جميلة ابو غليون تكتب : أروقة الخوف
- Alsekeh Editor
- 21 ديسمبر، 2024
- المحطة الثقافية
- 1تعليق
السكة – المحطة الثقافية – كتبت جميلة ابو غليون
عزيزي ثيو..
لماذا كان يتوجب عليّ النهوض يوميًّا، والعيش برتابة وملل؟ هذا العمر موحش، لا شيء يثيرني، كَـثَمِلٍ يجر أًحاسيسه خلفه، يسقط مرةً، وينهض مرةً أخرى. لم يعُدْ بمقدوري النهوض.
كانت الألوان تزدادُ قتامةً شيئًا فشيئًا، وهذا اللون بدأ يتخمَّرُ في عيوني، ويجعلني أطرق كأسه طالبًا المزيدَ، المزيدَ من الألوان، فينسنت الثمل حدَّ الجنون بالألوان، يحاول أن يتخلص من نفسه، ويريد أن يشمّ رائحة البؤس التي تنتفض من فوّهة قلبه بالأحمر القاني، بدأت الفكرة تراودني، أمسك بالخلاص وأشمُّ رائحة البارود النفاثة. أتذكرك يا عزيزي وأتذكر كلَّ ما فعلته من أجلي، فأتوقف عن هذا.
ثيو.. كيف للعمر أن يفقد قيمته؟ وتصبح الأيام بلا معنًى، بينما يتهاوى الأسود إلى عيني، ويغزو ألواني ولوحاتي، هناك خلف المشفى عالم مختلف من النور، لوحات تشع حيوية وبشر يتمتعون بالنسخة الأصلية من المشاعر، وعيون ترى الحياة بطبعتها الأولى من الصفاء لم تفسدها الدموع، ما زالت صالحة للحياة.
هنا أدرك أنّي أصغر بكثير من حشرة، أو حتى ذبابة تنفض جناحيها بأقصى سرعة، لتحدث ضجيجاً في هذا العالم.
كنت أُحدث الضجيج باللون والكلمة، وأرسم زهور عباد شمس ونجومًا تنام في ليل أزرق، يحتضن دواماتٍ من الغيوم،وخطوطًا متقطعة وأخرى موصولة بأفكاري، وعينين زرقاوَينِ تتجهمان في صفحة السّماء. كنت أحاول أن أحدث ضجيجاً خافتاً، تتراكم لوحاتي حولي كثيرًا، ولا تحدث الضجيجَ إلا في قلبي الثمل وهو يتسكع في أروقة الخوف.
بدأت أهازيج الفلاحين تخفت في أُذنيّ شيئًا فشيئًا، لتنتهي تمامًا، لم أعد أستمتعُ بالأشياء، أود إيقاف الأفكار التي تراودني فقط.
أتذكر عينيك اللتين تفيضان بالدموع الخائبة، والخسارة المفجعة ومن أجلك أتراجع، هناك قطار يسير ببطءٍ يحمل معه متاعبي، ونهارٌ طويلٌ أسودُ يختلط بالعتمة فيتشابك الليل والنهار معًا.
عزيزي ثيوو..أخبرتها ألّا تقتربَ مني، وأن تترك مسافة كبيرة بيننا، لكنها اقتربت للحدّ الذي جعلها تتشابك مع أحشائي، كَـقُطنٍ أبيض يلتصق بشوك مشاعري الخبيثة، ولا ينتزع أبدًا، هكذا جاءت، وهكذا غادرت، وهكذا تركتني وحيدًا، إن العالم فارغ جدًّا بغيابها، ولم يعد يصلح للعيش.
عزيزي.. أستيقظ صباحاً، وأنتظر أن تعود الشّمْس بجرأتها وألوانها، بِبهجتها، بوهجها الذي يعمي العين، بهتت مناظير قلوبنا وأصبحنا نختصر الأشياء الكبيرة في أشياء صغيرة، كان وجهها الشّمْس التي بهتت والألوان التي خفت ضوؤها، وتسربت من قعر روحي، لتنشر الرّماديّ على ليل معتم أصلًا.
لا أعلم، هل كان علي أن أتجنب الحديث عنها أم أنّي أستمتع به؟ إنه حديث ثمل بالغياب والحيرة، أنني أتأرجح بين حيرة الكاتب وشعور الفنان.
عزيزي.. أرجوكَ،دعني أرتاح بقربك.
د.اسراء شتيوي
جميل جدا تسلم اناملك على هذا الابداع