السكة – المحطة العربية
يبدو أن «رؤية السعودية 2030» دخلت مرحلة جديدة: مرحلة تجنيس النخبة.
فبعد سنوات من الحديث عن «تمكين الشباب» و«الكوادر الوطنية»، قررت الرياض أن الحل الأسرع لتطوير الإنسان هو استيراده جاهزًا من الخارج — ويفضّل أن يكون مؤسس «أوبر» أو رئيس مشروع بمليارات الدولارات.
فجأة، أصبح ترافيس كالانيك وجون باغانو — وهما اسمان من عالم الأعمال الغربي — مواطنين سعوديين. ليس لأنهما وُلدا في مكة، ولا لأنهما قضيا عقودًا في تدريس الطلاب أو معالجة المرضى، بل لأنهما يملكان شيئًا أثمن من ذلك: السمعة العالمية.
في عصر التسويق السياسي، يُقاس الولاء بكمية رأس المال، وتُمنح الجنسية بقدر ما تمنحها من صور جميلة في التقارير الاقتصادية.
الانتماء كصفقة
منح الجنسية هنا ليس احتفاءً بالانتماء، بل ترقية ضمن برنامج الولاء الملكي للمستثمرين.
كالانيك، الذي غادر «أوبر» محاطًا بسلسلة من الفضائح المهنية، بات اليوم “رياديًا رائدًا في الاقتصاد السعودي الجديد”، بينما باغانو — القادم من جزر البهاما — صار وجه السياحة الفاخرة في بلدٍ لا تزال نساؤه يواجهن عراقيل لقيادة دراجات في بعض المناطق الريفية.
لكن لا بأس، فـ«التحول الوطني» لا يحتاج إلى جهدٍ من الداخل طالما يمكن شراء رمزه من الخارج.
الجنسية، كما يبدو، لم تعد هوية، بل أداة تسويق وطنية تُستعمل لإضفاء لمعان عالمي على صورة محلية باهتة.
مفارقة التجنيس
في الوقت الذي يُكرَّم فيه رجال أعمال أجانب بجوازاتٍ سعودية مذهبة، يعيش ملايين المقيمين العرب — أساتذة، أطباء، ومهندسون — عقودًا طويلة دون أن يحصلوا حتى على إقامة دائمة.
إنها مفارقة مؤلمة:
من يعلّم أبناء البلد ويشغّل مؤسساته لا يُعتبر «مؤهلًا للمواطنة»،
بينما من يملك شركة توصيل طعام أو مشروعًا سياحيًا يُصبح «رمزًا للنهضة».
الهوية في زمن العلاقات العامة
السعودية لا تُخفي طموحها لأن تكون منصة عالمية، وهذا مشروع ومفهوم.
لكن المقلق أن يتحوّل «التحول الوطني» إلى حملة علاقات عامة تُدار بلغة المستثمرين لا المواطنين.
حين يُصبح الحصول على الجنسية مثل توقيع عقد استثماري، فإن الوطن نفسه يتحوّل إلى شركة — والشعب إلى جمهور يتابع أخبارها على «إكس».
ربما لا يهم اليوم من يحمل الجواز السعودي، بقدر ما يهم من يملك حقّ الكلام باسمه.
فـ«السعودية الجديدة» تبدو مستعدة لتغيير كل شيء — عدا مفهومها للانتماء.
أما التجنيس بالنخبة، فهو لا يُضيف إلى الوطن وزنًا بقدر ما يُضيف إلى صورته بريقًا مؤقتًا… مثل إعلانٍ تجاريٍّ جميل في نشرة أخبار لا يُصدّقها أحد

