الثلاثاء, ديسمبر 30, 2025

الأكثر

الرئيسيةمحطة المقالاتغزة… ذاكرة الدم ومسؤولية العالم

غزة… ذاكرة الدم ومسؤولية العالم

السكة – محطة المقالات

على مدى عامين، تحولت غزة إلى مرآة تكشف انهيار المنظومة الأخلاقية الدولية، وإلى شاهدٍ على زمنٍ باتت فيه الإنسانية مجرّد شعارٍ يُعلّق على جدران المؤتمرات. ما جرى لم يكن حربًا، بل إبادة مكتملة الأركان، جريمة سياسية كبرى ارتُكبت تحت أعين العالم، وبتواطؤ الصمت والازدواجية.

لقد انهارت كل العبارات المنمقة عن “القانون الدولي” و”الضمير الإنساني”، حين واصلت إسرائيل قصف المدنيين، ودفن الأطفال تحت الركام، وتجويع المحاصرين حتى الموت. أكثر من 67 ألف إنسان قُتلوا، نصفهم من النساء والأطفال، بينما العالم يناقش “حق الدفاع عن النفس”.

تحولت غزة إلى مقبرة مفتوحة، وإلى اختبار أخلاقي فشل فيه كثيرون.

لكن وسط هذا الركام، ولدت نهضة ضمير عالمية. ملايين الأصوات خرجت في عواصم الأرض مطالبة بوقف المذبحة. شعراء، طلاب، فنانون، وأصوات من داخل المجتمعات الغربية نفسها، جميعهم أعلنوا أن غزة لم تعد مجرد جغرافيا، بل قضية إنسانية تعني كل من لا يقبل أن تُسحق العدالة باسم السياسة.

لقد أرغمت هذه الإبادة دولًا لطالما ترددت، مثل بريطانيا وفرنسا وكندا، على الاعتراف بدولة فلسطين. حتى بعض حلفاء إسرائيل التاريخيين لم يعودوا قادرين على تجاهل الكارثة. فمشهد المجاعة في رفح، واغتيال الأطفال في مدارس الأونروا، وصور الطوابير بحثًا عن الماء، غيّرت الرأي العام الدولي أكثر مما فعلت عشرات الخطب الدبلوماسية.

تلك المأساة كشفت نفاق النظام الدولي، الذي يُدين العدوان في أوكرانيا لكنه يصمت أمام المجازر في غزة. فهي لم تكن مجرد حرب على الفلسطينيين، بل على مفهوم العدالة نفسها.

ومع كل صاروخ سقط على حيّ سكني، سقط جزء من مصداقية الأمم المتحدة ومؤسسات القانون الدولي التي عجزت عن حماية المدنيين، أو حتى قول الحقيقة كاملة.

اليوم، وبعد عامين على هذه الإبادة، تتجدد الأسئلة الأخلاقية:

هل يمكن للضمير العالمي أن يطوي صفحة غزة كما طوى صفحات سربرنيتسا ورواندا؟

وهل يكفي الإعمار المادي لترميم الذاكرة؟

إن حفظ الذاكرة ليس ترفًا، بل واجب وجودي. يجب أن تُوثق شهادات الناجين وتُحوّل إلى أفلام ووثائق وأعمال فنية تخلّد المأساة، وأن تُنشأ متاحف في غزة وخارجها تُسجل الجرائم الإسرائيلية، لتبقى حاضرة في الوعي الإنساني.

كما يجب أن تُدرج المأساة الفلسطينية في المناهج الدراسية العالمية، وأن تُخصّص ذكرى دولية سنوية لإحياء ضحايا إبادة غزة، حتى لا تتحول المأساة إلى مجرد رقم في تقارير الأمم المتحدة.

لكن الذاكرة وحدها لا تكفي إن لم تُترجم إلى عدالة ومحاسبة. فالمسؤولون عن الجرائم يجب أن يُقدَّموا إلى المحاكم الدولية، دون حصانة سياسية أو غطاء دبلوماسي. إن حماية القتلة بذريعة السياسة يعني إعدام القانون نفسه.

غزة اليوم ليست فقط جرحًا فلسطينيًا، بل ضمير العالم. من يقف على الحياد أمام الإبادة يقف ضد الإنسانية.

فالطريق إلى السلام لا يمر عبر صفقات أو مؤتمرات، بل من بوابة العدالة، والاعتراف بحق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير.

إن إعادة إعمار غزة لا تبدأ بالحجر، بل بالذاكرة… وبالتعهد الإنساني:

أن لا تُمحى أسماء الضحايا من الوعي، ولا تُكرَّر المأساة مرة أخرى في أي مكان من هذا العالم

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا