السكة – المحطة الفلسطينية
عامان مضيا منذ السابع من أكتوبر 2023، واليوم لم يبقَ في غزة ما لم يمسّه الموت.
الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بالقصف والتجويع، بل حوّل الحياة ذاتها إلى آلة فناءٍ يومية:
كل يوم، 77 طفلاً يُصبحون أيتاماً، و29 سيدة تُضاف إلى لائحة الأرامل، و16 امرأة تُسقط جنينها تحت ركام الخوف والجوع والدمار.
ليست هذه أرقاماً في تقريرٍ بيروقراطي؛ إنها حصيلة إبادة ممنهجة تُمارَس على مرأى العالم، وسط صمت دولي مريب وتواطؤ سياسي يُغطّي القاتل بلغة “القلق العميق” و”المساعي الدبلوماسية”.
عامان من الدم… وأرقام تعجز عن التعبير
وزارة الصحة في غزة أعلنت أرقاماً تقشعرّ لها الأبدان:
67,173 شهيداً و169,780 جريحاً، بينهم 20,179 طفلاً و10,427 سيدة و4,813 مسنّاً.
إنها مدينة أُحرقت بأكملها، وشعب يُمحى جيلًا بعد جيل، تحت غطاء “الدفاع عن النفس” الذي تحوّل إلى رخصة مفتوحة للقتل.
في هذه المذبحة المستمرة، دفعت الطواقم الطبية الثمن الأغلى:
1,701 شهيد و362 معتقلاً من الأطباء والمسعفين، في جريمة تكشف أن الاحتلال لا يكتفي بقتل الجرحى، بل يقتل من يحاول إنقاذهم.
أما القطاع الصحي فانهار بالكامل تقريبًا: 25 مستشفى خرجت من الخدمة، و13 تعمل بالكاد دون أدوية أو معدات، فيما 55% من الأدوية و66% من المستلزمات الطبية اختفت من المخازن.
مجاعة تحاصر الأطفال… والعقاب جماعي
تحت أنقاض المستشفيات، تتسلل المجاعة.
460 إنسانًا استشهدوا جوعًا، بينهم 154 طفلاً، بينما يعيش أكثر من 51 ألف طفل دون الخامسة على حافة الموت بسبب سوء التغذية.
ولم تسلم الأجساد من التشويه: 4,900 حالة بتر وإعاقة تنتظر علاجًا غير متاح، و18 ألف مريض حُرموا من السفر للعلاج، لأن المعابر مغلقة والرحمة محظورة.
نداء غزة إلى العالم الصامت
في بيانها الأخير، أطلقت وزارة الصحة في غزة صرخة لم يعد يسمعها أحد:
“تدخلوا قبل أن تُطفأ أنفاس الحياة الأخيرة في غزة.”
لكن العالم، الذي صمت على المجازر، يبدو اليوم أكثر انشغالًا بحسابات السياسة من حساب الضمير.
الأمم المتحدة تُحصي الضحايا، لا القتلة.
والقوى الكبرى تتبادل الخطابات بدل أن تُوقف القصف.
من الإبادة إلى العار
عامان من الإبادة لم تغيّرا وجه غزة؛ بل فضحا وجه العالم.
ففي الوقت الذي تموت فيه الطفولة تحت الركام، يتحدث بعض القادة عن “فرص سلام” و“مبادرات إنقاذ”، فيما لا تزال القنابل تنهال على ما تبقى من المستشفيات والمدارس والمنازل.
غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصَرة، بل شهادة على زمنٍ انهار فيه الضمير الإنساني.
وإن كان الاحتلال يراهن على أن يقتل الذاكرة بعد أن قتل البشر، فإن التاريخ سيكتب أن على هذه الأرض، كان هناك شعبٌ قاوم حتى الرمق الأخير، بينما العالم خسر إنسانيته بصمته

