الأزمات الفعلية.
إن الإيحاء بوجود فروقات بين الديمقراطيين والجمهوريين خيار ” الأقل سوءا” هي فقط الية لتسويق سياسات وحشية وخوازيق يتم إعادة إنتاجها بشكل دوري لكن تسوق بأشكال مختلفة بعضها خوازيق مزيتة ناعمة غير مدببة لكنها طويلة والاخرى براقة خشنة غليظة لكن قصيرة وجميعها غلفت بعناية وتباع ضمن عملية اشتر واحدا واحصل على الاخر مجانا.
ولعل عملية الإبادة الجماعية في فلسطين بمشاركة ودعم الإدارة الديمقراطية الأميركية تكشف أن الليبرالية الجديدة لم تعد قادرة على اخفاء عنصرية متأصلة في حضارة الليبرالي الأميركي الأبيض لإن الليبرالية المتحالفة مع المؤسسات المالية وشركات السلاح تعتاش على الحروب من خلال الاحتلال والحرب والإرهاب الاقتصادي وسرقة ثروات الشعوب كما جرى مع الاحتياطي الروسي.
ومنذ بدء الابادة لم يعد ممكنا وضع مكياج لإخفاء الطغيان المتطرف للحزب الديمقراطي باعتباره منزل الاقليات والمصدر للديمقراطية للشعوب الأخرى. فصادراته في عهد اوباما لدول العالم الثالث من ديمقراطية وحرية -الربيع العربي نموذجا- كان ناتجها جثث بالجملة وانتقال رؤوس الاموال الى البنوك الأمريكية.
ولم تعد تنطلي على احد محاولة الديمقراطيين تسويق حملة هاريس كنظام حرية يضمن “الخلاص” لجميع الأميركيين وللاقليات تحديدا -خزان الاصوات الديمقراطية-، فحملة هاريس ودون ان تعلن ذلك صراحة تلتزم بموقف أن هناك حاجة لحرب دائمة في أوكرانيا ولن تلتزم بوقف الابادة في فلسطين بينما هي أن تم انتخابها تمتلك القدرة على معالجة الصراعات الخارجية القائمة وتوجيه ما يصرف عليها ضد الفقر المدقع والموت المبكر والتشرد وادمان المخدرات. جوهر حملة هاريس يطرح التعايش مع الحروب بعكس الانعزالي ترمب الذي يطرح انهائها على الاقل في اوكرانيا وحسمها سريعا ضد الفلسطينيين بما يجعل من حملة هاريس رافعة للحروب مستدامة خارج مدنها.
تحاول هاريس وخلفها الحزب الديمقراطي تسويق أنفسهم لجماهير الأقليات من خلال الخطابة وبيع الوعود والاوهام بينما في الحقيقة هي جزء من الادارة الحالية التي هي مجرد اداة او العاب دمى تحركها الطبقة الحاكمة العميقة الحقيقية وهي تحالف الشركات المالية والتكنولوجيا الكبرى مع شركات السلاح والأدوية ودور الإعلام الكبرى وهي مؤسسات بجمعها تتربح أكثر من الحروب والكوارث.
لقد اختفت الاقليات من المقاعد الأولى لممارسة السياسة في الحزب الديمقراطي حتى وان هاريس تنتمي لهم بلون الجلد لكنها تسوق سياسات الرجل الابيض العنصري. وفي عهد سيطرة هاريس ذات الجلد الاسود والسياسات البيضاء العنصرية على مؤتمر الحزب الديمقراطي منعت الاقليات من نقاش قضاياها الحقيقية على منصات الحزب الديمقراطي كما جرى مع انصار فلسطين في المؤتمر. وحين سألت هاريس على السي أن أن عن المصوتين الغاضبين على ما يجري في فلسطين قالت بعد أن أبدت تفهما “فقط” لمطالبهم انه يجب أن يكون هناك اهتمامات اخرى لهم مثل اسعار سلة المشتريات المنزلية ” الخضار” .
لقد انفصل الحزب الديمقراطي ليس فقط عن انصار فلسطين بل ايضا عن الجماهير الأوسع من الاقليات الاخرى كالسود الأفارقة الذي ينزح رجالهم ايضا باتجاه الجمهوريين بينما لا يزال الحزب الديمقراطي يحتفظ بولاء من يمكن تصنيفهم بالكمبرادور السياسي بين الأقليات من شاكلة ممثلي الاقليات في الكونغرس عن الديمقراطيين. ويسعى هؤلا الكمبرادور غير البيض إلى إقناع جماهير الاقليات ذات الأصول العرقية الساحقة بأن انتصاراتهم التشريعية وتقدمهم المهني اللاحق يتسرب بطريقة ما إلى الأسفل ويصبح انتصارا وتقدم لللأغلبية لكن التاريخ الاميركي منذ نضالات الحقوق المدنية والمكاسب التشريعية اللاحقة في الستينيات يثبت أن هذا غير صحيح وللان لم ينعكس تطور كمبرادور الاقليات او وكلاء الليبرالية الجديدة على قاعدة الاقليات بل ما حدث هو العكس من استمرار تضاعف فجوات الثروة والتقسيم الطبقي على اساس عرقي لأن الإصلاحات الليبرالية عجزت عن إحداث اي تأثير.
المبادرات الليبرالية، سواء حقوق التصويت، أو قانون التمييز الإيجابي، أو مؤخرًا قانون العدالة في الشرطة لجورج فلويد، غير فعالة على نطاق واسع في تحسين ظروف الأقليات بل ان اعداد القتلى من السود بعنف الشرطة تضاعف منذ هذا القانون.
ويستغل الليبراليين اليمين الشعبوي لتسويق انفسهم كحامي او حاجز ضد طغيان اليمين المتطرف ضد الاقليات لكنهم في ذات الوقت يمارسون ذات الدور كما في الابادة الجماعية للفلسطينيين التي تمول على حساب زيادة اعداد المشردين في المدن الاميركية لكن الديمقراطيين عكس اليمين يعبرون عن تعاطف مع الضحايا الذين يقتلون بأسلحة مجانية يوفرونها لإسرائيل وبدعم سياسب ودبلوماسي يمكن المجرمين الصهاينة من التهرب من العقاب وهذا مفترض ان يثبت تعاطف وطيبة قلب الليبراليين الجدد ويدفعنا للتحالف معهم.
كخاتمة فأن تحالف الاقليات مع الديمقراطيين هو دخول بيت محترق تفر منه الاقليات الأخرى بنزوح بطيئ لكن متواصل.